قال المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا في 22 نيسان/أبريل إنّ وقف الأعمال العدائيّة الذي بدأ تطبيقه في 26 شباط/فبراير "لا يزال ساريًا. ولم يقم أيّ من الأطراف بالتخلّي عنه. ... إلا أنّه سيكون في ورطة كبيرة ما لم نتحّرك بسرعة".
وفي حديثه في لندن في اليوم عينه، قال الرّئيس الأميركي باراك أوباما إنّ وقف الأعمال العدائيّة بدأ "ينهار"، مضيفًا أنّه سيلتزم بهذا الخيار حتّى النّهاية ... مع أنّه "لطالما كان مرتابًا من تحرّكات الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين ودوافعه داخل سوريا. إذا انهار وقف إطلاق النار فعلاً، سنحاول ترميمه مجدّدًا مع استمرارنا بالسّعي وراء داعش (تنظيم الدّولة الإسلاميّة)". وفي تصريحات أوباما في اليوم السابق في الرّياض مع الملك السّعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، قال إنّ "وقف الأعمال العدائيّة يرزح بشكل واضح تحت ضغط هائل، بما في ذلك الانتهاكات المتواصلة لنظام بشار الأسد. وهذا العنف ليس إلا تذكيرًا آخر بوجود طريقة واحدة فقط لإنهاء هذه الحرب الأهليّة، طريقة يوافق عليها شركاؤنا في مجلس التعاون الخليجي، وهي إنشاء هيئة حاكمة انتقاليّة، ووضع دستور جديد مع انتخابات حرّة، ويشمل ذلك الانتقال بعيدًا عن الأسد".
ألقى كلّ من التّقارير الصّحفيّة والمسؤولين الأميركيّين اللّوم على القوّات السّوريّة المدعومة من إيران وروسيا بشكل أساسي لانهيار وقف إطلاق النّار الهشّ، مع الإشارة إلى حشدٍ لسلاح المدفعية الرّوسي حول حلب استعدادًا لهجوم محتمل. وما لا شكّ فيه هو أنّ الحكومة السّوريّة تسعى إلى الاستفادة من تقدّمها حتّى مع بقاء وفدها في جنيف لمواصلة محادثات "التقارب" برعاية الأمم المتّحدة؛ إلا أنّ الوضع على الأرض يستحقّ نظرة فاحصة.
تشير صحيفة ذي ايكونوميست إلى أنّ الحكومة السّوريّة أفلتت من العقاب حتّى الآن على الرّغم من هجماتها على حلب، "ويعود ذلك جزئيًا إلى أنّ المعارضة هناك تهيمن عليها جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، وإحدى المجموعات الإرهابيّة المستثناة من وقف إطلاق النار، إلى جانب تنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش)". يفيد معهد دراسات الحرب الذي يحظى باحترام كبير، بأنّ أحرار الشام، وجيش الإسلام والجيش السّوري الحرّ وغيرهم من المجموعات المسلّحة أنشأوا غرفة عمليّات ردّ المظالم لتنفيذ عمليّات عسكريّة ضدّ مواقع للحكومة السّوريّة في منطقة اللاذقيّة. ويفيد التّقرير أيضًا بأنّ "المجموعتين السّلفيّتين الجهاديّتين جند الأقصى والحركة الإسلاميّة التركستانيّة استولتا على قرية خربة الناقوس في سهل الغاب في محافظة حماة الشّماليّة الغربيّة". وقد اتّهمت وزارة الدّفاع الرّوسيّة أحرار الشام بانتهاك وقف إطلاق النار حول اللاذقيّة وحلب، واتّهمت جيش الإسلام بشنّ هجمات بقذائف الهاون حول دمشق.
أفاد سردار ملا درويش هذا الأسبوع للمونيتور عن القتال في حيّ الشيخ مقصود في حلب حيث تقوم وحدات حماية الشّعب السّوريّة الكرديّة التي تدعمها الولايات المتّحدة بمحاربة عدد من المجموعات المسلّحة. وقد أدانت منظّمة هيومن رايتس ووتش "الهجمات العشوائية" التي تواصلت أثناء وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك غارة جويّة شنّتها الحكومة السّوريّة على منطقة دير العصافير في 31 آذار/مارس أدّت إلى مقتل 31 مدنيًا على الأقلّ. هذا ويفيد توم رولينز عن نتائج القتال الذي اندلع بين جبهة النصرة وداعش في مخيّم اليرموك للاجئين.
لندع جانبًا إذًا الحديث عمّن يتحمّل مسؤوليّة انهيار وقف الأعمال العدائيّة، إذ يبدو أنّ الانتهاكات كثيرة بما يكفي لإلقاء اللوم على الجميع. ويمكن للمرء أن يسلّم جدلاً أنّ المسؤوليّة تقع بالدّرجة الأولى على عاتق الحكومة السّوريّة. مع ذلك، إنّ التّنسيق المتزايد بين الجيش السّوري الحرّ وكلّ من أحرار الشام، وجيش الإسلام وغيرهما من الجموعات السّلفيّة المدعومة من الخارج، التي، بالاستناد إلى التّيّارات السّياسيّة، بالكاد تفصلها درجة واحدة من التّباعد عن جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، يجب أن يكون سببًا لدقّ ناقوس الخطر.
لم يُخْفِ هذا العمود انتقاده لأحرار الشام وجيش الإسلام اللّذين نعتبرهما زميلين في الأيديولوجيّة مع جبهة النصرة التي تعاونا معها في الماضي. وفي الواقع والمبدأ، نفضّل عدم وصفهم بـ"الثوار" والتشكيك في أيّ توجّه ثابت نحو الأسلمة السّلفيّة لسياسات المعارضة السّوريّة. لا بدّ من تهميش هذه المجموعات المتطرّفة لا دمجها مع المعارضة السّوريّة. والجدير بالذّكر هو أنّ الوطنيّين العلمانيّين في المعارضة اضطرّوا أن يتحمّلوا العمل مع المجموعتين المعارضتين للأسد اللتين تستطيعان الحصول على المال والسّلاح من رعاتهما في الخارج الذين يشاركونهما أجندتهما المتطرّفة على حساب الشّعب السّوري. وتجدر الإشارة إلى أنّه لولا هذا الدّعم الخارجي، نحن نشكّ بوجود أيّ عامل جذب آخر وبقدرة هذه المجموعات على البقاء.
هناك أمر آخر أيضًا، فالأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون قال للمراسلين في 8 نيسان/أبريل إنّ مكتبه ينسّق مع منظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة للتّحقيق في التقارير التي تفيد بأنّ جيش الإسلام استعمل أسلحة كيميائيّة ضدّ المجموعات الكرديّة في حلب. ورد في تصريح صادر عن جيش الإسلام في 7 نيسان/أبريل أنّ قائدًا تعرّض للتّأنيب لاستعماله "أسلحة غير مصرّح باستخدامها في هذه الأنواع من المواجهات"، وقد زعمت المجموعة في ما بعد أنّ هذه الأسلحة هي "صواريخ غراد معدّلة"، وليس كلور أو غاز كيميائي.
سواء أكان جيش الإسلام قد استعمل أسلحة كيميائيّة أم لا، إنّ الكشف عن الدّور النّشط بشكل متزايد لهذه المجموعة، ولأحرار الشام والمجموعات السّلفيّة الأخرى يجب أن يكون بمثابة تذكير بأنّ النّهج الوحيد الصّالح من أجل التّوصّل إلى تسوية في سوريا هو زيادة التّنسيق لا الحدّ منه بين الولايات المتّحدة وروسيا لحشد الأطراف الإقليميّة بهدف تهميش هذه المجموعات مع إبقاء الضّغط على حكومة الأسد لتتوقّف عن قصف المناطق المدنيّة وتوسّع الإغاثة الإنسانيّة إلى المناطق المحاصرة.
وكما حذّرنا الأسبوع الماضي، ما من خطّة بديلة قابلة للتّطبيق في سوريا، بخاصّة إذا كانت مثل هذه الخطّة تعتمد على تقديم أسلحة متطوّرة إلى مجموعات كأحرار الشام وجيش الإسلام، أو احتمال وقوع مثل هذه الأسلحة بين أيديهم. إنّ مناورات هذه المجموعات انتهازيّة للغاية، وأيديولوجيّتها متطرّفة بشكل شديد الوضوح والخطوط بينها وبين جبهة النصرة مبهمة للغاية. قد تكمن الخطّة البديلة إذًا في إعادة التفكير في أفضل طريقة للتعامل مع تقدّم متوقّع مدعوم من روسيا وإيران في حلب حيث لا يزال يسيطر كلّ من داعش، وجبهة النصرة والمجموعات السّلفيّة. وبدلاً من النّظر إلى مثل هذه العمليّة، إذا حدثت، كناسف لاتّفاق وقف إطلاق النار، ربّما المقاربة التي ستعود بفائدة أكبر هي قيام الولايات المتّحدة وروسيا، وحلفاء كلّ منهما، بالتنسيق لعمليّاتهم في حلب لاستهداف قوّات جبهة النصرة وداعش والحدّ من الخسائر في صفوف المدنيّين. كتب هذا العمود أنّ تحرير حلب قد يشكّل نقطة تحوّل في الحرب السّوريّة ونكسة مدمّرة لقوات التطرّف. ويجب أن تقوم الولايات المتّحدة وشركاؤها الإقليميّون بتبنّي هذه النّتيجة بدلاً من مقاومتها.