العراق، بغداد - تسرّب الأوساط السياسيّة والإعلاميّة العراقيّة بينها شخصيات سياسية ونواب، وناطقين باسم أحزاب، بين الحين والآخر وثائق رسميّة من دوائر الدولة المختلفة، ليجري نشرها عبر الفضائيّات مثل "البغدادية" و"الشرقية" ومواقع التواصل الاجتماعيّ مثل "فيسبوك" و"تويتر" والصحف الرقميّة مثل "المسلة"، و"الغد".
بعض هذه الوثائق "صحيح"، إذ ينجح موظّفون في تصويرها رقميّاً أثناء ممارستهم أعمالهم في المؤسّسات الحكوميّة، لتنشر عبر وسائل الإعلام مقابل مبالغ ماليّة. هذا ما حصل في محافظة ذي قار، ففي 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تسرّبت وثيقة عن هدر بالأموال في إفادات المسؤولين بينهم المحافظ، وصفها تقرير صحافيّ نشرته صحيفة "ذي قارنا" الرقمية بأنّها نتيجة لصراع سياسيّ بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة في المحافظة حول المناصب الحكومية، تتمخّض عنه في الغالب اتهامات متبادلة بالفساد أو التقصير في الخدمات.
لكن هناك وثائق مفبركة، تقلّد الكتب الرسميّة "الأصل"، وينشرها أصحابها لغرض التشهير بشخصيّة أو جهّة حكوميّة، أو سياسيّة معيّنة، وهذا ما أشار إليه تقرير صحافيّ أعدّه بيت الاعلام العراقي في 2015/07/21 أفاد بان هناك تزوير لوثائق ويكليكس، المتعلقة بعلاقة سياسيين عراقيين، بالحكومة السعودية.
وفي 13 تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، تسرّبت وثيقة حقيقية مماثلة من وزارة الصحّة العراقيّة،عن تورّط وزير الصحّة الأسبق صالح الحسناوي في قضايا فساد.
الواقع أنّ نشر الغسيل القذر للخصوم السياسيّين بات نشاطاً ثابتاً انشغل به ناشطون رقميّون في عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ، منها صفحة "وثائق سرّيّة للغاية"، التي تنشر العشرات من الكتب الرسميّة الحكوميّة المسرّبة. غير ان هذه الصفحة لم تذكر من هو القائم على ادارتها وكيفية حصولها على الوثائق، كما ان بعض التدوينات تتهم الصفحة بانها تنشر وثائق مزورة .
يرجع النائب عن "التحالف الوطنيّ" هشام السهيل أسباب حرب الوثائق إلى "غياب الشفافية في تداول المعلومات في شأن عمل المؤسّسات الحكوميّة، وانتشار الفساد الماليّ والإداريّ فيها، ممّا يدفع المواطن إلى محاولة فضحها".
ولكي تعالج هذه الظاهرة، يدعو السهيل عن طريق "المونيتور" إلى "تيسير الحصول على المعلومات، ومحاسبة الفاسدين لكي يدرك المواطن، أنّ العدالة فاعلة وغير غافلة عن ملفّات الفساد، ممّا يقلّل من الاهتمام بالوثائق وتسريبها".
إزاء ذلك، يبدو أنّ تسريب الوثائق له أهداف سياسيّة تعكس البيئة السياسيّة العراقيّة المتوتّرة، وهذا ما يراه الصحافيّ في جريدة "الصباح" العراقيّة قاسم موزان، الذي أوضح لـ"المونيتور" أنّ "أغلب عمليّات تسريب الوثائق هي تحصيل حاصل للخلافات بين الأحزاب السياسيّة، ومن يمثّلهم من المسؤولين، فيلجأ كلّ طرف إلى تسريب الوثائق التي تدين الطرف الآخر لفضحه وتسقيطه".
غير ان موزان، يرفض ذكر أحزاب وشخصيات معينة، لان تسريب الوثائق غالبا ما يتم عبر شخصيات إعلامية وموظفين يعملون بصورة سرية، مدعومين من قبل الأحزاب، لكي لا يُتهم حزب او شخصية ما بتسريب الوثائق.
ومن الناحية الفنّيّة، فإنّ سهولة تسريب الوثائق، بحسب موزان، تعود إلى"سهولة التصوير بالكاميرات الصغيرة وعدسات الموبايل، كما أنّ النشر الفوريّ في مواقع التواصل الاجتماعيّ شجّع على هذه الظاهرة".
ما قاله موزان عبّر عنه بألفاظ أخرى تصريح مصدر برلمانيّ لوسائل الاعلام في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر 2015 عن منع موظّفي مجلس النوّاب من إدخال أجهزة الهواتف الذكيّة إلى مجلس النوّاب على خلفيّة تسريب وثائق مصوّرة وكتب رسميّة، بواسطة تصويرها بعدسات موبايل ذكيّة، مزوّدة بكاميرات واضحة الدقّة. وأفاد كتاب الامانة العامة لمجلس النواب، في 23 تشرين الأوّل/أكتوبر 2015، بمنع دخول الموبايلات العائدة للموظفين ومنتسبي المجلس والزائرين التي تحتوي على كاميرات".
وفي سعيه إلى الوقوف على أسباب هذه الظاهرة، أرجع النائب عن "التحالف الوطني الديمقراطي"، مثال الآلوسي في حديثه إلى "المونيتور" لجوء البعض إلى هذا الأسلوب إلى "يأسهم من ملاحقة الفاسدين فيقومون بتسريب الوثائق لفضحهم"، كما يشير الآلوسي إلى أسباب ترتبط بـ"الصراع السياسيّ بين الشخصيّات والأحزاب". وبشأن الوثائق المفبركة، قال الالوسي "انها جزء من الفساد المنتشر في المؤسسات العراقية".
وعلى الرغم من وجود قرار صادر من مجلس الوزراء العراقيّ في 1 آب/أغسطس 2013 يمنع تسريب أيّ وثيقة رسميّة لجهات غير رسميّة، أو نشرها عبر وسائل الإعلام، إلّا أنّ فضائيّة "البغداديّة"، وفي تحدًّ واضح، نشرت في 26 شباط/فبرار 2014 في برنامجها "ستوديو التاسعة" وثائق رسميّة تتعلّق بمحاضـر جلسات مجلس الوزراء نفسه، والتي من المفترض أن تكون "سريّة للغاية"، حيث "أفادت هذه الوثائق بان الوزراء كانوا منشغلين بتأمين امتيازاتهم المالية، فحسب بعيدا عن مناقشة هموم الشارع العراقي" .
وعلى نمط التحدّي نفسه، هدّد وزير الماليّة العراقيّ السابق رافع العيساوي في 9 آب/أغسطس 2012، خصومه السياسيّين وهم رئيس "كتلة الحل" جمال الكربولي، وأخيه وزير الصناعة السابق احمد الكربولي، والإعلامي سعد البزاز بفضحهم، عبر نشر وثائق في وسائل الاعلام عن سرقتهم للأموال من العراق.
وطرح "المونيتور" سؤالاً: هل يعدّ نشر وثائق رسميّة قانونيّاً؟ يجيب على هذا السؤال الإعلاميّ نصّار الكريطي من شبكة الإعلام العراقيّ بطريقة خاصّة، فهو يرى "عناصر إيجابيّة في النشر من ناحية كشف الفساد"، إلّا أنّه يرى فيه أسلوباً غير قانونيّ "لأنّ ما يحدث هو سرقة للوثائق من المؤسّسات الحكوميّة، ممّا يفقد الثقة بموظّفي الدولة، ويعرّضهم إلى المساءلة القانونيّة".
عن هذه المساءلة القانونيّة، تحدّث لـ"المونيتور" المحامي اسماعيل أحمد، مدير مكتب محاماة في بابل جنوبي بغداد، فقال إنّ "نشر الوثائق الرسميّة في وسائل الإعلام، من دون موافقة رسميّة يعدّ نوعاً من الجرائم المعلوماتيّة، كما يمثّل تقصيراً وإهمالاً من الموظّف لعمله، يعاقب عليه القانون، إذ تنصّ المادة 438 من قانون العقوبات العراقيّ لعام 1969 على عقوبة مسرّبي الوثائق بالحبس لفترات لا تتجاوز السنة بحسب درجة خطورتها التي يقرّرها القضاء".
والحال أنّ هذا الجانب القانونيّ دعانا إلى الاطّلاع على المادة 164 من قانون التعديل العاشر المرقّم 77 في قانون العقوبات لسنة 1984 الذي ينصّ على "حكم الإعدام لكلّ من أتلف عمداً، أو أخفى، أو سرق، أو زوّر أوراقاً، أو وثائق، تمسّ سيادة العراق وأمنه".
مهما كانت الأهداف التي يبرّر بها البعض تسريب الوثائق، من قبيل فضح الفساد والسرقات، وكشف الموظّفين الفاسدين، إلّا أنّها تشكّل تجاوزاً للقانون، وإخلالاً بمسؤوليّة الموظّف في حفظ أسرار الدائرة أو المؤسّسة التي يعمل فيها، ويتوجّب التشجيع على حفظ أسرار الدولة بدلاً من إفشائها تحت ذرائع مختلفة.