يستمر الخصوم المتحاربون في سوريا في تبادل الأدوار، من مقلب إلى آخر في الهاوية السحيقة. في 27 آذار/مارس الماضي، استعاد الجيش السوري والحرس الثوري الإسلامي الإيراني و"حزب الله" اللبناني السيطرة على تدمر من أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية". بعدما فرض تنظيم "داعش" سيطرته على المدينة لمدة عشرة أشهر تقريباً، دخلت القوات الموالية للحكومة السورية المدينة تحت غطاء جوي من المقاتلات الروسية التي شنّت 41 طلعة في أربعة أيام، ما أسفر عن مصرع أعداد كبيرة من مقاتلي "الدولة الإسلامية".
بعد هذا الانتصار، عكس ابتهاج الموالين للنظام شعوراً بالنصر الكامل. كانت التوقعات كبيرة جداً إلى درجة أن وسائل الإعلام القريبة من هذا الفريق لمّحت إلى أن دير الزور هي المدينة المقبلة على لائحة التحرير. تستغل القوات المناهضة لتنظيم "داعش" الهدنة بين النظام والثوّار التي دخلت حيز التنفيذ في 26 شباط/فبراير الماضي، والتي ساهمت في الحفاظ على هدوء نسبي على كل الجبهات ما عدا جبهات المواجهة مع "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة".
كان التقدّم العسكري في تدمر، إلى جانب المحادثات السياسية، ليشكّل السيناريو الأمثل بالنسبة إلى النظام لولا الهجوم على تل العيس في الثاني من نيسان/أبريل الجاري. فقد استعادت "جبهة النصرة" السيطرة على المدينة الاستراتيجية في هجوم أسفر عن مقتل العشرات من جنود الجيش السوري ومقاتلي "حزب الله". وبعد بضعة أيام، أُسقِطت مقاتلة سورية في المنطقة نفسها، وتم أسر الطيار الذي كان يقودها. في 12 نيسان/أبريل الجاري، حاول الجنود السوريون والمقاتلون الإيرانيون وعناصر "حزب الله" السيطرة من جديد على تل العيس، لكن هجومهم باء بالفشل. وقد لقي العديد من مقاتلي "حزب الله" مصرعهم فيما وقع أحدهم في الأسر، ما رفع عدد عناصر الحزب الذين تحتجزهم "جبهة النصرة" لديها كأسرى حرب، إلى أربعة.
لا يستطيع أي من الأفرقاء المتناحرين في سوريا أن يحسم الحرب – على الرغم من أن الأطراف المختلفة تدّعي العكس. يستطيع الفريق الموالي للنظام التقدّم على جبهة واحدة، لكن ذلك تترتّب عنه تداعيات على جبهة أخرى. فضلاً عن ذلك، إذا لم يؤمّن سلاح الجو الروسي التغطية، تصبح القوى المتنافسة على الأرض متساوية تقريباً في قوتها.
ليس سراً أن الجيش السوري منهوك القوى، على الرغم من الاندفاعة الأولية في المعنويات بعد دخول روسيا الحرب. ليست جرعة الزخم هذه كافية للفوز في الحرب في سوريا – لا سيما وأن روسيا تسحب بعضاً من قواتها. يضيف المستشارون العسكريون الإيرانيون، فضلاً عن عناصر "حزب الله" والمقاتلين العراقيين والأفغان، قوةً إلى إمكانات النظام العسكرية. لكن هذه القوى لا تتمتع بالفعالية اللازمة من أجل إعادة الانتشار "بعد النصر"، فهذه المهام تعتمد دائماً على القوى المحلية التي يجب أن تكون قادرة على تثبيت سلطتها في المناطق التي تتم إعادة السيطرة عليها.
بدأ "حزب الله"، على الرغم من امتلاكه عديداً بشرياً محدوداً عند حدود لبنان الشرقية، تعزيز حضوره على الجبهة الجنوبية – على الحدود مع إسرائيل – تحسّباً لأي "مغامرة إسرائيلية". بيد أن أمين عام الحزب، حسن نصرالله، استبعد إمكانية اندلاع حرب مع إسرائيل في مقابلة معه عبر قناة "الميادين" الإخبارية العربية في 21 آذار/مارس الماضي. غير أن مصدراً مقرّباً من "حزب الله" في بيروت قال لموقع "المونيتور" شرط عدم ذكر هويته: "قد تشنّ إسرائيل في أي وقت ’حرباً مصغّرة‘ يمكن أن تؤدّي إلى أزمة غير مسبوقة في المنطقة. يأخذ حزب الله هذا الأمر في الاعتبار، ولذلك يتّخذ كل التدابير اللازمة ليتمكّن من الرد والدفاع [عن نفسه] عند الاقتضاء".
ليس الوضع أفضل في المقلب الآخر من النزاع السوري. تتقاتل قوات المعارضة في ما بينها، الأمر الذي لا يحدث في صفوف القوات الموالية للنظام. لم يعد ممكناً حتى تعداد المجموعات التي تقاتل من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. على الرغم من أن هذه المجموعات تتشارك هدفاً أساسياً واحداً، تختلف حول الأهداف والعقائد. كما أن أهداف الجهات المموِّلة لها تتسبّب بالصراع بينها.
سلّط مقال في صحيفة "لوس أنجلس تايمز" في 27 آذار/مارس الماضي، الضوء على المشكلة تحت عنوان "في سوريا، الميليشيات التي يسلّحها البنتاغون تحارب تلك التي تسلّحها وكالة السي آي أيه". فقد كشف المقال كيف أن "ميليشيا فرسان الحق التي تحصل على السلاح من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) طُرِدت من بلدة مارع، على بعد نحو 20 ميلاً شمال حلب، على أيدي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من البنتاغون أثناء تقدّمها من المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد باتجاه الشرق". ناهيك عن الصدامات التي تقع بين المجموعات المموَّلة من السعودية وقطر وتركيا – وكل ذلك في موازاة الحرب الأوسع نطاقاً مع تنظيم "الدولة الإسلامية" والتي تُلقي بثقله على الثوّار.
فيما يتأرجح الوضع بين عملية السلام في جنيف المدعومة من الولايات المتحدة وروسيا – والتي يبدو أنها لا تقود إلى أي نتيجة – والمأزق على الأرض، شكّك مسؤول إيراني، في مقابلة مع "المونيتور"، في إمكانية حدوث أي تطورات جدّية في الأشهر المقبلة. وقال لموقع "المونيتور" طالباً عدم الكشف عن هويته: "من الواضح أن الإدارة الحالية في واشنطن تحاول إبقاء الوضع تحت السيطرة في المنطقة تاركةً اتخاذ القرارات للإدارة المقبلة. الرئيس العتيد هو من سيكون عليه اتخاذ القرارات في الأعوام الأربعة المقبلة، لذلك يريدون أن يتركوا له هذه المهمّة".
أضاف المسؤول الإيراني: "مضى خمس سنوات على اندلاع الحرب في سوريا. ليست لدينا خطة باء – لدينا خطة واحدة فقط، وسوف نستمر في العمل بموجبها. نريد حلاً سياسياً ووحدة الصف في مواجهة الإرهاب. لن يتغيّر هذا الأمر ما دامت الأزمة مستمرة. يجب أن يتوقّف حمام الدماء، لكن الولايات المتحدة لا تبالي: لا يرون إلا مصالحهم لأن أيديهم ليست في النار، لكن الوضع لن يدوم طويلاً على هذه الحال. داعش في كل مكان، ومما لا شك فيه أنه موجود في الولايات المتحدة".
وختم محذّراً من الأسوأ: "في الواقع، الخطر الحقيقي على الولايات المتحدة، وعلى الغرب في شكل عام، ليس داعش بل [جبهة] النصرة. نشهد على صعود [أسامة] بن لادن جديد. إنه سعودي أيضاً، ويجري التعامل معه الآن على أنه شخص ثائر: [رجل الدين السعودي المتشدّد] عبدالله المحيسني. إنه لأمر غريب فعلاً كيف يكرّر التاريخ نفسه".