القاهرة – جدّدت محافظة شمال سيناء، في 10 آب/أغسطس، الإعلان عن تمديد تقنين الأراضي التي امتلكها أفراد أو شركات بنظام وضع اليدّ، أيّ بالتوارث من دون أوراق رسميّة، حتّى 8 كانون الثاني/يناير من عام 2019، على أن يكون قد أقيم على تلك الأراضي منزل أو تمّ استصلاحها زراعيّاً أو أقيم عليها مشروع من المشاريع المتناهية الصغر قبل 19 كانون الثاني/يناير من عام 2012، وتعتبر تلك المنشآت أو الأراضي تعدّياً على ممتلكات الدولة في حال عدم تقدّم واضعي اليدّ بطلبات التقنين قبل 8 كانون الثاني/يناير من عام 2019.
وتجدر الإشارة أن أغلب أراضي سيناء وأغلب أراضي المناطق الحدودية مثل حلايب وشلاتين أو النوبة أو مرسى مطروح هي أراضي متوارثة من جيل لجيل منذ مئات السنوات عبر نظام وضع اليد دون سند قانوني، وكان هذا هو الحال في أغلب الأراضي المصرية حتى عصر الدولة العلوية، اي دولة محمد علي، منذ عام 1805، عندما بدأت الدولة توثيق ملكية الأراضي، إلا أن تلك الإجراءات لم تمتد إلى المناطق الحدودية والمهمشة مثل سيناء، ويرى بعض أهالي سيناء إن الحكومة المصرية كانت تمتنع في السابق من توثيق ملكيتهم للأراضي تشكيكا في وطنيتهم وخوفا من بيعهم تلك الأراضي لمستمثمرين من دول معادية مثل إسرائيل.
أمّا استيفاء الشروط فلا يعني بالضرورة أنّ الدولة ستنجز طلب التقنين، لا سيّما أنّ الكثيرين من أهالي سيناء تذمّروا من امتناع الدولة عن إنجاز طلبات التقنين في بعض المناطق لعدد منهم، رغم استيفائهم الشروط. كما أنّ المحكمة الإداريّة العليا أصدرت، في 29 تمّوز/يوليو، حكماً أكّدت فيه ولاية الدولة المصريّة كاملة في تقرير سياستها التنمويّة بسيناء وأكّدت فيه حريّة الدولة في تغيير سياساتها التنمويّة المتعلّقة بأمر تملّك الأفراد والجهات الخاصّة الأراضي الواقعة في شبه جزيرة سيناء.
وقضت المحكمة بتأييد امتناع الحكومة عن تقنين وضع يدّ شركة "القنال إنترناشيونال لاستصلاح الأراضي" على مسطّح 930 فدّاناً (4 كلم2) في منطقة شرق البحيرات، الواقعة شرق محافظة الإسماعيليّة بشبة جزيرة سيناء، لإقامة مشروع لتنمية الثروة الحيوانيّة والداجنة.
وقال المحامي المتخصّص في شؤون العقارات وتملّك الأراضي أحمد عبد السلام في حديث لـ"المونيتور": إنّ الحكم بحريّة الدولة في تحديد سياستها تجاه توفيق أراضي وضع اليدّ في سيناء من دون ضوابط هو حكم غير دستوريّ ويتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد وبين الكيانات أيضاً.
أضاف: "بموجب الحكم، يحقّ للدولة تقنين وضع اليدّ لشخص ما ورفضه أو الامتناع عن تقنينه لشخص آخر حتّى لو كان مستوفياً شروط التقنين، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الشركات، ويتعارض ذلك مع المادّة 9 من دستور عام 2014 التي نصّت على أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، من دون تمييز".
واختلف معه في الرأي الخبير القانونيّ والدستوريّ والعميد الأسبق لكليّة الحقوق في جامعة القاهرة محمود كبيش، إذ أشار في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ مبدأ تكافؤ لابد أن يتحقق وتكون له الأولوية عندما يتعلق الأمر بأداء الدولة للحقوق الأساسية للمواطنين وقال: "كأن تطرح الدولة قطعة أرض للمزايدة العلنيّة، فيجب أن يتمّ الإعلان عن تلك المزايدة عن طريق الصحف لضمان تكافؤ الفرص في حقّ المعرفة بالمزايدة. وكذلك، يجب أن يدفع جميع الراغبين في التقدّم إلى المزايدة مبلغاً تأمينيّاً لضمان الجديّة، ويكون ذلك القدر موحّداً على جميع المتقدّمين عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص في حقوق التقدّم إلى المزايدة".
أضاف: "أمّا في حالة وضع اليدّ، فهو وضع غير قانونيّ منذ الأساس، ولا حقوق قانونيّة لواضعي اليدّ، ويعتبر وضع اليدّ تعدّياً على ممتلكات الدولة، التي وضعت قانون توفيق أوضاع واضعي اليدّ وتقنين امتلاكهم للمساكن والأراضي، نظراً لظروف أهالي محافظة سيناء الخاصّة، والذين كانوا يعانون من التهميش في عهود سابقة، وكانت الدولة ترفض تقنين ملكيّتهم للأراضي. وبما أنّ وضع اليدّ غير قانونيّ منذ الأساس، فيحقّ للدولة انتقاء من تقنّن لهم أوضاعهم عملاً بمبدأ المصلحة العامّة، وأجهزة الدولة هي القادرة على تقرير تلك المصلحة وكيفيّة تحقيق التنمية، وفقاً للمادّة 236 من الدستور".
بالفعل الأراضي مملوكة لأهالي سيناء تاريخيا منذ مئات السنوات، إلا أنها غير موثقة بأي أوراق وبالتالي فهي قانونا ملك الدولة دون النظر إلى الاعتبارات التاريخية وإلى مسئولية الدولة عن غياب الأوراق الرسمية بسبب امتناعها في السابق عن توثيق تلك الأراضي
وتنصّ المادّة 236 من الدستور على الآتي: تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطّة للتنمية الاقتصاديّة والعمرانيّة الشاملة للمناطق الحدوديّة والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفي أولويّة الاستفادة منها، (..) وذلك على النحو الذى ينظّمه القانون.
ولفت شيخ قبيلة بلي في شمال سيناء أمين شعراوي خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ أهالي سيناء فرحوا ببدء الدولة تقنين أراضيهم، ويرون أنّها خطوة حقيقيّة لتحقيق التنمية، مشيراً في السياق ذاته إلى أنّ الدولة امتنعت عن تقنين أوضاع بعض الأراضي سواء أكانت المملوكة للأفراد أم الشركات نظراً لموقفها من بعض الأفراد أو القبائل أو الشركات، الأمر الذي يصيب العديد من السكّان بمخاوف وشكوك تجاه خطّة الدولة في تقنين الأراضي، وقال: إذا كانت الدولة ترى أنّه من الأفضل أن تخصّص بعض الأراضي لمشروع استثماريّ ضخم أو لغرض استراتيجيّ وأمنيّ لقربها من الحدود مع غزّة أو إسرائيل، فكان من الأفضل أن تمنح الأفراد واضعي اليدّ على تلك الأراضي تعويضات عادلة، وللشركات أيضاً.
وأشار إلى أنّ انتزاع الأراضي من الشركات من دون تعويض بعد سنوات عدّة من تعطيل تقنينها يعتبر خسارة للشركات ويزيد مخاوف المستثمرين من استقرار أوضاع الأراضي في سيناء.
وتعليقاً على ما قاله أمين شعراوي، قال مصدر في وزارة التنمية المحليّة، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": إنّ الدولة تقنّن الأراضي المقامة عليها المساكن منعاً لتشريد أيّ أسرة، أو مشاريع الاستصلاح الزراعيّ لأنّها تزيد رقعة الأرض الزراعيّة بما يفيد المجتمع المصريّ عموماً أو أيضاً الأراضي المقامة عليها المشاريع المتناهية الصغر والتي تساعد الأهالي على كسب العيش في ظلّ التدهور الاقتصاديّ في سيناء بسبب التهميش في عقود سابقة أو بسبب الإرهاب حاليّاً.
وقال: "أمّا مشروع القنال إنترناشيونال فهو مشروع للثروة الحيوانيّة على أرض يمكن استصلاحها، وبالتّالي يمكن نقل المشروع إلى أيّ منطقة أخرى مع الحفاظ على الأرض الصالحة للاستصلاح".
من جهته، قال المدير السابق للمركز المصريّ للدراسات الاقتصاديّة ECES محمّد فاروق لـ"المونيتور": إنّ سياسة الدولة في الامتناع عن تقنين بعض الأراضي تهدف إلى استحواذ الدولة على تلك الأراضي، ثمّ تخصيصها إلى كبار رجال الأعمال.
وأشار إلى أنّ هذا نوع من الفساد ستبرّره الدولة في ما بعد بأنّه لاعتبارات الأمن القوميّ وخطورة تقنين الأراضي لبعض أهالي سيناء أو لبعض الشركات بسبب علاقة الأهالي بتنظيم "حماس" أو إسرائيل أو بسبب علاقة بعض الشركات بجماعة الإخوان المسلمين.
وأوضح محمّد فاروق أنّ أكثر ما سيجعل سيناء منطقة طاردة للاستثمارات والمشاريع هو عدم إتاحة الأراضي فيها، وفقاً لمعايير عادلة من دون استثناءات ومن دون إقحام المعايير الأمنيّة التي تتيح للدولة التدخّل في الامتناع عن التقنين، ثمّ بتخصيص رجال الأعمال أو أمراء الخليج من دون غيرهم. كما فعلت الدولة بتخصيص أراضي لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.