القاهرة — فيما اعتبره مراقبون ونشطاء حقوقيّون وسياسيّون ردّة للحريّات العامّة وبداية منعطف تاريخيّ لتكميم الأفواه وقمع المعارضين من الشباب، شرع مجلس النوّاب المصريّ في 10 أيار الحالي إلى سنّ تشريع قانون جديد سمّي بـ"قانون الجريمة الإلكترونيّة"، بعد أن رحّبت لجنة الإقتراحات في المجلس بمقترح النائب اللّواء تامر الشهاوي بضرورة مواجهة "فوضى" الإنترنت والتصدّي لتجاوزات مستخدميه.
فبض المستخدمين دشنوا الحملات عليه تعبيراً منهم عن رفضهم لقضايا بعينها، مثل قضية جزيرتا تيران وصنافير التي سلمتهما الحكومة المصرية للملكلة السعودية، واعتبرها المستخدمين أنها مصرية، وهاجموا الحكومة من خلال تعلقيقاتهم وحملاتهم على مواقع التواصل، وهو ما يعتبره الشهاوي مهدداً للأمن القومي المصري .
ويعدّ تامر الشهاوي أحد المنتمين إلى المؤسّسة العسكريّة المصريّة، حيث لقّبه محبّوه بـ"صقر المخابرات"، نظراً لعمله ما يقارب العشرين عاماً في جهاز المخابرات الحربيّة، قبل أن يخوض الإنتخابات البرلمانيّة ويحصد مقعداً في مجلس النوّاب. وكان الشهاوي قد أعلن في 10 أيّار/مايو الجاري عن حضور عدد كبير من ممثّلي أجهزة الدولة خلال مناقشة القانون، وعلى رأسهم ممثّلون من وزارتي الدفاع والداخليّة لإبداء الرأي في شأنه، ثمّ أحيل بعدها على لجنتي الدفاع والأمن القوميّ للمراجعة، ولجنة الإتّصالات، على أن يتمّ التّصويت عليه في اللّجنة العامّة.
وأشار الشهاوي في عريضة مقترحه لمجلس النوّاب إلى أنّ مشروع القانون هدفه حماية الأمن القوميّ، وقال: "في إطار المهمّة المنوط بها مجلس النوّاب كونه السلطة التشريعيّة، وارتباطاً بالتهديدات المتلاحقة للأمن القوميّ المصريّ في كلّ دوائره المحليّة والإقليميّة والدوليّة، ونظراً لتغيّر طبيعة التهديدات خلال السنوات الأخـيـرة، واعتمادها على التقنيّات الحديثة والفضاء الإلكترونيّ والمعلوماتيّ، أصبح من الضروريّ أن نواجه بكلّ الحزم والردع هذا الخطر لإنقاذ مواطني دولتنا من تغييب عقولهم، وذلك بوضع الأطر والتشريعات القانونيّة الّتي تكفل حماية كلّ ما يهدّد الدولة المصريّة".
وتضمّن مشروع القانون، العقاب بالسجن المؤبّد 25 عاماً لكلّ من أنشأ أو استخدم موقعاً بغرض إنشاء كيانات إرهابيّة أو الترويج لأفكارها أو تبادل الرسائل والتكليفات أو التمويل أو حيازة ونقل وتوفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو متفجّرات.
ونصّ الإقتراح أيضاً على الحبس ٣ سنوات وغرامة لا تتجاوز ٢ مليون جنيه، لكلّ مزوّد خدمة إمتنع عن تنفيذ قرار محكمة الجنايات بحجب أحد المواقع أو الروابط، إضافة إلى عقوبة تصل إلى السجن المؤبّد أو الإعدام وغرامة لا تتجاوز الـ20 مليون جنيه إذا ترتّب على الامتناع عن التنفيذ وفاة شخص أو أكثر أو الإضرار بالأمن القوميّ.
وطالب مشروع القانون بتوفير كلّ سبل الحماية المناسبة للمجتمع في حال الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامته للخطر أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامّة لأعمالها أو الإضرار بالوحدة الوطنيّة والسلام الإجتماعيّ. وأجاز مشروع القانون للجهات الأمنيّة (القوّات المسلّحة - وزارة الداخليّة - المخابرات العامّة) إيقاف البث والخدمة عن أيّ مستخدم للشبكة لا تكون له بيانات مسجّلة لدى مقدّم الخدمة، بحيث يكون سهل الوصول إليه في حال إرتكابه أيّ من الجرائم الّتي نصّ عليها القانون.
وأثار طرح الشهاوي استنكار منظّمات حقوقيّة عدّة اعتبرته أداة جديدة تحاول بها الدولة السيطرة على أصحاب الرأي الآخر، الّذين يعبّرون عن آرائهم عبر مواقع التّواصل الإجتماعيّ، الّتي كانت وقوداً لثورة 25 كانون الثاني/يناير، ولها الفضل في نجاحها. من بينهم التيار الديمقراطي الذي اعتبر أن هذا القانون الهدف منه ليس منع الجرائم التي تحدثفقط وإنما التقييد على الحريات .
وفي هذا الإطار، قال أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسيّة والقانونيّة الدكتور أحمد مهران في تصريحات صحافيّة بـ15 أيّار/مايو الجاري: إنّ قانون الجريمة الإلكترونيّة يتضمّن نصوصاً فى معظمها نسخة طبق الأصل من قانون الإرهاب، وهذه النصوص تؤدّي إلى تقييد الحقوق والحريّات، لا سيّما حريّة الرأي والتعبير.
أضاف: "السياسة التشريعيّة للقانون حا تحبس كلّ روّاد مواقع التّواصل الإجتماعيّ لأيّ "بوست" تعتبره الدولة معارضاً، ويمكن للحكومة إعتبار أيّ "بوست" على أنّه يهدّد الأمن القوميّ".
ومن جهته، قال مدير "الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان" الناشط الحقوقيّ جمال عيد في تصريحات خاصّة لـ"المونيتور": إنّ الدولة المصريّة حتّى الآن، وبعد أكثر من خمسة أعوام على ثورة 25 كانون الثاني/يناير، لم تع الدرس جيّداً، ولم تحترم عقليّة المواطن المصريّ، وتحديداً من فئة الشاب، الّذين لم ترهبهم السجون والمعتقلات أو الممارسات القمعيّة لنظام ما قبل الثورة، وقاموا بثورة عظيمة أبهرت العالم، حاولوا من خلالها إجبار الدولة على تغيير سياستها القمعيّة وتطبيق آليات ديموقراطيّة رشيدة عن طريق سيادة القانون، إلاّ أنّ الدولة كما يبدو لم تع الدرس جيّداً، ولم تغيّر من أساليبها القمعيّة.
أضاف: "للأسف الشديد العقليّة الأمنيّة نفسها تحكمنا، مقترح القانون رجل ذات خلفيّة عسكريّة - اللواء تامر الشهاوي- لم يترب على النقاش، بل على إعطاء الأوامر وتنفيذها، وبالتالي من رابع المستحيلات أن يفهم هذا الرجل أنّ عصر القمع قد إنتهى، ولن يستطيع أحد تكميم أفواه المصريّين مرّة أخرى.
واعتبر جمال عيد أنّ المادّة الخاصّة بحبس كلّ من يهدّد الأمن القوميّ من خلال التحريض على العنف أو بث الكراهيّة، مثيرة للضحك والسخرية، لأنّها فضفاضة تعطي النظام الحاكم الحقّ في القبض على كلّ من يحمل رأياً مختلفاً، وحبسه تحت مسمّى اعتبارات أمن قوميّ.
ولم تكن مواقع التّواصل الإجتماعيّ في مصر، وتحديداً موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، مجرّد أدوات للتعبير عن الرأي، بل نجحت تلك المواقع في تدشين الحملات، وحشد الرأي العام، انتصاراً لقضايا مجتمعيّة صارخة، في الوقت الّذي فشلت فيه الصحافة المحليّة ووسائل الإعلام التقليديّة في تبنّيها والدفاع عنها.
ففي 11 أيّار/مايو من العام الماضي، نجحت وسائل التّواصل الإجتماعيّ في حشد الرأي العام المصريّ للضغط بهدف إقالة وزير العدل الأسبق صابر محفوظ من خلال حملة دشّنها عدد من مستخدمي موقع "فيسبوك" تطالب فيها بإقالة الوزير على خلفيّة تصريحاته، الّتي قال فيها إنّ إبن عامل النظافة لا يمكن أن يكون قاضياً، لأنّ القاضي لا بدّ أن يكون من وسط إجتماعيّ مناسب.
وفي 13 آذار/مارس الماضي، أقال رئيس الوزراء المصريّ شريف إسماعيل وزير العدل أحمد الزند عقب إنتفاضة عارمة على مواقع التّواصل الإجتماعيّ بسبب تصريحاته المسيئة للنبي محمّد، والّتي قال فيها: "لو النبي محمّد نفسه خالف القانون سأسجنه"، ممّا دفع الإعلاميّ أحمد موسى، المعروف بقربه من السلطة، في يوم الإقالة ذاته عبر برنامجه المذاع على قناة "صدى البلد" الفضائيّة، إلى الهجوم على مواقع التّواصل الإجتماعيّ ليقول: "لا توجد دولة في العالم تدار من الفيسبوك".
مشروع قانون الجريمة الإلكترونية، يهدف في مجملة، إلي السيطرة على المواقع الإلكترونية ومراقبة روادها، للتصدي لأي محاولات من شأنها زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد، خاصة أن هذه المواقع نجحت في تحريك الرأي العام المصري تجاه قضايا ضد الحكومة، في الوقت الذي فشلت فيه الصحافة التقليدية في عمله، لأنها لا تخضع لأي إملاءات أو توجيهات من أحد. لذلك تحاول الحكومة التحكم فى تلك المواقع والرقابة عليها حافظاً على أمنها واستقرارها في الشارع .