تتصاعد وتيرة اغتيالات المسؤولين في محافظة الأنبار في غرب العراق بشكل مخيف، وأغلب هذه الاغتيالات يتبناها تنظيم "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) التابع لتنظيم "القاعدة".
وتبدو العمليات التي تقوم بها "القاعدة" أكثر تنظيماً وعنفاً من السابق، إذ تمكّنت في الشهرَين الماضيَين من قتل ضبّاط ومدراء أقضية، فضلاً عن تهديد الجنود المنتمين إلى القوات الأمنيّة بالقتل في حال استمروا في الخدمة في صفوف الجيش والشرطة، بالإضافة إلى استمرار عمليات تفجير السيارات المفخّخة واقتحام المقرات الحكوميّة.
ويأتي هذا التردّي الأمني مع تصاعد الخلافات بين معتصمي المحافظة في ساحات ما يسمّى بـ"العزّ والكرامة" منذ أكثر من عام والحكومة المركزيّة في بغداد. فحكومة بغداد تتّهم المعتصمين بإيواء الهاربين المطلوبين للقضاء من قادة "القاعدة" فيما ينفي المعتصمون هذه التهم، ويتّهمون حكومة بغداد بالتغاضي عن مطالبهم "المشروعة" منذ أكثر من عام.
وفي 11 كانون الأول/ديسمبر الجاري طالب مجلس محافظة الأنبار المعتصمين برفع الخيم من ساحات الاعتصام "منعاً لاستغلال القضيّة سياسياً مع اقتراب موعد الانتخابات"، وتأجيل الاعتصامات إلى ما بعد إجراء الانتخابات النيابيّة. لكن المعتصمين رفضوا طلب المحافظة، فضلاً عن إعلانهم تشكيل جيش "العزّة والكرامة" بمباركة مفتي الديار العراقيّة.
ويقول الصحافي عمر الدليمي من الفلوجة، إن "الأوضاع الأمنيّة تتدهور بشكل سريع مع اقتراب موعد الانتخابات الذي يبدو أنه يعجّل في إخلال الأمن في المحافظة"، ويشير في حديث إلى "المونيتور" إلى وجود "ميليشيات تابعة للأحزاب في الأنبار تساعد في تدهور الأمن بالإضافة إلى تنظيم القاعدة".
وفي 21 كانون/ديسمبر قتل نحو 18 عسكرياً من الفرقة السابعة بينهم قائد الفرقة في أثناء مداهمتهم وكراً لـ"القاعدة" ضمن وادي حوران، فضلاً عن إصابة 35 عسكرياً آخر معظمهم من الجنود. وعلى أثر ذلك قامت القوات الأمنيّة بعمليات عسكريّة "واسعة النطاق" في صحراء الأنبار، بمشاركة قطعات قتاليّة وبإسناد من المروحيات العسكريّة.
في مقابل هذا، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي مظهر الجنابي في تعليق على هذه العمليات، بأنها "لن تؤدي إلا إلى اعتقال المزيد من الأبرياء في المحافظة وزجّهم في السجون من دون تهم". ويشير إلى أن "التدهور الأمني سيظل واقع الأنبار بسبب عدم التنسيق بين لجنة الأمن والقوات الأمنيّة في المحافظة".
ويؤكد الجنابي في حديث إلى "المونيتور" أن "عائلات في الأنبار باتت تأوي المنظمات الإرهابيّة من القاعدة وغيرها بسبب عدم احتواء الحكومة للمتظاهرين وأهالي الأنبار".
ويقول مصدر أمني في قيادة عمليات الأنبار في حديث لـ"المونيتور" إن "بعض عناصر القوات الأمنيّة انسحبوا من الجيش والتزموا منازلهم بسبب تهديد تنظيم القاعدة لأهاليهم بالقتل في حال استمروا في القتال إلى جانب الجيش والشرطة".
وتعاني القوات الأمنيّة من مصاعب عدّة في الأنبار، من بينها السيطرة على الحدود العراقيّة-السورية الممتدّة على طول نحو 600 كيلومتر والتي تمرّ عبرها الأسلحة وكذلك مقاتلون عرب وأجانب من سوريا.
ويشير المصدر الأمني إلى تهريب "صواريخ غراد من سوريا إلى العراق، الأمر الذي يهدّد باستهداف مقرات الجيش والشرطة بشكل أوسع مما هو عليه الآن".
إلى ذلك، يقول المتحدث الرسمي باسم ساحة اعتصام الفلوجة محمد البجاري إن "الاعتصامات ستستمرّ"، ويشدّد في حديث إلى "المونيتور" على أن "المعتصمين لن يتركوا ساحات الاعتصام حتى تحقيق مطالبهم المشروعة ورفع الظلم وإطلاق سراح الأبرياء من السجون".
ويوضح أن المعتصمين "لن يمتثلوا لأوامر الأحزاب والسياسيّين الفاشلين وتهديدات المليشيات"، ملحماً إلى الإعداد "لعصيان مدني وتدويل القضيّة من خلال رفعها أمام المحاكم الدوليّة".
ويشير البجاري إلى أن "المتواجدين في ساحات الاعتصام لهم امتدادات عشائريّة وهذا سيضاعف الأزمة في حال تعرّضت الساحات إلى أي هجوم"، مؤكداً أن "الاعتصام السلمي مكفول دستورياً وأن من حقّ المواطن أن يعتصم ما دام الدستور يكفل هذا الحق". ويلفت إلى أن "أي أمر خارج السلميّة سيؤدّي إلى إسالة الدماء".
ويوضح البجاري أن "جيش العزّة والكرامة لم يشكّل إلا في مدينة الرمادي، وأنه لا يوجّه السلاح إلى الجيش والشرطة بل إلى الميليشيات –لم يسمّها- التي تحاول القضاء على الاعتصامات".
ويقول عمر الدليمي إن "أهالي الأنبار يشعرون بأن الحكومة المركزيّة لا تهتم لمطالبهم وإنهم يلجأون إلى الاعتصامات والثبات عليها من أجل إخراج المعتقلين من أبنائهم الذين قضوا أعواماً في السجن من دون أي محاكمات".
وينفي البجاري أن "يكون أي عنصر من القاعدة أو من الخارجين على القانون في ساحات الاعتصام"، لافتاً إلى أن "المعتصمين يتعرّضون للتفتيش يومياً من قبل قوات الأمن وهم يعرفون أن الجميع من أبناء المحافظة ولا يحملون السلاح".
لكن رئيس الوزراء نوري المالكي لوّح عبر شاشة التلفزيون الرسمي في خطاب سلّط فيه الضوء على الأنبار، باقتحام ساحات الاعتصام، واصفاً إياها بأنها "أصبحت معقلاً لتنظيم القاعدة". وقال المالكي "لا يمكن السكوت على أن يكون للقاعدة أي مقر محميّ يتمّ من خلاله تنفيذ العمليات الإرهابيّة".
ويذكر الدليمي أنه "في حال اقتحام ساحات الأنبار، ستزداد الأمور سوءاً بسبب الثأر العشائري الذي ستخلفه العمليات العسكريّة في حال تعرّض المعتصمون لأي أذى".
وفي صفحة "سنختار المالكي للولاية الثالثة" وهي من الصفحات المؤيّدة للمالكي بشدّة، نشرت لقطات للجيش وهو يجول في صحراء الأنبار بحثاً عن معاقل لتنظيم القاعدة، إلا أن مظهر الجنابي يرى بأن الحلّ يكمن في احتواء مطالب الأنبار من أجل التعاون مع العشائر للقضاء على القاعدة.