انعقد المؤتمر الثاني لمنظّمة دوریان بمشاركة الباحثين والمتخصّصين في مجال التعليم، في مدینة السلیمانیّة في 22 و23 أيلول/سبتمبر 2016. وقد ركّز المؤتمر علی ضرورة إصلاح تلك المناهج التعلیمیّة، وذلك على مستویین، الأوّل تغییر بعضها بكاملها، واستبدالها بأخری أكثر توازناً ومدنیّة، والثاني تغییر نصوص وفقرات دینیّة خالصة، بأخری أقرب إلی روح العصر، والتعایش السلميّ بین مكوّنات المجمتع وبعیدة عن العنف، إضافة إلی إغلاق بعض المدارس واستبدالها بأخری.
وقد تمّ تحویل 39 مدرسة و6 معاهد و5 آلاف طالب من وزارة الأوقاف إلی وزارة التعلیم العالي والبحث العلميّ، أو إلی وزارة التربیة خلال العام الدراسيّ 2015/2016. ولكن ما زالت هناك مدارس دینیّة تقلیدیّة، تسمّی "حجرة" فی اللغة الکردیّة الدارجة، تابعة إلى وزارة الأوقاف. کما صرّح مسؤول العلاقات فی وزارة الأوقاف السيّد مریوان نقشبندي، لـ"المونیتور" بـأنّه "ما زالت هناك 100 مدرسة دینیّة تقلیدیّة، تابعة إلى وزارة الأوقاف، وتحتوي علی 570 طالباً دینيّاً أو ما یسمّون باللغة الکردیّة بالـ"فەقێ"، الذین یتلقّون الدروس علی أیدي الأئمّة الموجودین فی إقلیم کردستان".
وقد تمّت تعديلات عدّة على المناهج الدينيّة سابقاً، ولكنّ الباحث بهمن تاهیر، والذی يدرّس مناهج الابتدائیّة حتّی نهاية الثانويّة، قال إنّ اللجنة التی كلّفت بتغییر هذه المناهج تتکوّن من 7 رجال من دون مشارکة امرأة واحدة، ممّا انعكس فی الخطاب الوارد فی تلك المنهاج بأنّه خطاب ذکوريّ بامتیاز. وأضاف: "إذا كان المنهج السابق ذات طابع جهاديّ عنفيّ، فهناك شرخ كبیر فی المنهج الجدید تجاه المرأة، إضافة إلی الكثیر من الإشكالات الفکریّة والتربویّة البعیدة عن روح العصر، ومعاکسة تماماً للعلوم التطبیقیّة".
تأتي هذه المحاولات ضمن الصراع الموجود بین الاتّجاه الدینيّ الإسلامويّ والتقلیديّ من جانب، والاتّجاه العلمانيّ والمدنيّ الذي یكافح من أجل تغییر تلك المناهج بالکامل، واستبدالها بدراسات الأدیان بمنهج مقارن. ففي هذا المجال، اتّصل "المونیتور" بالباحث تاهیر وسأله عن نوعیّة المشاكل الموجودة فی هذه المناهج، فقال: "أوّلاً، لیس هناك تناغـم بین موادّ المناهج التعلیمیّة، فعلی سبیل المثال لا الحصر، بین مادّتي الدین والجغرافیا، هناك تعارض فی تفسیر نزول المطر، وثانیاً، مادّة التربیة الدینیّة تعمل علی بناء هویّة دینیّة مذهبیّة للطالب، وتكفّر الآخر غیر المسلم". وأضاف: "في النتیجة، هذا المنهج شارك فی خلق التطرّف الإسلاميّ فی کردستان، وفي إنتاج العنف الدینيّ". وإلی جانب هذا الواقع، صرّح نقشبندي لـ"المونیتور" بأنّ "مجمل الذین التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامیّة "داعش" من الأكراد، مرّوا یوماً ما بالمدارس الدینیّة التابعة إلى الحرکات الإسلامیّة في شكل أو في آخر، ولذلك تمّ إغلاقها سابقاً".
وفي اتّصال لـ"المونيتور" معه، قال الأستاذ في جامعة كوالالامپور في ماليزيا والمتخصّص في مناهج التربية الدينيّة في كردستان العراق الدکتور شیرکو كرمانج: "الإشكالیّة الخطرة هنا هو أنّ المناهج الدينيّة لم ترکّز علی تربیة الطفل بل علی أسلمة الطالب، وهذا یعني أنّنا لسنا أمام دور للمدرسة ضمن نظام تربويّ، بل أمام مؤسّسة دینیّة". ويتّفق مع ذلك الباحث تاهیر، حيث صرّح لـ"المونيتور" بأنّ المناهج الدينيّة في الإقليم "تتوجّه نحو أسلمة الطلّاب وأخونتهم (ترويج أفكار الإخوان المسلمين) عبر مادّة الدین، والتي تدرّس حالیّاً".
وفي اتّصال لـ"المونيتور" معه، أشار الدکتور هیمن عزیز فی قسم التاریخ في جامعة کویة، إلى"وجود بعض المدرّسین الذین یحملون أفكاراً متطرّفة". تأتي كلّ هذه المخاوف والحقائق الموجودة فی هذه المناهج، ضمن تخبّط واضح من حكومة إقلیم کردستان أمام اختراق واضح للمتطرّفین دینیّاً للمؤسّسات التربویّة، وعدم وجود استراتیجیّة تربویّة سلیمة للعبور إلی مؤسّسة تربویّة متّزنة تخدم التعایش السلميّ للمجتمع الکرديّ.
وإزاء مخاوف الباحثین والمتخصّصین فی هذا المجال، اتّصل "المونیتور" بالعضو فی اللجنة العلیا لمناهج دراسات العلوم الإسلامیّة فی وزارة التعلیم العالي والبحث العلميّ الدكتور جواد فقيه، وسأله عن حقیقة ما یدور علی مستویات وزارة التعلیم العالي والبحث العلميّ، فأجاب: "قامت هذه اللجنة بإجراء تغییر جذريّ فی مناهج التعلیم، بإضافة علوم المنطق وطرق البحث وعلم النفس وعلم الاجتماع إلی کلیّة العلوم الدینیّة، لخلق توازن بین العلوم الدینیّة والدنیویّة". ولكنّ هذه الإضافات بحسب مسؤول فی وزارة الأوقاف ارتأی عدم ذکر اسمه، "لا تغني ولا تفيد، لأنّە من جانب، هناك موادّ موجودة أصلاً، وباقیة کما هي، ومن جانب آخر، إنّ الكثیرين من المدرّسین إمّا متطرّفون أم إسلامویّون، وهم من یختارون محتویات كلّ هذه الموادّ، ولا تتدخّل الجامعة فی نوعیّة هذا الاختیار، وهذا یشكّل خطراً حقیقيّاً علی عقلیّة أبنائنا الطلبة، ومسألة إنهاء الفكر المتطرّف".
ومن أجل الخروج من هذا النفق المظلم، قال الدکتور کرمانج إنّ "العلاج الجذريّ هو العبور من التربیة الإسلامیّة إلی دراسة علوم الأدیان في شكل مقارن، ومعرفة أطفالنا بالأدیان الموجودة فی العالم، ولیس ترويج دين محدّد لهم". وقد أكّد ذلك أستاذ علم الاجتماع فی جامعة صلاح الدین الدكتور مراد حكيم، قائلاً إنّه من الضروريّ جدّاً إدخال مادّة دراسة الأدیان وتاریخ الأدیان إلی المناهج في شكل عامّ. فالمنهج في حاجة إلی تعدیلات کثیرة، بحیث ماذا یفعل طفل فی مرحلة الابتدائیّة بدراسة مادّة الدعوة الإسلامیّة مثلاً، أو بأداء صلاة المیت أو صلاة کسوف القمر؟