كشفت دراسة حول التيّار الجهاديّ في تونس، نشرها المركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب، في 26 تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، عن حقائق جديدة حول المجموعات الجهاديّة، والخلفيّات الاجتماعيّة لأعضائها ومرجعيّاتها الفكريّة وعلاقتها بتنظيمات أخرى خارج البلاد، وخططها في مواجهة الدولة منذ عام 2011، في أعقاب سقوط نظام زين العابدين بن علي. واللافت في الدراسة الجديدة أنّها اعتمدت كليّاً على الملفّات القضائيّة للعناصر الجهاديّة الموجودة في السجون.
وشملت العيّنة التي عمل عليها الباحثون في المركز، ألف عنصر جهاديّ موزّعين على 384 ملفّاً قضائيّاً خلال الفترة من عام 2011 وحتّى عام 2015. وكشفت الدراسة عن "تغلل الظاهرة الإرهابيّة في الشرائح العمريّة الشبابيّة، إذ أنّ النصيب الأوفر يخصّ الإرهابيّين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً (751 من الألف) مع تفوّق نسبيّ للفئة العمريّة بين 25 و29 عاماً. كما أشارت الدراسة إلى أنّ توزيع الإرهابيّين حسب المستوى الدراسيّ كشف عن وجود 40% منهم حاملين لشهادة جامعيّة أو لديهم مستوى جامعيّ. ولفتت الدراسة إلى أنّ نسبة 3.5% من العيّنة هم من الإناث، وتشير الدراسة إلى أن دور العنصر النسائي ّاقتصر في المراحل الأولى، التي تلت تأسيس تنظيم أنصار الشريعة في العام 2011 وحتى العام 2013 على الأدوار التقليديّة للمرأة ، ثمّ امتدّ مع تطوّر الظاهرة الإرهابيّة إلى تقلّد الأدوار القياديّة، وهو ما نجده جليّاً في ملفّ فاطمة الزواغي التي كلّفت بمهامّ حسّاسة داخل تنظيم أنصار الشريعة، كإشرافها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وإعطاء الأوامر إلى الخلايا التابعة إلى التنظيم، إثر تصنيفه كتنظيم إرهابيّ من طرف الحكومة التونسية، وفرار قادته وسجنهم، في آب/أغسطس 2013".
يشار إلى أن تنظيم أنصار الشريعة قد تأسس في العام 2011، على يد سيف الله بن حسين، المعروف بأبي عياض، وضمّ داخلها أعداداً كبيرة من أتباع التيار السلفي الجهادي. وتتهمه السلطات التونسية بالوقوف وراء عمليات تهريب السلاح والهجمات ضد قوات الجيش والشرطة.
وترى الباحثة في المركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب إيمان قزارة، أنّ "تغلل الظاهرة الإرهابيّة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات الجامعيّة والنساء، يطرح الكثير من الملاحظات حول فشل سياسة الدولة تجاه الشباب، وفشل النظام التعليميّ الذي أدّى إلى تفاقم عدد العاطلين عن العمل من خرّيجي الجامعات التونسيّة".
وتقول قزارة، وهي إحدى المشاركات في الدراسة، في حديث إلى "المونيتور": "إنّ الحلّ الأمنيّ، الذي يتراوح بين السجن والإقامة الجبرية للمتهمين بالإرهاب، لن يؤدّي إلى القضاء على الظاهرة الإرهابيّة، فنحن إزاء تنظيم مهيكل ومنظّم، ويعتمد على السريّة وله أجنحة متعدّدة كالجناح الإعلاميّ والعسكريّ والدعويّ، ويملك شبكة من العلاقات الداخليّة والخارجيّة. فبالموازاة مع الحلول الأمنيّة، يجب فهم كيفيّة تشكّل هذا التنظيم ومسار بناء الشخصيّة الإرهابيّة، وهذا الذي دفعنا إلى إنشاء المركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب، لتحليل الحالة الإرهابيّة التونسيّة وتفكيكها على المستوى التنظيميّ والميدانيّ والفكريّ".
وتأسس المركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويتبع منظمة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقال المشرف على المركز، رضا الرداوي، خلال ندوة صحفية لإطلاق المركز يوم 26 أكتوبر 2016، أن تأسيس المركز يهدف إلى "إعداد ونشر الإحصائيات والدراسات لفهم الظاهرة الإرهابية وتفكيكها ومتابعة تطورها في تونس وتوزيعها الجغرافي والمهني والعمري."
وتكشف الدراسة عن أهمّ العوامل التي لعبت دوراً مهمّاً في تجنيد عناصر جديدة في صفوف التيّار الجهاديّ. إذ تحضر هذه العوامل في التأثّر بالأشخاص، والتأثّر بشبكات التواصل الاجتماعيّ، والتأثّر بوسائل الإعلام التقليديّة. ومن خلال الدراسة، "يتّضح أنّ عامل التأثّر بالأشخاص يعتبر العامل الأهمّ مقارنة ببقيّة عوامل التأثير، فأكثر من ثلث العناصر الجهادية قد تم استقطابهم من خلال تأثرهم بقيادات جهادية ودُعاة. فقد اهتم الجهاديّون بتجنيد عناصر جديدة بواسطة أشخاص من دعاة وأئمة مساجد وقياديّين سابقين في تنظيمات إرهابيّة، وكثّفوا من تواجدهم العلنيّ في الشوارع منذ عام 2011، إذ قام الجناح الدعويّ لتنظيم أنصار الشريعة بإقامة خيم دعويّة وملتقيات في أغلب مناطق البلاد، وألقيت فيها خطب تحريضيّة ووزّعت خلالها كتب، كما لعبت المساجد التي سيطر عليها جهاديّون دوراً كبيراً في التأثير والاستقطاب".
وخلصت الدراسة إلى أنّ 69% من الجهاديّين التونسيّين قد تلقّوا تدريبات على استعمال السلاح في ليبيا، و21% منهم تدرّبوا في سوريا. وتكشف الملفّات القضائيّة التي تمّ اعتمادها في الدراسة عن اهتمام مبكر، منذ آب/أغسطس/2011، للقيادات الجهاديّة، وخصوصاً سيف الله بن حسين المعروف بأبي عياض، بإرسال عناصر جهاديّة إلى مدينة درنة، في أقصى الشرق الليبيّ، لتلقّي تدريبات عسكريّة هناك، وبإدخال السلاح من ليبيا إلى تونس وتخزينه، استعداداً لأيّ مواجهة مع الدولة التونسية . كما أقام تنظيم أنصار الشريعة، في العام 2011، ما سمّي بدار الضيافة في مدينة صبراتة، في غرب ليبيا، ومهمّتها استقبال العناصر الجهاديّة التونسيّة الجديدة.
وتؤكّد الدراسة أنّ 80% من الجهاديّين يغادرون إلى جبهة القتال في سوريا كوجهة ثانية بعد تلقّي التدريبات العسكريّة في ليبيا التي تعتبر الوجهة الأولى للجهاديين التونسيين لجهة قربها الجغرافي. وقد تصاعدت وتيرة السفر إلى سوريا، وفقاً للدراسة، بعد حزيران/يونيو 2014، تاريخ إعلان زعيم تنظيم الدولة الإسلاميّة أبو بكر البغدادي عن قيادة دولة الخلافة، التي دفعت الجهاديّين التونسيّين إلى محاولة الالتحاق بالساحة السوريّة كدفاع عمّا اعتبروه دولة الخلافة. وتضيف الدراسة: "وجد الإرهابيّون التونسيّون تسهيلات كثيرة في استعمال مطار تونس-قرطاج في اتّجاه تركيا والتسلّل منها إلى الداخل السوريّ".
في المقابل، يرى الصحافيّ عبد الستّار العايدي، أنّ "هذه الدراسة، وعلى أهميّتها، تغطّي جزءاً بسيطاً من الظاهرة الجهاديّة التونسيّة". ويقول العايدي في حديث إلى "المونيتور": "هذه الدراسة الأولى عن الحالة الجهاديّة التونسيّة التي يتمّ فيها اعتماد الملفّات القضائيّة، أي أنّها تمكّن الرأي العام من الاطّلاع على روايات الجهاديّين أنفسهم، وتوضح الخارطة السوسيولوجيّىة والديموغرافيّة لهؤلاء، لكنّ نتائجها تبقى في حدود الجهاديّين الموجودين في السجون، وهم جزء من تيّار جهاديّ واسع توجد له آلاف العناصر التي تقاتل خارج البلاد في سوريا وليبيا والعراق. لذلك، فإنّ النتائج التي كشفتها الدراسة نسبيّة، مع العلم أنّها لا تشمل كلّ الملفّات القضائيّة، لكنّها تكمّل دراسات سابقة نشرت ويمكن أن تساعد في تعميق البحث حول الظاهرة".
تبقى الدراسة الجديدة للمركز التونسيّ للبحوث والدراسات حول الإرهاب، وعلى الرغم من نسبيّتها وعدم شمولها عموم الظاهرة الجهاديّة في تونس، دراسة مهمّة جدّاً، تكشف عن الكثير من الأمور التي بقيت غامضة حول مشروع الجماعات الجهاديّة منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في عام 2011 والخلفيّات الاجتماعيّة والثقافيّة للشباب المتأثّر بالدعاية الجهاديّة، وآليّات التجنيد التي تعتمدها هذه الجماعات في تعزيز صفوفها بعناصر جديدة، ونشاطها خارج البلاد في تدريب العشرات من عناصرها على استعمال السلاح، وشبكات التسفير التي شكّلتها لإرسال الشباب التونسيّ للقتال في سوريا والعراق، والتي تشير أغلب التقديرات إلى أنّ عددهم يفوق الــ3000 مقاتلاً في تنظيم الدولة الإسلاميّة لوحده، والذين يشكّلون تحدّياً أمنيّاً خطيراً يهدّد الأمن الداخليّ التونسيّ في حال عودتهم، خصوصاً وأنّ تنظيم الدولة الإسلامية يتكبّد هزائم كبيرة في الآونة الأخيرة، بعد أن خسر قاعدته في سرت الليبية وعلى وشك خسارة عاصمته الموصل في العراق.