القاهرة – تعيش أغلب المنظّمات الحقوقيّة المصريّة أزمة كبيرة تهدّد وجودها في الفترة المقبلة، على خلفيّة الملاحقة التي تعيشها هذه المنظّمات التي تتبنّى موقفاً ناقداً لسياسات النظام الحاليّ، والذي سعى بدوره عبر عدد من الإجراءات إلى إخضاعها إلى سيطرة الدولة من خلال إعادة فتح قضيّة التمويل الأجنبيّ، التي يحمل بعض التهم الموجودة فيها عقوبات تصل إلى السجن المؤبّد، وكذلك استصدار إجراءات قانونيّة في حقّ بعض الحقوقيّين البارزين تضمّنت المنع من السفر وتجميد ممتلكاتهم.
الحقوقيّ البارز جمال عيد هو أحد من شملتهم هذه الإجراءات بالمنع من السفر وتجميد أموالهم وممتلكاتهم هو ووزوجته وابنته القاصر. وقد تحدّث إلى "المونيتور" عن مخاوفه حيال الحملة التصعيديّة التي تقودها الدولة حيال منظّمات المجتمع المدنيّ، وعن المستقبل المجهول الذي ينتظرها في مصر.
المونيتور: هل تتوقّع أن تستمرّ الحملة التصعيديّة من جانب النظام المصريّ تجاه منظّمات المجتمع المدنيّ في الفترة المقبلة أم أنّها ستكون موجة ضمن الموجات السابقة؟
كنت أتمنّى أن أعلم الإجابة أو أن يصدر أيّ منطق من النظام يجعلنا نتوقّع شيئاً، لكن للأسف نحن لا نعرف تماماً من يهاجمنا أو من يدير هذه الهجمة الشديدة القسوة ضدّنا.
المونيتور: يعتقد البعض أنّ إعادة فتح قضيّة التمويل الأجنبيّ، محاولة من النظام المصريّ لاستخدمها كورقة تفاوضيّة مع الغرب؟
أعتقد أنّ هناك العديد من الأسباب التي تجعل النظام يعيد فتح هذه القضيّة، والرأي الذي يرى أنّها ستستخدم كورقة تفاوضيّة، يقف جنباً إلى جنب مع آراء أخرى مثل إسكات آخر الأصوات المنتقدة، إلى جانب ضغط فلول نظام حسني مبارك للانتقام ممّن شاركوا في الإطاحة به، إضافة إلى الرأي الذي يقول إنّها نصيحة من المملكة العربيّة السعوديّة التي تعادي منظّمات حقوق الإنسان، والرأي الذي يرى أنّ المجتمع المدنيّ ورقة في صراع الأجهزة ضدّ بعضها... وفي النهاية هناك العديد من الأسباب التي تبدو منطقيّة.
المونيتور: هل تمّ استجوابك من قبل الهيئة المحقّقة في هذه القضيّة؟
حتّى الآن ومنذ عام 2011، لم يتمّ استدعائي ولم يتمّ التحقيق معي، ولم يتمّ إبلاغي بأنّني متّهم أساساً. كلّ ماعلمته عن قضيّتي من خلال المنشور في وسائل الإعلام. وأعتقد أنّ القضيّة الحاليّة هي إجراء عقابيّ على مواقفي السياسيّة والحقوقيّة في الفترة الأخيرة .
المونيتور: لكن هل شملت القضيّة تلقّي تمويل أجنبيّ فقط، أم امتدّت إلى التحقيق فى مدى قانونيّة إنشاء المنظّمة التي ترأسها الشبكة العربيّة لحقوق الإنسان، من دون الحصول على ترخيص؟
كلّ معلوماتي عن هذه القضيّة مصدرها الإعلام. وفي جلسة المحاكمة الأولى، سألنا القاضي عن علاقة إجراء التحفّظ بالأموال والمنع من السفر بما ورد في القضيّة، فكانت إجابتي بأنّني لست متّهماً، ولم يتمّ التحقيق معي في أيّ أمر. للأسف، قاضي التحقيق اعتمد على كلام مرسل من ضابط في الأمن الوطنيّ، وعندما توجّهوا إلى المصرف للسؤال عمّا إذا كنت أتلقّى تمويلاً على حسابي الشخصيّ، أكّد لهم عدم صحّة ذلك الحديث على وجه الإطلاق، ممّا يؤكّد أنّه لا توجد أيّ حجّة قانونيّة، وهي فقط رغبة في التنكيل بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
المونيتور: لماذا أغلب منظّمات المجتمع المدنيّ المصريّة كالمنظّمة التي ترأسها مسجّلة كشركات مصريّة ذات مسؤوليّة محدودة، وليست كمنظّمات حقوقيّة وفقاً لقانون الجمعيّات 84؟
حاول الكثيرون منّا التسجيل كجمعيّات، لكنّ سيطرة جهاز أمن الدولة خلال حكم الديكتاتور مبارك، وحتّى الآن جعلت هذا الأمر مرفوضاً. وبالتالي، قمنا بالتسجيل بأشكال قانونيّة أخرى، واليوم أصبح القانون 84 لسنة 2002 غير دستوريّ.
المونيتور: هل من شأن تسجيل المنظّمات بموجب قانون الجمعيّات رقم 84 أن يحميها من الملاحقة؟
القضيّة السياسيّة التي يتمّ إشهارها الآن، لا تتعلّق في شكل تسجيل أيّ منظّمة حقوقيّة أو طبيعته، بل في طييعة عملها ومصداقيّتها. فالكثير من المنظّمات المتواطئة مسجّلة كشركات، ولم يتمّ التطرّق إليها، وبعض الجمعيّات المسجّلة طبقاً للقانون 84، تتمّ ملاحقتها. فالعبرة هي: هل المنظّمة متواطئة أم لا؟
المونيتور: كان وزير العدل السابق أحمد الزند قد قال في مقابلة متلفزة في 28 كانون الثاني/يناير 2016 إنّ الملاحقة في قضيّة التمويل الأجنبيّ ستتحرّك في القريب العاجل... فهل تعتقد أنّه أحد الضالعين في تحريك القضيّة؟
نعم. لكن ليس وحده، فكما قلت، إنّ العديدين من رموز نظام مبارك يكنّون العداء للمنظّمات الحقوقيّة المستقلّة.
المونيتور: ما مدى إمكان اعتماد منظّمات المجتمع المدنيّ على تمويل محلّي أو مشاركة شعبيّة في ظلّ تهويل الدولة من التمويل الأجنبيّ واحتمال حظرها على المدى القريب؟
قدّمنا في عام 2011 مشروع قانون للجمعيّات إلى المجلس العسكريّ، حين كنّا نظنّه أميناً على الثورة، يجعل التمويل المحلّي هو الأساس، ويشجّع رجال الأعمال على الدعم. والخطوة الثانية من مؤسّسات مدنيّة غير حكوميّة دوليّة، وقلنا بأن تعلن كلّ منظّمة عن مصدر التمويل وحجمه وأوجه إنفاقه. لكنّ المجلس العسكريّ وبالتعاون مع وزيرة التعاون الدوليّ السابق ومستشارة الرئيس الحاليّ للأمن القوميّ فايزة أبو النجا كشف عن شدّة عدائه للمجتمع المدنيّ. ولا ننسى مع احترامنا للمجتمع المدنيّ، هبوط طائرة عسكرية لتقلّ المتّهمين في القضيّة المفبركة إلى خارج مصر، على الرغم من صدور أحكام قضائيّة في حقّهم. وملخّص هذه الأزمة أنّ القضيّة ليست تمويلاً، بل مصادرة للمجال العام، وأن يعمل المجتمع المدنيّ كديكور أو كوافير للنظام... وهو ما نرفضه تماماً.
المونيتور: ماهي أبرز الصعوبات التي تواجه عمل المنظّمات الحقوقيّة في عهد الرئيس عبد الفتّاح السيسي؟
نظام الرئيس السيسيّ هو مزيج من نظام مبارك وعسكريّين، وكلاهما معادٍ لحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو ما يجعل العمل الحقوقيّ الجادّ شديد الصعوبة.
المونيتور: ما هو المأخذ على مشروع قانون الجمعيّات الأهليّة الجديد التي ترغب الحكومة في تمريره على البرلمان في الفترة المقبلة؟
للأسف، علمنا بأنّ هناك ثلاثة مشاريع قوانين، من وزارة التضامن، من أمن الدولة، ومن الأمن القوميّ. وهذه المشاريع كلّها تتنافس في السيطرة على المجتمع المدنيّ والهيمنة عليه، وجعله شعبة أو مكتباً تابعاً إلى الحكومة، وليس طرفاً مستقلّاً متعاوناً مع الدولة، لصالح المواطن.
المونيتور: كيف تتباين طبيعة العلاقة بين النظام السياسيّ الحاكم والمنظّمات الحقوقيّة، عمّا كانت عليه خلال فترة الرئيس السابق محمّد حسني مبارك؟
للأسف، وعلى الرغم من عدائي الشديد لنظام مبارك، فقد كانت هناك مساحة تسمح بتقديم الخدمة، وكانت هناك أجنحة ولو هامشيّة تسمح للمجتمع المدنيّ بالعمل فيها. وبالتالي لم يكن الميدان خالياً للسيّدة فايزة أبو النجا، لكن الآن، عداء السيّدة فايزة أبو النجا وسيطرتها هما المتصدّران للمشهد. لديهم القوّة والسلطة، ولدينا الحقّ والكلمة.