اتّخاذ مجموعة من عشائر الأنبار (غرب العراق) في الثالث من تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري قراراً يخوّل محافظ المدينة أحمد خلف الدليمي التفاوض مع الحكومة تمهيداً لإيقاف التظاهرات، كان كفيلاً بإثارة ردود فعل كبيرة في أوساط المتظاهرين أنفسهم لرفض القرار والتمسّك بالاعتصام.
وجاء التخويل في كلمة ألقاها الشيخ علي الحاتم الدليمي أحد قادة تظاهرات الأنبار أكّد فيها أن القرار جاء بالتشاور مع شيوخ العشائر والقيادات الرئيسيّة في تظاهرات المدن السنيّة، وأن هدف التخويل هو تحقيق الأمن في المحافظة وسحب حجج الحكومة التي تدّعي أن الاعتصامات ليس لديها مفاوضين باسمها.
وقال المتحدّث باسم محافظة الأنبار باسم الأنباري فور الإعلان عن التخويل، إن "اجتماعاً ضمّ قادة التظاهرات في الأنبار وشيوخ العشائر وأعضاء من مجلس المحافظة، تقرّر في خلاله تسمية محافظ الأنبار أحمد الدليمي رئيساً للجنة التفاوض مع الحكومة الاتحاديّة بشأن مطالب المتظاهرين".
لكن هذا القرار لم يلاقِ ترحيباً في بعض أوساط التظاهرات، بحيث رفضه عدد من قيادات التظاهرات ومنهم الشيخ أحمد الدليمي الذي قال لـ"المونيتور" إن "ثمّة عشائر رفضت تخويل محافظ الأنبار الذي يتبع كتلة "متحدون" السياسيّة، وهي متمسّكة بمرجعيّة الشيخ عبد الملك السعدي للتظاهرات الذي شدّد على رفض تدخّل الأحزاب في الاعتصامات".
من جهته أكّد خالد الجميلي منظّم اعتصام الفلوجة رفض اعتصام الفلوجة للتخويل وقال إن "من يريد التفاوض مع معتصمي الساحة عليه الاتصال بالموجودين فيها من دون وسيط". واعتبر أن "مطالب المعتصمين المشروعة معروفة بالنسبة إلى الحكومة الاتحاديّة تماماً، لا سيّما إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات الأبرياء والتوزيع العادل للسلطة والثروات ومحاسبة قتلة المعتصمين في ساحة الفلوجة والحويجة وصلاح الدين".
أما الشيخ إسماعيل عبد عباس خطيب الجمعة في الفلوجة، فشدّد في خطبته الأخيرة قائلاً "لن نترك ساحات الاعتصام حتى تحقيق الحقوق كاملة من دون حذف أو تغيير".
والسبب الرئيسي لهذا الخلاف نقلته مصادر من داخل ساحات الاعتصام أكّدت لـ"المونيتور" أن كتلة "متّحدون" التي يتزعّمها رئيس البرلمان أسامة النجيفي والتي دعمت التظاهرات السنيّة منذ انطلاقها في نهاية العام 2012، حصلت على منصب المحافظ في الأنبار ونينوى عبر تسوية سياسيّة واستنفذت غاياتها من التظاهرات. وهي تعتقد اليوم بأن الاعتصامات أصبحت عبئاً سياسياً أكثر منها وسيلة ضغط وأرضيّة انتخابيّة.
ولفتت تلك المصادر إلى أن الطرف الذي يرغب اليوم بالتفاوض لفضّ التظاهرات ينظر إلى الاعتصام من منطلق سياسي، وهو نفسه الطرف الذي سبق ورفض كلّ محاولات تشكيل لجان للتفاوض مع الحكومة.
وكانت الشهور الماضية قد شهدت تشكيل وفود سياسيّة وعشائريّة عدّة للتفاوض مع الحكومة، لكنها اعتبرت من قبل قيادات في التظاهرات أنها تمثّل أطماعاً بمصالح شخصيّة. وهو ما ورد على لسان الشيخ علي الحاتم نفسه في 30 أيار/مايو الماضي عند احتجاجه على تخويل محافظ الأنبار السابق قاسم الفهداوي للمهمّة نفسها، إذ قال أن "على من يتوجّه للتفاوض مع الحكومة عليه أن لا يعود إلى محافظة الأنبار مرّة أخرى".
ويبدو أن المشكلة لم تكن في أي وقت تتعلّق بمبدأ التفاوض مع الحكومة، بدليل أن الشيخ عبد الملك السعدي الذي اعتبر مرشداً روحياً لساحات الاعتصام أعلن في 13 أيار/مايو الماضي أيضاً مبادرة لتشكيل وفد تفاوضي، واقترح أن يعقد اجتماعه في مرقد العسكريّين في سامراء على أن يكون الوفد المفاوض من المتظاهرين أنفسهم.
لكن المشكلة في الطرف المخوّل بالتفاوض وإذا ما كان هذا الطرف يمثّل المتظاهرين بالفعل، والأهمّ أن يكون قادراً على إعلان فضّ الاعتصامات.
من الواضح أن الشخصيات التي فجّرت التظاهرات في الأنبار في 23 كانون الأوّل/ديسمبر 2012 على خلفيّة اعتقال عناصر حماية وزير المال رافع العيساوي والتي تضمّ بالاضافة إلى العيساوي شيوخ عشائر مثل علي الحاتم وأحمد أبو ريشة وزعماء شكلوا لاحقاً كتلة "متحدون" الانتخابيّة من أمثال أحمد العلواني وظافر العاني وأسامة النجيفي، لم تعد تمتلك كلّ مفاتيح الاعتصامات. وبالتالي، عليها الحصول على توافق عام يشمل أيضاً المطالبين بالإقليم السنّي وهم في الغالب إما رجال دين وزعماء قبائل مقرّبين من الحزب الإسلامي وإما رافضين للإقليم يتقدّمهم الشيخ عبد الملك السعدي وأنصاره.
ما يمكن قوله بعد عشرة شهور من التظاهرات اليوميّة أو الأسبوعيّة في مدن الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك وأجزاء من بغداد، إن التظاهرات فقدت الكثير من زخمها وإن تحقيق الأهداف التي خرجت من أجلها لم تعد أولويّة أقلّه بنظر السياسيّين السنّة الذين وفّروا الدعم المالي والمعنوي لها لشهور. لكن الدلالة الأكبر هي أن التظاهرات لم تعد تقدّم الخدمة الانتخابيّة المطلوبة من قبل السياسيّين الذين استثمروها في انتخابات المحافظات في نيسان/إبريل الماضي.