في خطابه أمام مؤتمر التحالف ضدّ "داعش" في واشنطن في 22 آذار/مارس الحاليّ، قال رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي إنّ من يحمل السلاح خارج إطار الدولة هو خارج عن القانون وإنّه سيواجهه. ولكن لا يبدو أنّ على الأقلّ قسماً من قوّات الحشد الشعبيّ سينصاع إلى أوامر العبادي.
ففي 8 آذار/مارس وفي مؤتمر صحافيّ بدا كأنّه إعلان لجاهزيّة الميليشيات العراقيّة التّابعة إلى إيران في أخذ دور أكبر في المنطقة بعد طرد "داعش" من المدن العراقيّة، أعلن المتحدّث باسم حركة المقاومة الإسلاميّة في العراق النجباء هاشم الموسويّ عن تشكيل لواء تحرير الجولان. كذلك، هدّد الموسوي القوّات التركيّة المتواجدة قرب الموصل بعمل عسكريّ في حال عدم خروجها من العراق.
واتّسم هذا الإعلان برمزيّة واضحة، حيث انعقد المؤتمر الصحافيّ في مكتب وكالة تسنيم الإيرانيّة المقرّبة من حرس الثورة الإسلاميّة في طهران، كما هاجم فيه الموسوي أميركا والسعوديّة أيضاً، وأكّد أنّ حركته "لن ترمي البندقيّة ما دام هناك تهديد في المنطقة". ومن بين أهّم هذه التصريحات السعي إلى تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيليّ. وبعد ثلاثة أيّام من هذا الإعلان، أكّد الأمين العام لحركة النّجباء الشيخ أكرم الكعبي أنّ "تشكيل لواء تحرير الجولان ليس مجرّد إعلام، بل هو هدف حقيقيّ للمقاومة الإسلاميّة"، مضيفاً: "المقاومة قادرة على هزيمة محور الشرّ والقضاء على رأس الأفعى، الكيان الصهيونيّ الغاصب".
وهذه ليست المرّة الأولى التي تتكلّم فيها الجهّات العراقيّة القريبة من إيران عن تحرّكات خارج الأراضي العراقيّة تتماشى مع السياسة الخارجيّة الإيرانيّة في المنطقة. ففي كلمة له في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، قال رئيس الوزراء العراقيّ السابق نوري المالكي إنّ "عمليّات "قادمون يا نينوى" تعني في وجهها الآخر، "قادمون يا رقّة"، "قادمون يا حلب"، و"قادمون يا يمن"". ويعتبر المالكي نفسه مؤسّساً للحشد الشعبيّ.
ويبدو أنّ تصريحات قادة حركة النّجباء تأتي ردّاً على التّصعيد الأميركيّ ضدّ إيران بعد تسلّم دونالد ترامب مقاليد الحكم في واشنطن، وتناغم كلّ من تركيا وإسرائيل والسعوديّة مع هذا التصعيد. فمن بين الفصائل الشيعيّة المنضوية تحت الحشد الشّعبيّ، هناك أذرع نفوذ ايرانيّة تدين بالولاء التّام إلى النظام الإيرانيّ ومرشده الأعلى آية الله علي خامنئي.
وتلعب ميليشيات عراقيّة تابعة إلى إيران كحركة النجباء وعصائب أهل الحقّ وسرايا الخراساني وكتائب حزب الله دوراً مزدوجاً في العراق والمنطقة. فمن جهّة، هي تعمل تحت لواء الحشد الشعبيّ الذي يعتبر جزءاً من القوّات المسلّحة العراقيّة ومرتبطة بالقيادة العامّة للقوّات المسلّحة. ومن جهّة أخرى، تشارك في الحرب السوريّة بقيادة إيرانيّة مباشرة. وتأكيداً لهذا الدور المزدوج، قال الأمين العام لسرايا الخراساني علي الياسري في مقابلة تلفزيونيّة في 24 شباط/فبراير: "نحن (لدينا) لواء في الحشد الشعبيّ ولكنّ لدينا ثلاثة ألوية أخرى. (سرايا) الخراسانيّ هي (تتشكّل من) فرقة خارج الحكومة ولواء داخل الحكومة". وأضاف الياسري: "حيث ما يقتضي الأمر، سنكون هناك... نتحرّك على أساس مصلحة المقاومة". ومن الواضح أنّ المرشد الأعلى في إيران هو من يقرّر "مصلحة المقاومة".
وتؤكّد تقارير دوليّة تواجد قوّات حرس الثورة الإيرانيّة وجماعات مسلّحة شيعيّة متحالفة معها في هضبة الجولان من الجانب الذي يسيطر عليه النظام السوريّ. وتعقيباً على تحرّكات إيرانيّة قرب خطّ الهدنة 1967 في هضبة الجولان، قال رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو في لقاء جمعه مع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين في 9 آذار/مارس: "لا نريد للإرهاب الإسلاميّ الشيعيّ بقيادة إيران أن يحلّ محلّ الإرهاب الإسلاميّ السنّيّ". ويبدو أنّ إسرائيل تأخذ التهديدات الإيرانيّة والجماعات المسلّحة الشيعيّة التابعة إليها على محمل الجدّ، حيث نفّذت غارات جويّة في 8 كانون الثاني/يناير من العام الحاليّ على مواقع حزب الله اللبنانيّ في الجولان، وقتلت عدداً من العناصر اللبنانيّة والإيرانيّة هناك. وفي هذا الصدد، قال مايكل نايتس وهو خبير عسكريّ وأمنيّ بارز وزميل في معهد واشنطن لـ"المونيتور": "لقد أثبتت إسرائيل قدرتها العسكريّة في مجابهة قوّات حزب الله اللبنانيّ في الجولان. ويتوقّع أن تجابه إسرائيل القوّات الشيعيّة الأخرى في الجولان بالقوّة نفسها. وهذا سوف يفضي إلى صدام عسكريّ بين مواطنين عراقييّن وإسرائيل للمرّة الإولى منذ عام 1991".
فرفع شعار المقاومة، وخصوصاً القضاء على إسرائيل يوفّر للميليشيات الشيعيّة التابعة إلى إيران غطاء شرعيّاً، يعطيها مزيداً من الحريّة للتحرّك في المنطقة. ويعتقد نايتس أنّ "شعار تحرير الجولان، كما هو الحال مع الدفاع عن مقام السيّدة زينب في دمشق، يوفّر تبريراً لتمدّد هذه الميليشيات خارج سيطرة الحكومة في بغداد، لما له من قدرة دعائيّة كبيرة. وهذا يمهّد الطريق لها في السعي إلى إنجاز مهمّتها الكبرى واتّخاذ سياسة خارجيّة مستقلّة عن الدولة العراقيّة".
فتدرك هذه الميليشيات قيود التحرّك في الداخل العراقيّ في ظلّ أجواء ما بعد "داعش"، خصوصاً بعد إقرار قانون الحشد الشعبيّ الذي يحدّ من تحرّكات هذه الفصائل داخل العراق وتأكيدات مرجعيّة النجف المكرّرة ضرورة حصر السلاح في يدّ الدولة. ولكن هذا لا يعني أنّ هذه الفصائل تأتمر بأمر الدولة العراقيّة في شكل تامّ. ففي حال توجيه أيّ تهديد وجوديّ إلى إيران، سوف تتحرّك هذه الفصائل وبأمرة إيران لضرب مصالح أميركا وحلفائها في العراق، لإبعاد الخطر عن إيران كما فعلت في سنوات الاحتلال الأميركيّ للعراق.
إنّ الحروب المستعرة في سوريا واليمن توفّر مناخات مناسبة وفضائات واسعة لبقاء هذه القوّات وتوسّعها وتمدّدها، لكي تلعب دوراً مستقبليّاً مهمّاً في الحفاظ على النظام الإسلاميّ في إيران. وهي جاهزة عقائديّاً للعب أيّ دور عسكريّ يناط بها من قبل القيادة الإيرانيّة. وهذا يشمل التحرّك في اتّجاه اليمن، والاحتكاك بالقوّات السعوديّة أو الجولان، والهجوم على المواقع الإسرائيليّة أو الهجوم على القوّات التركيّة في العراق.