تونس - يتقاسم الإئتلاف الحاكم "حركة النهضة" ذات الأغلبيّة البرلمانيّة وشريكه "نداء تونس" موقفهما الحياديّ وعدم التدخّل في العلاقات الخارجيّة بين الدول وعدم الانتصار لأيّ معسكر سياسيّ في أزمة الخليج. وباستثناء موقف الرئيس السابق رئيس "حراك تونس" منصف المرزوقي، الذي عبّر عن مساندته لنظام الدوحة، فإنّ كلّ المواقف كانت متجانسة ومتناسقة.
وجاء الموقف التونسيّ على عكس مواقف عواصم عربيّة عدّة كانت قد دعت إلى خفض تمثيلها الديبلوماسيّ أو مطالبة سفير قطر بمغادرة أراضيها ، وكانت المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر والبحرين قد قرّرت في 5يونيو/ حزيران رسميّاً قطع علاقتها وفرض حظر إقتصاديّ على نظام الدوحة.
ووصف عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى لحركة النهضة، وهو الشريك الأول لنداء تونس في السلطة، الضغوط السعودية في المنطقة بأنها خطوة مؤلمة.
وقال نائب رئيس "حركة النهضة" ووزير الداخليّة ورئيس الحكومة السابق في حكومة الترويكا علي العريض في تصريح لـ"المونيتور": إنّ موقف تونس جاء في إطار الحرص المتجدّد للحفاظ على وحدة الصفّ العربيّ وبسبب العلاقات الجيّدة مع كلّ الأطراف".
وأكّد أنّ التوافق والعودة إلى دائرة الحوار هما الخيار الأفضل لتجاوز الأزمة، موضحاً أنّ موقف تونس يراعي التقاليد الديبلوماسيّة القديمة بين الأشقاء، وقال: "إنّ الأزمة التي اندلعت في الخليج تحصل بين دول شقيقة مصالحها مشتركة وكبيرة وأمنها ومستقبلها واحد. وإنّ كلّ هذه الدول الشقيقة علاقاتنا بها وثيقة، ونتعاون معاً في مجالات عدّة تجاريّة وسياسيّة وماليّة. وبناء على ذلك، نحن ندعم كلّ جهد ديبلوماسيّ يسعى إلى تطويق الأزمة واحتوائها وحلّها بالتفاوض".
أضاف: "نتمنى ألاّ يتمّ نقل الأزمة من بعدها السياسيّ إلى العسكريّ، خصوصاً مع التطوّرات الأخيرة ودخول إيران وتركيا على الخطّ، وهو ما من شأنه أن يشعل المنطقة، ويأخذها إلى مواجهة واسعة النطاق، خصوصاً في ظلّ الخطوات اليوميّة لإجبار قطر على تغيير سياستها".
وكانت أنقرة و طهران قد قامت في 11 يونيو / حزيران2017 بإرسال منتجات الغذائية إلى قطر وعبرت عن دعمها لنظام الدوحة بعد قطع دول خليجية وعربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة وفرض حصار بري وجوي عليها.
وتابع: "في تقديري، إنّ التدخّلات الديبلوماسيّة ستنتصر، خصوصاً أنّها ليست المرّة الأولى التي تقع فيها خلافات بين دول عربيّة شقيقة من أجل محاولة لعب دور المؤثر وصانع السياسة على مستوى العربي وإعادة التوازنات الإقليمية".
وأردف: "إنّ حلّ الخلاف الخليجيّ لا بدّ ألاّ يتجاوز مجلس التعاون الخليجيّ وألا يتمّ توسيع دائرة الخلاف، لأنّ ذلك لا يخدم مصلحة أيّ طرف سوى أعداء المنطقة، ومن شأنه أن يزعزع الاستقرار والأمن القوميّ".
وفي خطوة مماثلة، كان "نداء تونس" قد أصدر بياناً الإثنين 2017 أكّد فيه أنّ الحركة ملتزمة بموقفها الداعم للحوار والتوافق، مشيراً إلى أنّه ترك التقدير إلى وزير الخارجيّة خميس جنيهاوي ورئيس الدولة التونسيّة الباجي قائد السبسي بوصفهما مسؤولين عن العلاقات الخارجيّة.
ونقلت صحيفة "الصباح" (الحكوميّة) تصريحاً لخميس جنيهاوي لفت فيه إلى أنّ الموقف التونسيّ يدعو الجميع إلى التهدئة وحصر الإشكال داخل البيت الخليجيّ وحلّ الأزمة، مؤكّداً أنّ لا بدّ للأشقاء الخليجيّين من تجاوز الخلافات بينهم وإيجاد حلّ يرضي كلّ الأطراف.
وأشار جنيهاوي في تصريحه، الذي تمّ نقله تباعاً في مختلف وسائل الإعلام إلى "أنّ تونس تقف على المسافة نفسها من كلّ أطراف الصراع، وعليها الحفاظ على علاقتها الجيّدة مع كلّ الدول، وقال: إنّ العالم العربيّ يشهد مشاكل عدّة، ولا نريد المزيد من الأزمات".
من جهتها، فإنّ الجبهة الشعبيّة، رغم موقفها الذي دعا إلى عدم الاصطفاف، فتحت النار في تصريحاتها على "حركة النهضة"، واتّهمتها بالوقوف إلى جانب نظام الدوحة، معتبرة أنّ موقفها بالدعوة إلى عدم الاصطفاف وراء أيّ معسكر لا يمنع من القول إنّ قطر قامت بدعم الإرهاب واحتضان الجماعات الإرهابيّة وبناء علاقات مزعزعة في المنطقة، وخصوصاً في سوريا وليبيا.
أمّا النائب في الجبهة الشعبيّة (المعارضة للحكم) أيمن العلوي فقال في تصريح لـ"المونيتور": "إنّ الجبهة الشعبيّة ترفض الانتصار لأيّ طرف ساسيّ من دون الآخر في أزمة الخليج، وذلك خدمة لسيادة الشعب التونسيّ ومصلحته، بعيداً عن كلّ المصالح السياسيّة الضيّقة.
أضاف: "حركة النهضة (ذات التوجه الإسلاميّ) تحاول إيجاد غطاء لجرائم قطر التي تدعمها ماليّاً وسياسيّاً. ولذلك، فهي تعتبر أنّ نظام الدوحة داعم للتجربة والثورة التونسيّة".
وأشار إلى أنّ حركة النهضة تحاول إبراز الخلاف الخليجيّ على أساس أنّه يعكس التباين بين قطر التي تدعم الربيع العربي وبين دعوات السعوديّة لكسب الموقف الأميركيّ والفرنسيّ".
وطالب أيمن العلوي الحكومة التونسيّة بضرورة إجراء تحقيق بسبب الارتباط الوثيق بين النهضة وجماعة الإخوان المسلمين، معتبراً أنّ الدولة جدير بها اليوم الكشف عن سياستها الوطنيّة وعلاقة الأحزاب بالمال السياسيّ الفاسد والتمويلات القطريّة لحركة النهضة.
تقارير إعلاميّة أخرى كانت قد دانت سياسات الرئيس التونسيّ السابق ورئيس حزب "حراك تونس الإرادة" منصف المرزوقي وسلوكه، والذي دعا إلى الوقوف ومساندة نظام الدوحة، موضحاً "أنّ ضغوط السعوديّة ومصر والإمارات جاءت بنيّة ابتزاز إخوتنا القطريّين وتركيعهم".
وكان منصف المرزوقي توجّه بانتقادات لاذعة ضدّ الإمارات واتّهمها بأنّها تقود الحرب على قطر لمعاقبتها على مساندتها للربيع العربيّ".
وتابع في بيان نشره على موقعه في التواصل الاجتماعي " إن قطر دولة صديقة لتونس وعلى حكومتنا التي تمثل نظريا شعبنا أن تحتجّ على محاولة عزل وخنق قطر وحتى محاولة وضعها تحت الوصاية "."
وحول المخاوف و تداعيات الأزمة الخليجية على الاقتصاد التونسي قال المحلل معز الجودي في لـ"المونيتور "أخشى أن تلقي الأزمة بظلالها سلباً على كامل المنطقة العربيّة، في ظلّ الإجراءات والضغوط السعوديّة اليوميّة وتصريحات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الأخيرة المثيرة للجدل باسترجاع الأموال المخلّدة في ذمة الدول الخليجيّة واتّهامه قطر بتمويل الجماعات الإرهابيّة" .
وفي سياق متّصل، قال المحلّل الإقتصاديّ معز الجودي لـ"المونيتور": إنّ تونس لا يمكن أن تغامر باقتصادها الهشّ في لعبة الصراع على الزعامة من أجل إعادة التوازنات الإقليميّة ولعب دور المؤثر في المنطقة.
وأكّد أنّ الموقف التونسيّ بعدم الاصطفاف وراء أيّ معسكر سياسيّ كان رصيناً، وكان بسبب الارتباطات الماليّة مع قطر، والتي تتجاوز المليار دولار، فضلاً عن الاستثمارات والتواجد الماليّ لكلّ أطراف الصراع في البلد، وقال: إنّ الموقف التونسيّ جاء مرتبطاً بالمصالح الإقتصاديّة والسياسيّة. كما جاء ليراعي العلاقات الديبلوماسيّة والتاريخيّة.
وبغضّ النظر عن المواقف المتباينة والتّهم التي وجّهتها المعارضة إلى "حركة النهضة" بحصولها على تمويلات قطريّة كونها ذات توجّه إسلاميّ، وهي جزء من تنظيم الإخوان المسلمين، إلاّ أنّ الموقف التونسيّ كان متجانساً، واستطاع في مجمله تثبيت الخلافات في الداخل بسبب الارتباطات الإقتصاديّة والسياسيّة مع مختلف الأطراف.