القاهرة – يختبئ محمد نور منذ فترة ويقضي وقته في المساجد ويقيم في منازل أصدقائه، متفادياً الشرطة بأيّ ثمن، منذ أن بدأت السلطات المصريّة حملتها ضدّ المقيمين الأويغور واعتقلت أعداداً كبيرة منهم في تموز/يوليو.
وقال نور، وهو طالب من الأويغور يدرس في جامعة الأزهر، لـ "المونيتور"، طالباً استخدام اسم مستعار لأسباب أمنيّة: "أنتظر لكي أرى ما سيحصل للطلّاب المعتقلين. هل سيُطلق سراحهم ويُسمح لهم بمتابعة دراستهم، أو سيتمّ ترحيلهم؟ عليّ أن أنتظر لكي أعرف ما إذا كان بإمكاني التسجّل في الجامعة للفصل المقبل".
وفقاً لمنظّمة "هيومن رايتس ووتش"، اعتقلت الشرطة المصريّة 62 شخصاً من الأويغور على الأقلّ في القاهرة في 3 تموز/يوليو بطلب من الحكومة الصينيّة. وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 تموز/يوليو بأنّ مصادر في الطيران المصريّ كشفت أنّ السلطات رحّلت 12 فرداً من الأويغور واعتقلت 22 آخرين "من أجل الترحيل الفوريّ".
وفي ليلة المداهمات، كان الحظّ حليف نور الذي كان يصلّي في مسجد بعيد عن الحيّ السابع في مدينة نصر، حيث يقيم أغلبيّة طلّاب جامعة الأزهر الأجانب. وقال نور: "لدينا مجموعة على "واتساب"، وقد حذّرنا صديق لنا من الذهاب إلى المنزل أو إلى مطعم للأويغور في تلك المنطقة. أغارت الشرطة على المطعم ثمّ اعتقلت بعض الطلّاب في منازلهم المجاورة. بقيتُ في الخارج في تلك الليلة وانتظرتُ أمام أحد المباني".
سافر نور لاحقاً برفقة 12 طالباً إلى الغردقة حيث أمضى أربعة أيّام في فندق قبل أن يعود إلى القاهرة. واصطحب نور عدداً من زميلاته إلى مطار الغردقة لكي يسافرن إلى تركيا، وأوقف هناك لساعة ونصف الساعة.
وشرح قائلاً: "لم نشأ أن تذهب الفتيات إلى المطار بمفردهنّ، ولا سيّما أنهنّ لا يتكلّمن العربيّة. أوقفوني وطلبوا جواز سفري. لحسن الحظّ ، لديّ أوراق الإقامة. استجوبوني وأطلقوا سراحي في نهاية المطاف. خشيتُ ألا يطلقوا سراحي"... بما أنّ هذه العمليّة تعسفيّة.
وقال نور إنّ السلطات اعتقلت أكثر من 20 طالباً كانوا يحاولون السفر إلى تركيا من مطار برج العرب في الاسكندريّة، وإنّ أحد أصدقائه أوقف في مطار القاهرة. وأفادت "هيومن رايتس ووتش" عن أقوال مماثلة.
وقال نور: "لا أعرف لما يعتقلوننا. سألتُ الشرطيّ في المطار لماذا يفعلون ذلك، وحتّى هو قال لي إنّه لا يعرف لما [تلقّوا] هذه الأوامر". ويخشى نور الآن السفر لأنّ اسمه قد يكون مدرجاً في لائحة للممنوعين من السفر.
وقال المحامي مهاب سعيد، المتخصّص في حقوق الطلّاب في مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير، لـ "المونيتور" إنّ السماح لبعض الأويغور بالهرب إلى تركيا ومنع بعضهم الآخر من السفر يشير، بحسب تحليلات المؤسّسة، إلى احتمال وجود لائحة، لكنّها "أُرسلت على الأرجح من الصين، وليست مصر من وضعتها". وأضاف أنّه من غير الواضح ما الذي تستند إليه اللائحة.
وقال نور، الذي تمكّن من البقاء على اتّصال بأحد أصدقائه المعتقلين الذي هرّب هاتفاً إلى داخل السجن، إنّ المسؤولين الصينيّين استجوبوا المعتلقين الأويغور في طرة.
شنّت الصين على مدى سنوات حملات ضدّ أقليّة الأويغور الإثنيّة من منطقة شينجيانغ الصينيّة، تحت ذريعة "مكافحة الإرهاب". وفي أكثر من مرّة، قامت بلدان عدّة بترحيل أفراد من الأويغور إلى الصين، حيث يتعرّضون للاضطهاد.
زار سعيد ومجموعة من المحامين مركزين للشرطة في مدينة نصر وسجن طرة، لكنّ الضبّاط نفوا وجود أفراد من الأويغور هناك. وقال سعيد: "لم تعترف الدولة رسميّاً إذاً باعتقال هؤلاء الأشخاص، بل هي تنفي ذلك".
وقال رئيس وحدة الأبحاث في مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير، محمد عبد السلام، لـ "المونيتور" إنّ "معرفة تداعيات هذا الوضع المستقبليّة المحتملة تعتمد على إفصاح الحكومة المصريّة عن المعلومات". وأوضح أنّ المسؤولين الحكوميّين والمؤسّسات الحكوميّة أصدرت بيانات متفرّقة للصحافيّين.
وفي 9 تموز/يوليو، قال مصدر أمنيّ لصحيفة "المصري اليوم" إنّ السلطات لم ترحّل طلّاب الأويغور وإنّ الاعتقالات حصلت لأسباب تتعلّق بالتحقّق من الإقامة والأوراق الثبوتيّة.
وقال عبد السلام: "لو تمّ توجيه تهم واتّهامات فعليّة إلى هؤلاء الطلّاب، لكان من المفترض مقاضاتهم ثمّ محاكمتهم في المحكمة. ليس هذا ما يحصل".
وقال الناطق باسم الأزهر، حسام شاكر، لـ "المونيتور": "إنّها مسألة حكوميّة خاصّة، ولا علاقة للجامعة بها. لم يتمّ اعتقال طلّاب في الجامعة". في 7 تموز/يوليو، كتبت "هيومن رايتس ووتش" ومؤسّسة حريّة الفكر والتعبير رسالة إلى الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، طلبتا منه فيها "وقف الاعتقالات الجماعيّة للأويغور الإثنيّين".
وقال شاكر إنّه لا يعرف كم شخصاً من المعتقلين مسجّل في الجامعة ، لكنّ الطيب تدخّل لإطلاق سراح 17 طالباً من طلّاب الأزهر. وأشار إلى أنّ 263 طالباً من الأويغور يدرسون حاليّاً في الأزهر، مضيفاً: "قد يكون بعض [المعتقلين] طلّاباً في مؤسّسات أخرى".
وأشار سعيد إلى تضارب في الروايات، إذ إنّ وزارة الداخليّة تنفي الاعتقالات والأزهر "تقول تارة إنّ المسألة مسألة أمنيّة لا علاقة لها بها وطوراً إنّ طلّابها قد أُطلق سراحهم".
وقال نور إنّ عدداً كبيراً من أصدقائه ينام في مساجد في القاهرة القديمة، فيما قال عبد السلام إنّ بعض الأويغور غادروا القاهرة وتوجّهوا إلى مدن أخرى هرباً من الاعتقال. وقال نور: "ما زالت الشرطة منتشرة في الحيّ السابع من أجل تنفيذ اعتقالات. وقد سأل بعض الشرطيّين بوّابي عدد من المباني عن الطلّاب".
وشرح نور أنّ حملات الصين ضدّ الأويغور تشهد تفاوتات، قائلاً: "أتيتُ إلى هنا سنة 2013، لكنّني عدتُ إلى بلدي سنة 2015 من دون أيّ مشاكل وبقيتُ هناك لمدّة 22 يوماً. ومنذ العام 2016 – خصوصاً في الأشهر الستّة الماضية – تغيّر الوضع بسبب السياسة الصينيّة".
لم يتكلّم نور مع عائلته منذ أربعة أشهر. ومع أنّه ما زال يدّخر بعض المال، إلا أنّه لن يكفيه مطوّلاً. وقد قرّر البقاء في القاهرة حاليّاً عوضاً عن الغردقة لأسباب ماديّة.
وقال سعيد: "نعرف أنّ الكثيرين من [الأويغور] يواجهون مشاكل في الميزانيّة حاليّاً. فمدّخراتهم بدأت تنفد. وهناك عائلات ليس لديها حاليّاً نفاذ إلى الخدمات الطبيّة بسبب نقص المال وخوفها من التنقّل [لئلا تراها الشرطة]".
وأضاف سعيد: "لا يستطيع بعضهم الذهاب إلى المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين حيث تقدّم بطلب للحصول على وضع لاجئ، لأنّ الشرطة متواجدة حول المقرّ".
أمّا شاكر فقال: "لا شيء يمنع الطلّاب الأويغور من متابعة دراستهم والتسجّل للفصل المقبل طالما أنّهم أتمّوا إجراءات التسجيل ويملكون الأوراق المطلوبة".
في أيار/مايو وحزيران/يونيو، بدأ الطلّاب يسمعون شائعات عن اعتقال الشرطة لهم قريباً. وفي الصين، هدّدت السلطات بعض العائلات وطلبت منها الضغط على الطلّاب من أجل العودة، بحسب نور. وفي حزيران/يونيو، اجتمع وزير الداخليّة المصريّ مجدي عبد الغفار بنائب وزير الأمن العامّ الصينيّ تشن زيمين، وناقش معه التعاون المستقبليّ وتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب و"المنظّمات الإرهابيّة".
وقال نور: "لم نتوقّع [الاعتقالات]. لم يخطر لي يوماً أنّ مصر قد تفعل ذلك، لكنّ هذا ما حصل".