حلب، سوريا – جالساً أمام خيمته، كان أبو سامي (اسم مستعار) 50 عاماً، عندما التقينا به عند أطراف بلدة دير جمال في ريف حلب الشماليّ، تجاعيد وجهه ورأسه المليء بالشيب تحكي الكثير عن معاناته. لقد استقبلنا بحفاوة وأصرّ على أن نشاركه شرب الشاي، الّذي أعدّه بنفسه على الفحم، "إنّه ليسعدني أنّ هنالك أحداً يهتمّ لأمرنا!" قال أبو سامي، ثمّ بدأ يسرد لـ"المونيتور" قصّته الطويلة مع متاعب النزوح.
أبو سامي هو واحد من آلاف الأشخاص الّذين نزحوا خلال آب/أغسطس من بلدات ريف حلب الشماليّ القريبة من خطّ التّماس بين قوّات المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الّذي يمتد على 40 كلم من الحدود السوريّة - التركيّة حتّى أطراف المدينة الصناعيّة الشيخ نجّار.
وإنّ بلدات حوار كلس وتلالين وكفرة ومارع وأم حوش وحربل وغيرها العشرات من البلدات والقرى في ريف حلب الشماليّ أضحت خالية من سكّانها بفعل هجمات داعش المستمرّة إلى الآن منذ 9 آب/أغسطس.
"بالكاد استطعنا النّجاة بأرواحنا عندما هجم داعش في منتصف اللّيل"، قال أبو سامي، وأضاف: "القذائف كانت تتساقط كالمطر. على وجه السرعة، ارتدينا ملابسنا وغادرنا القرية وسط الاشتباكات".
خلال آب/أغسطس، سيطر داعش على خمس بلدات وقرى كانت تحت سيطرة المعارضة في ريف حلب الشماليّ، ومن بينها قرية تلالين (4 كلم شمال مارع)، الّتي اضطرّ أبو سامي النزوح منها، عقب هجوم عنيف شنه "داعش" على القرية في 14 آب/أغسطس.
السيّارات المفخّخة وقذائف الهاون واستخدام داعش للغازات السامّة هي أبرز العوامل الّتي دفعت السكّان للنزوح، وقال أبو سامي: "معظم أهالي قريتي كانوا قد نزحوا في وقت سابق بسبب سقوط القذائف والمعارك الّتي تشتعل فجأة كلّ يوم. أمّا أنا فقد بقيت لآخر هجوم لداعش، والّذي انتهى بسيطرته على قريتي (تلالين)".
وبالقرب من خيمة أبو سامي، كانت هناك العشرات من الخيم المتناثرة، كلّها أقيمت حديثاً كملاجئ موقّتة بسبب هجمات داعش على ريف حلب الشماليّ، وفي حين تستمرّ السلطات التركيّة منذ 9 آذار/مارس بإغلاق معابرها وحدودها مع سوريا، فإنّه لا خيار آخر متاحاً أمام النازحين.
"ماذا ينقصنا؟ ينقصنا كلّ شيء من أغطية ومياه نظيفة ومؤن" ردّ أبو سامي على سؤالنا، وقال: "خرجنا من بيوتنا دون أن نتمكّن من جلب أيّ شيء معنا... كلّ ما كان يخطر ببالي أن أحفظ حياة أطفالي وزوجتي فقط".
في المقابل، فإنّ نازحين آخرين حالفهم الحظّ، ووجدوا منازل يأووا إليها في بلدات ريف حلب الشماليّ والغربيّ البعيدة نوعاً ما عن المعارك. حيث أن العديد من المنازل في بلدات مثل عندان ودارة عزة وكفر حمرة هجرها سكانها منذ فترة طويلة بسبب قصف قوات النظام، وتتعاون الأهالي مع المجالس المحلية لتسليم هذه المنازل للنازحين كحل مؤقت.
وفي مدينة حريتان بريف حلب، قابلنا أحد النازحين عندما كان ينقل الأثاث إلى منزل تسلّمه في شكل موقّت من المجلس المحليّ التابع للمعارضة، فقال باللّهجة المحليّة طالباً عدم الكشف عن اسمه: "الحمد لله لسا في ولاد حلال"، وتابع: "نزحت إلى هذا المنزل مع أسرتي وأسرة أخي بعد اشتداد المعارك في مدينة مارع... لم يعد بالإمكان العيش هناك".
وفي 1 أيلول/سبتمبر، أعلن "مجلس محافظة حلب الحرّة" التّابع للمعارضة، ريف حلب الشماليّ "منطقة منكوبة" بسبب حركة النّزوح، ودعا المجلس أصدقاء الشعب السوري والمنظّمات الإغاثيّة إلى تقديم الدعم اللاّزم لاحتواء الأزمة.
وأوضح المنسّق العام لغرفة طوارئ حلب حسام الدين فاعل أنّ حوالى ثلاثة آلاف عائلة نزحت من ريف حلب الشماليّ بسبب هجمات داعش الأخيرة، نصفها تقريباً توزّع على المخيّمات في المنطقة القريبة من الحدود التركيّة، والنصف الآخر توزّع في بلدات ريف حلب الشماليّ والغربيّ.
وتعمل غرفة طوارئ حلب على الاستجابة إلى الحالات الإنسانيّة الطارئة، وهي شبكة تنسيق بين المنظّمات الإغاثيّة المحليّة والدوليّة أنشئت في حزيران/يونيو، وتضمّ حاليّاً 26 منظّمة.
وقال حسام الدين فاعل لـ"المونيتور": "إنّ أبرز احتياجات النازحين في ريف حلب حاليّاً هي تجهيز المأوى من الموادّ الأساسيّة الّتي تساعدهم على المبيت مثل الفرش والبطّانيات والأدوات المنزليّة"، مشيراً أنّ هنالك نقصاُ ملحوظاً في "الاسفنجات وموادّ التّنظيف".
نافل القول أنّ هجمات "داعش" المستمرة على ريف حلب تفرز بشكل متزايد المزيد من النازحين، ومع استمرار هذه الهجمات فإن حياة الألوف تتحول جحيماً في ظل إغلاق تركيا حدودها في وجههم وقلة الدعم الإغاثي المتوفر لهم في الداخل.