الإجراءات الصارمة سببها الاستفتاء
اعتقلت الشرطة التركيّة أربعة إرهابيّين مشتبه بهم مرتبطين بتنظيم الدولة الإسلاميّة ("داعش")، وضبطت مخبأ للمتفجرّات والأحزمة الناسفة، مع وصول مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة مايك بومبيو إلى تركيا في 9 شباط/فبراير من أجل محادثات رسميّة.
وتشكّل عمليّات الاعتقال جزءاً من سلسلة إجراءات صارمة وواسعة النطاق ضدّ الشبكات السلفيّة والإرهابيّة في تركيا هذه السنة. ففي 6-5 شباط/فبراير، تمّ توقيف عدد من المتعاطفين مع "داعش" وعملاء مزعومين له في 29 مدينة في تركيا. وفي العام 2016، اعتقلت الشرطة التركيّة 2936 شخصاً بتهمة أنّهم إرهابيّون سلفيّون أو جهاديّون.
ويشرح متين كورجان أنّ "السبب الرئيسيّ" وراء الإجراءات الصارمة هو المناخ السياسيّ في تركيا التي تستعدّ لاستفتاء حول تعديل دستوريّ في نيسان/أبريل من شأنه أن يوسّع صلاحيات الرئيس بشكل كبير. وتدرك حكومة حزب العدالة والتنمية تماماً الصدمة التي أثارها الهجوم على ملهى في اسطنبول في الساعات الأولى من السنة الجديدة. فقد زاد هذا الهجوم خوف الشعب التركيّ من "داعش" وممّا يمكنه أن يفعله. وتعرّضت الحكومة لانتقادات قاسية بسبب العيوب الاستخباراتيّة والأمنيّة. وفي حال تنفيذ "داعش" أعمال عنف سلفيّة متطرفّة عشيّة الاستفتاء، قد تزداد مخاوف الشعب وتنكشف نقاط ضعف الحكومة، ما قد يؤدّي على الأرجح إلى ارتفاع عدد الأصوات المعارضة للتعديل الدستوريّ.
ومع أنّ الإجراءات الصارمة ضدّ "داعش" واضحة وبعيدة عن الغموض، إلا أنّ أهداف تركيا معقّدة نظراً إلى صلاتها بما يسمّية كورجان الجهاديّين "الأصدقاء الأعداء" – أي المرتبطين بجبهة فتح الشام المعروفة سابقاً بجبهة النصرة، وهي الفرع السوريّ القويّ لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى مجموعات مسلّحة سوريّة "معتدلة" أخرى تدعمها تركيا مباشرة.
ويضيف كورجان أنّ "التحدّي الأكثر صعوبة بالنسبة إلى أنقرة في ما يتعلّق بالقضاء على الحركة الجهاديّة في سوريا هو أنّ الولاءات ثابتة لا تتغيّر على مستوى الشخصيّات البارزة والزعماء، لكن هناك تنقّل مستمرّ للجنود المشاة الذين يغيّرون انتماءاتهم".
على سبيل المثال، كان الإرهابيّ الذي نفّذ الهجوم على الملهى الليليّ في اسطنبول، عبد القادر ماشاريبوف، مرتبطاً سابقاً بالمجموعات التي يُزعم أنّها معتدلة. ويكتب غوركان: "تبيّن دراسة دقيقة لخلفيّات الجنود المشاة السلفيّين أنّهم – خصوصاً أولئك المتحدّرون من آسيا الوسطى ومن خلفيّات إيغوريّة وروسيّة – أنّهم كانوا على اتّصال بالكثير من المجموعات المعتدلة والمجموعات المرتبطة بـ "داعش" وجبهة فتح الشام. ولهذا السبب، يصعب كثيراً تعقبّهم ومراقبتهم باستمرار. كيف تستطيع أنقرة مثلاً أن تثق بمقاتل من آسيا الوسطى أو من الإيغور يقاتل حاليّاً مع كتيبة السلطان مراد إلى جانب الجنود الأتراك في سوريا، لكنّه قاتل سابقاً مع مجموعات مرتبطة بجبهة فتح الشام وحتّى "داعش"؟ هل بإمكان "داعش" إقناع هؤلاء "المقاتلين المعتدلين"، الذين يستطيعون النفاذ إلى تركيا بسهولة، بتنفيذ أعمال إرهابيّة هناك؟"
تركيا مهمّشة في سوريا
أثارت زيارة بوبيو إلى تركيا ضجّة لأنّها جاءت بعد يومين فقط من اتّصال هاتفيّ بين الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب والرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان، وكانت الزيارة الرسميّة الأولى التي يقوم بها مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة إلى بلد أجنبيّ. وفيما كان بيان البيت الأبيض حول الاتّصال بين ترامب وأردوغان غامضاً، زعمت مصادر رسميّة تركيّة أنّ ترامب وأردوغان اتّفقا على تحرّك مشترك في الحملات ضدّ "داعش" في الرقة والباب. وتعتمد الولايات المتّحدة حتّى اليوم بشكل كامل تقريباً على قوّات سوريا الديمقراطيّة من أجل الموجة الأولى من الهجوم على الرقّة. وتتألّف هذه القوّات بشكل أساسيّ من قوّات وحدات حماية الشعب الكرديّة السوريّة. وتصرّ تركيا على أن توقف الولايات المتّحدة دعمها لوحدات حماية الشعب التي تعتبرها منظّمة إرهابيّة مرتبطة بحزب العمّال الكردستانيّ ومساوية لـ "داعش".
ويشرح سميح إيديز أنّ تركيا تشعر بيأس متزايد لأنّها تجد نفسها مهمّشة أكثر في سوريا. ويكتب إيديز: "تشعر أنقرة بقلق كبير تجاه اقتراح ترامب القاضي بإقامة مناطق آمنة في سوريا، على الرغم من أنّ تركيا دعت لفترة طويلة إلى إنشاء منطقة من هذا النوع في شمال البلاد". ويضيف: "يعتبر البعض اقتراح ترامب تمهيداً لمنح الأكراد منطقتهم الخاصّة. وأنقرة غير راضية أيضاً عن العرض الذي قدّمته موسكو إلى الأكراد السوريّين القاضي بمنحهم حكماً ذاتيّاً في سوريا موحّدة".
ويختم إيديز أنّ "حصيلة ذلك كلّه هو أنّ أنقرة أكثر احترازاً اليوم ممّا كانت عليه في الماضي في ما يتعلّق بالخطط الروسيّة والأميركيّة في سوريا، مع أنّها تتعاون عن كثب مع موسكو ولم تسمح لغضبها من واشنطن بالتحوّل إلى أزمة دبلوماسيّة جديّة بين البلدين... ونظراً إلى عجز أنقرة المستمرّ عن تغيير مسار الأحداث في سوريا، يخشى الدبلوماسيّون أن تكون قد قرّرت الاضطلاع بدور تفاعليّ ومعوّق في محادثات السلام السوريّة، بدلاً من دور إيجابيّ واستباقيّ. وإذا كان ذلك صحيحاً، فليس مؤكّداً أنّ هذا القرار سيعطي أنقرة ما تريده. فهو قد يؤدّي إلى تهميش تركيا مجدداً في ظلّ استمرار القوى التي تعجز تركيا عن بلوغ مستواها في تحديد التطوّرات في سوريا".
الأكراد السوريّون يدرسون احتمالات الفدراليّة
يكتب أمد دجلة من غازي عنتاب أنّ الأحزاب الكرديّة السوريّة تدرس العمليّات العسكريّة في الرقّة وفي الوقت نفسه سيناريوهات الفدراليّة في سوريا ما بعد الحرب.
ويكتب دجلة أنّ "الرقة ليست الأجندة الوحيدة لشمال سوريا وروج آفا. فمحادثات أستانا وجنيف تتابَع عن كثب هنا. وهناك أيضاً مسودّة الدستور التي أعدّتها روسيا. هذه المسودّة ليست لا مرفوضة ولا مقبولة – هي تُعتبر مسودّة ينبغي مناقشتها. ويُنظر إليها على أنّها خطوة غير كافية، لكن أولى تقوم بها القوى الدوليّة. ولم تبعث اجتماعات جنيف وأستانا أي آمال بالتوصّل إلى حلّ بعد. وقد قامت روسيا بخطوة من خلال إعداد هذه المسودّة. وتقترح روسيا منح الأكراد حكماً ذاتيّاً، لكنّ الأكراد يعتقدون أنّ مشاكلهم لن تُحلّ من خلال الحكم الذاتيّ، بل من خلال سوريا فدراليّة ديمقراطيّة. وتتجاهل المسودّة الروسيّة الشعوب والأديان الأخرى غير الأكراد. ويُعتبر هذا خللاً أيضاً. لكن من المهمّ أنّ حقوق الأكراد مذكورة في الوثيقة للمرّة الأولى".
ويضيف دجلة أنّ تركيا عالقة في الباب وقد تكون قدراتها محدودة في ما يتعلّق بتنفيذ مزيد من العمليّات العكسريّة. ويكتب: "ما يحصل هناك [الباب] يُعتبر بشكل عامّ فشلاً. وللتذكير، اجتاح إردوغان منطقة شهبا شمالي حلب بسبب بغضه للأكراد وسعيه إلى منعهم من تحقيق مكانة لهم في سوريا. انتزعوا جرابلس وأماكن أخرى من "داعش" بسهولة. لكنّ خطط أردوغان تبوء بالفشل في الباب على ما يبدو... لقد قالت إدارة أردوغان في البداية أنّها ستنشئ منطقة عازلة على عمق 20 كيلومتراً بعيداً عن "داعش" بعد سيطرتها على جرابلس ودابق. لكن تبيّن أنّ أهدافها مختلفة. فقد لاحظت القوّات في المنطقة أنّ أردوغان يسعى إلى تنفيذ أجندته هناك ليس إلا. ولهذا السبب، استاء منه الجيش السوريّ الحرّ، حليفه في الباب. فهو يعتبر أنّه تعرّض للخيانة في حلب. وقريباً، ستظهر تصدّعات في التحالف بين الجيش السوريّ الحرّ وأردوغان".