غازي عنتاب — يتعرّض حيّ الشيخ مقصود ذو الغالبيّة الكرديّة في حلب منذ شهر شباط/فبراير 2016 إلى قصف عشوائيّ بالقذائف والأسلحة المختلفة، من قبل المعارضة السوريّة المسلّحة، حيث تدور معارك بين وحدات حماية الشعب الكرديّة ونحو 25 فصيلاً من المعارضة المسلّحة، ممثّلة بالجيش السوريّ الحرّ وإسلاميّي جبهة النصرة وأحرار الشام والجبهة الشاميّة وثوّار الشام وكتائب فجر الخلافة وجيش الإسلام والفرقة 16 وفرقة السلطان مراد وفصيل فاستقم كما أمرت، المسمّات بغرفة عمليّات فتح حلب (قطاع الشيخ مقصود).
واستخدمت المعارضة المسلّحة أسلحة محلّيّة الصنع مثل مدفع جهنّم وصواريخ حميم وقذائف الهاون، وغيرها من الأسلحة الثقيلة التي تستهدف المدنيّين في الحيّ.
يقول الصحافيّ نضال حنّان من أهالي حيّ الشيخ مقصود لـ"المونيتور" إنّ القصف على الحيّ الذي تقطنه نحو 40 ألف نسمة يعتبر خرقاً للهدنة السوريّة التي أقرّها البيان الروسيّ-الأميركيّ بمصادقة مجلس الأمن الدوليّ بالإجماع لوقف إطلاق النار في سوريا، معتبراً يوم الخامس من نيسان/أبريل 2016 الأكثر دمويّة على المدنيّين في الحيّ، حيث "أسفر القصف عن فقدان عشرات المدنيّين حياتهم".
واستنكر الصحافيّ صمت المعارضة السياسيّة السوريّة عن أحداث الشيخ مقصود، وأصدر مع إعلاميّين وحقوقيّين أكراد وسوريّين بياناً طالب المنظمّات الدوليّة والحقوقيّة بالتحرّك المسؤول والفوريّ لوقف القصف الذي وصفه بأنّه "يرتقي إلى مستوى جرائم حرب"، ومواجهة تصرّفات الفصائل المسلّحة "التي تشوّه تطلّعات الشعب السوريّ نحو الحريّة والكرامة، وحقوق الإنسان، وتضّر بالتعايش المشترك بين الأكراد والعرب".
وأصدرت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً في 12 نيسان/أبريل 2016 يشير إلى تعرّض المدنيّين في حيّ الشيخ مقصود إلى هجمات عشوائيّة.
وتتّهم المعارضة المسلّحة الممثلة بغرفة عمليات فتح حلب في تصعيدها العسكريّ وحدات حماية الشعب الكرديّة بفتح معبر من الحيّ مع مناطق سيطرة النظام السوريّ. ويقول عضو المكتب السياسيّ في تجمّع "فاستقم كما أمرت" لـ"المونيتور" ورد فراتي إنّ ما يحدث "ليس اقتتالاً"، بل بسبب سيطرة حزب الاتّحاد الديمقراطيّ على الحيّ، متّهماً الحزب باستثمار التدخّل الروسيّ ضدّ الثورة السوريّة، والتنسيق مع النظام السوريّ، للسيطرة على المناطق "المحرّرة" على حد تعبيره.
ويقول إنّ المعارك بدأت في فترة اتّفاق وهدنة لوقف الأعمال العدائيّة بين الطرفين. وذكر أنّ تجمّع "فاستقم كما أمرت" أصدر بياناً طالب وحدات حماية الشعب الكرديّة بإيقاف استهداف المدنيّين على طريق الكاستيلو "الذي يعتبر الشريان الرابط بين المناطق الخاضعة إلى سيطرة فصائل المعارضة وريف حلب الشماليّ، وإيقاف المدفعيّة الثقيلة والقذائف التي أسفرت عن فقدان عشرات المدنيّين حياتهم".
لكنّ الرئيس المشترك للمجلس المحلّيّ في حيّ الشيخ مقصود عماد داوود اعتبر أنّ حصر فصائل المعارضة المسلّحة الصراع مع حزب الاتّحاد الديمقراطيّ ليس إلا حجّة لعدم الاعتراف بقصف المدنيّين ومبّرراً له، معتبراً الهجوم الذي أسفر عن فقدان أكثر من مئة مدنيّ حياتهم وجرح نحو 700 آخرين، بأنّه تنفيذ لأجندات إقليميّة ودوليّة ويقصد بذلك دعم تركيا الفصائل المسلّحة.
وأظهر فيديو بثّ عبر الإنترنت قصف فصيل "جبهة تركمان سوريا" حيّ الشيخ مقصود، حيث كتب على الأسلحة باللغة التركيّة أنّها انتقام لضحايا أنقرة واسطنبول.
وذكر داوود في حديثه إلى "المونيتور" أنّ فصائل المعارضة التي تنفي الهجوم على المدنيّين حاولت اقتحام الحيّ من خمس جهّات وفشلت. وأضاف أنّ المعارضة تستهدف المدنيّين الذين يبعدون عن النقاط العسكريّة لوحدات حماية الشعب نحو 300 متر. ونفى وجود أيّ اتّفاق بين المقاتلين الأكراد والنظام السوريّ، وقال: "الممرّ الذي يتمّ الحديث عنه يتمّ بالتنسيق بين الهلال الأحمر الكرديّ والهلال الأحمر السوريّ، لتلبية حاجات المدنيّين ونقل الجرحى والمرضى".
واعترف جيش الإسلام في 7 نيسان/أبريل 2016 باستخدام أسلحة محظورة استهدفت الشيخ مقصود. وقد طالب على أثرها الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون بتشكيل فريق للتحقّق من التقارير الواردة عن استخدام الموادّ الكيميائيّة. واعترف فراتي لـ"المونيتور" باستخدام مجموعة تابعة لجيش الإسلام صواريخ غراد، قائلاً: "صواريخ الغراد غير محرّمة دوليّاً، لكنّ قيادات الجيش السوريّ الحرّ في حلب حظّرت استخدامها واستخدام المدفعيّة في عمليّات الشيخ مقصود حرصاً على سلامة المدنيّين".
ونشر فيديو لمقاتلين سمّوا أنفسهم "جماعة الإمام البخاري الأوزبكيّة"، تابعين إلى جيش الفتح، الذي يضم جبهة النصرة، يظهر استهدافهم حيّ الشيخ مقصود بأسلحة مختلفة. وتحدّث داوود عن استخدام المعارضة أسلحة قال إنّها تحتوي على موادّ سامّة. كما بثّ ناشطون شهادات لمدنيّين وشهادة ممرّضة داخل مشفى الهلال الأحمر الكرديّ في الحيّ تتّهم المعارضة باستخدام موادّ سامّة، على الرغم من نفي المعارضة ذلك.
يحذّر الصراع في الشيخ مقصود من احتقان بين الأكراد والعرب. ويرى فراتي أنّ الجيش السوريّ الحرّ لا يفرّق بين أعراق السوريّين، ويقول: "بيننا عدد جيّد من المقاتلين الأكراد". ويعود إلى اتّهام حزب الاتّحاد الديمقراطيّ بإعداد مشروع انفصاليّ (ويقصد مشروع النظام الفيدراليّ الذي أعلنت عنه الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة في مناطق الأكراد في سوريا في آذار/مارس 2016)، ويقول إنّ محاولة فصل الأكراد عن الشعب السوريّ "لن تنجح". ويستغرب الصحافيّ حنّان محاولة الفصائل المسلّحة تغييب حقيقة استهداف المدنيّين وحصر الصراع مع حزب كرديّ، بينما الفصائل تستهدف حيّ فيه غالبيّة كرديّة.
وأصدرت فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة بياناً في 9 نيسان/أبريل الجاري نسبته إلى الجيش السوريّ الحرّ طالب بـ"تحييد المدنيّين وإخراجهم من الحيّ ونقلهم إلى أماكن آمنة وإعادتهم إلى الحيّ بعد انتهاء العمليّات العسكريّة"، ممّا لاقى رفضاً قاطعاً من الأكراد الذين اعتبروه محاولة لتهجير المدنيّين الأكراد من الحي، بحسب حنان، والذي يصرّون على البقاء. ويصف داوود المبادرة بجريمة حرب وتطهير عرقيّ في حقّ الأكراد، ويقول إنّ أهالي الحيّ من أكراد وعرب ومسيحيّين وتركمان رفضوا المبادرة التي يعتبرها بمثابة زرع للتفرقة بين العرب والأكراد.
ويقول فراتي إنّ المبادرة جاءت كاستجابة لنداءات أهالي الشيخ مقصود المحاصرين من قبل حزب الاتّحاد الديمقراطيّ. ويردّ محمّد، (اسم مستعار) وهو أحد القاطنين في الحيّ من المكوّن العربيّ، بالقول لـ"المونيتور" إنّهم "لا يثقون بجهّة تطالب بتحييدهم بينما هي نفسها تقوم بقصفهم"، مطالباً الأطراف العسكريّة بالابتعاد عن أماكن المدنيّين في صراعاتهم.