القاهرة – أثار مشروع القانون، الذي اقترحه عدد من أعضاء مجلس النوّاب تحت مسمّى "الشرطة الأسريّة" بهدف حلّ الخلافات الزوجيّة والتصدّي لحالات الطلاق المتزايدة، جدلاً واسعاً بين الأعضاء وعدد من الخبراء والمتخصّصين، حول أهميّته وإمكانيّة تنفيذه على أرض الواقع. وتضمّن المقترح إنشاء مبان مستقلّة عن أقسام الشرطة، تفصل قضايا الخلافات الزوجيّة عن الأخرى الجنائيّة، وتكون مهمّتها النظر فى مشاكل الأسرة وخلافاتها، ومحاولة حلّها قبل أن تصل إلى الطلاق، بعيداً عن أماكن التحقيق واحتجاز المجرمين والمشتبه بهم في قضايا جنائيّة، بهدف مراعاة العامل النفسيّ للأسرة والطفل .
وكانت البداية عندما تقدّم مركز "عدالة ومساواة"، وهو منظّمة غير حكوميّة، بمقترح إنشاء شرطة أسريّة متخصّصة تهتمّ بالنظر فى كلّ ما يتعلّق بمشاكل الأسرة كجرائم أو مشاكل العنف الأسريّ ومشاكل الحاضنة والمسنين والميراث ومشاكل أسرة الشخص المدمن المشرّد، والمرضى النفسيّين وغيرها.
وتبنّى هذا المقترح عدد من أعضاء مجلس النوّاب، من بينهم: عضو لجنة الإتّصالات وتكنولوجيا المعلومات النائب عبد الحميد الشيخ، الذي أكّد أنّ فور انتهاء المركز من إعداد مشروع القانون سيعمل على جمع 60 توقيعاً من أعضاء المجلس لتقديمه إلى لجنة المقترحات والشكاوى، ثمّ مناقشته وإقراره، وقال في تصريحات صحافيّة: "سينصّ مشروع القانون على وجود إختصاصيّين إجتماعيّين وضباط متخصّصين ومؤهّلين للقيام بالدور الإصلاحيّ والتعامل بحنكة مع المشاكل الأسريّة والمساهمة في تقليل الخلافات بين طرفي المشكلة، خصوصاً أنّ معدّلات الطلاق أصبحت مرتفعة جدّاً، وهذا الدور سيساعد على تماسك الأسرة وسيؤدّي إلى تماسك المجتمع ككلّ".
وأكّد ضرورة أن يتزامن مع تفعيل شرطة الأسرة، إنطلاق حملات توعية حول التماسك الأسريّ في وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى قيام المجلس القوميّ للمرأة ومنظّمات المجتمع المدنيّ بدورهما في تأهيل الرأي العام لهذه التجربة الجديدة، ومن دون ذلك لن تنجح.
ومن جهتها، قالت رئيسة مركز "عدالة ومساواة" هالة عثمان في بيان صحافيّ: "الشرطة الأسريّة لصالح المجتمع كلّه، ولصالح المرأة والطفل، خصوصاً في حالات تسليم "المحضونين" بالقوّة، والتي يمكن أن يصاحبها تأثير نفسيّ سلبيّ على الأطفال، وأيضاً في حالات أحكام النّفقة، التي تعاني المرأة في سبيل تنفيذها، وغيرها من الحالات التي ينبغي التعامل معها بصورة أمنيّة مختلفة تراعي الأبعاد الإجتماعيّة والنفسيّة للأطفال والأمّهات. وفي سبيل ذلك، تستعين "الشرطة الأسريّة" بالإختصاصيّين النفسيّين والإجتماعيّين على غرار ما يحدث في محكمة الأسرة.
وسجّلت الإحصاءات الدوليّة في الأمم المتّحدة بـ11 أيلول/سبتمبر من العام الماضي ارتفاع نسب الطلاق فى مصر حتّى أصبحت الأولى عالميّاً في حدوث حالات الطلاق، بمعدّل فاق الـ170 ألف حالة في العام الأخير 2014. واعتبرت أنّ سبب ذلك يعود إلى الظروف الإجتماعيّة والإقتصاديّة والصحيّة، فضلاً عن نقص الوعي أو إدمان المخدّرات وانتشار المواقع الإباحيّة على الإنترنت، ممّا جعل هناك تزايداً في نسب الطلاق عاماً بعد عام، خصوصاً مع قانون الخلع الذي يساعد المرأة على الطلاق من دون علم زوجها.
وكشفت إحصائيّات تابعة للجهاز المركزيّ للتعبئة العامّة والإحصاء في 20 كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي أيضاً عن ارتفاع معدّلات الطلاق في عام 2014 الماضي، حيث بلغت 180 ألفاً و344 شهادة حالة طلاق، بزيادة بلغت 10.9 في المئة عن عام 2013.
وأشارت الإحصائيّات إلى أنّ مناطق الحضر كانت أكثر المناطق التي سجّلت حالات الطلاق بنسبة 54.3 بالمئة، في حين انخفضت بالريف لتسجّل نسبة 45.7 بالمئة من إجماليّ شهادات الطلاق التي تمّت خلال العام.
إلاّ أنّ تطبيق هذا المقترح على أرض الواقع يواجه صعوبات وعقبات من وجهة نظر بعض المتخصّصين، حيث وصف مساعد وزير الداخليّة الأسبق اللّواء محمّد نور الدين في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور"، الفكرة بـ"الجيّدة"، في الوقت نفسه الذي توقّع فيه فشلها، ما لم يتمّ التخطيط لها في شكل جيّد، سواء أكان من حيث تدبير الموارد الماليّة أم الإستعانة برؤى وإقتراحات منظّمات المجتمع المدنيّ والمجالس القوميّة للأمومة والطفولة"، وقال: "فكرة وجود مبنى كامل منفصل تماماً عن أقسام الشرطة ودواوينها يختصّ بكلّ ما يتعلّق بالخلافات الأسريّة، سواء أكان لجهة ضبّاط الشرطة لتحرير المحاضر الرسميّة أم لجهة فريق النيابة للتحقيق وقضاة المحكمة لإصدار الحكم النهائيّ، في منتهى الأهميّة، لأنّها ستمنع الخلط بين قضايا الأزواج والأخرى الجنائيّة ومتعاطي المخدّرات داخل أقسام الشرطة، فضلاً عن أنّها تجنّب الأطفال التعرّض لهذه المشاهد المؤسفة داخل أقسام الشرطة، ولكن هذا المقترح يحتاج إلى دعم ماديّ ضخم، في الوقت الذي تعجز فيه وزارة الداخليّة عن تمويله، فالوزارة ليس لديها أيّ موارد لإنفاقها على هذا المشروع، في ظلّ التحدّيات الكبيرة التي تواجهها، والمواجهة المستمرّة للإرهاب ومطاردته من داخل منابعه، إضافة إلى استحداث وسائل تكنولوجيّة على أعلى مستوى لمواجهة هذا الإرهاب الغاشم".
أضاف محمّد نور الدين في تصريحاته لـ"المونيتور": "أعلم جيّداً أنّ مصر في أشدّ الحاجة إلى تطبيق هذه الفكرة، في ظلّ إرتفاع معدّلات الطلاق عاماً بعد عام، حتّى وصلت إلى هذه الأرقام المخيفة، خصوصاً أنّ هذه الفكرة يتمّ تطبيقها فى معظم دول أوروبا والعديد من الدول العربيّة، ومصر تأخّرت كثيراً عن تنفيذها بسبب الأحوال المعيشيّة الصعبة التي يعيشها المواطن البسيط وضعف الموارد الماليّة المتاحة في الدورة، فما بالك خلال الفترة الحاليّة التي تواجه فيها مصر ظروفاً عصيبة وتحدّيات إقتصاديّة كبيرة لم ترها منذ عشرات السنين".
وتابع تصريحاته لــ"المونيتور" قائلاً: وزارة الداخليّة تضمّ عناصر على مستوى عال من الكفاءة وضبّاط شرطة من خرّيجي كليّات الآداب أقسام علم نفس وإجتماع، ولديهم القدرة على التعامل مع كلّ الخلافات الزوجيّة، ولكن كلّ هذا لن يحدث، إلاّ بتوافر الموارد الماليّة اللاّزمة، لأنّنا نحتاج إلى إنشاء 30 مبنى في كلّ محافظات الجمهوريّة، 4 منها في القاهرة نظراً لكثافتها، و26 مبنى في المحافظات الأخرى، بحيث لا تخلو محافظة واحدة من وجود شرطة أسريّة. وبالتّالي، إذا موّلت الحكومة الفكرة، ستكون وزارة الداخليّة على أتمّ الاستعداد لتنفيذها في الحال".