ينصح كتاب "Kocan Kadar Konus" (أنتِ جيّدة بقدر زوجك) كلّ فتاة تركيّة صالحة بأن تبيّن لطالبي يدها للزواج بأنّها صعبة المنال، وقد نال اهتمام النساء من مختلف الأعمار منذ مطلع العام 2014. وسيتمّ إطلاق فيلم مقتبس من الكتاب في 20 آذار/مارس. ويقدّم الكتاب إلى النساء العازبات نصائح حول الزواج من فارس الأحلام، لكنّ القواعد منافية للمنطق: أوّلاً، عليكِ ألا تعطي انطباعاً بأنّك حاضرة للزواج. ويقترح الكتاب على المرأة العزباء أن تهرب إذا إرادت أن تجد عريساً، وألا تجيب على رسائله النصيّة أو اتّصالاته على الفور، بل عليها أن تنتظر 30 دقيقة كي تبقيه في حالة ترقّب. وينصحها أيضاً بإثارة طالب يدها: "أريه كم أنت جميلة، لكن لا تدعيه يلمسك. احرصي على أن يجهد لإرضائك، لا تكوني سهلة المنال".
ومن الممكن أن ينال هذا الكتاب الساخر الذي يقدّم نصائح إلى النساء العازبات مصادقة معهد اللغة التركيّة الرسميّ. ففي القاموس التركيّ المحدّث، عرّف المعهد كلمة "حاضرة للزواج" كـ "امرأة حاضرة للمغازلة، ومن السهل مغازلتها". أيّ امرأة قد تودّ أن تكون "حاضرة للزواج" بعد قراءة هذا التعريف؟ ومع أنّ هذا التعريف أثار بلبلة في تركيا، إلا أنّ الكتاب بدوره ينصح النساء العازبات بألّا يُظهرن أنّهنّ حاضرات للزواج، بل أن يبيّنّ عدم اهتمامهنّ بالعريس. وقد تعرّض الكتاب للانتقادات بسبب أسلوبه النثريّ والتبسيطيّ، لكنّه منتشر على شبكات التواصل الاجتماعيّ وفي عواميد الصحف منذ صدوره. وعلّق قرّاء كثيرون بالقول إنّ "الكتاب يعكس تجاربنا الحقيقيّة في الحياة".
لعلّكم تسألون من يمكن أن يشتري هذا الكتاب. طرح "المونتيور" هذا السؤال على بائع كتب في شوارع تقسيم المزدحمة في اسطنبول، فكان جوابه: "الجميع. النساء من مختلف الأعمار يشترين هذا الكتاب، وأيضاً عدد كبير من الرجال. وغالباً ما يقول لنا الرجال إنّهم يشترونه لشقيقاتهم". وقال أحد الزبائن في المتجر لـ "المونيتور": "في كلّ عائلة امرأة عانس". وتتضمّن اللغة التركية عبارات عاميّة تثني المرأة عن البقاء عانساً، منها ما يأتي: "الفتاة المتطلّبة جداً تتزوّج في النهاية رجلاً أصلع"، و"الرجل غير المتزوّج يسمّى عازباً، لكنّ المرأة غير المتزوّجة تسمّى عانساً"، و"بينما تكون الطفلة في المهد، يجب أن يكون مهرها جاهزاً في البيت".
مع أنّ الدراسات تبيّن أنّ الزيجات المدبّرة تراجعت بشكل ملحوظ، وأنّ السنّ التي تنجب فيها النساء طفلهنّ الأوّل ارتفعت في العقد الأخير، إلا أنّ الزواج لا يزال حدثاً مهمّاً في تركيا. وقالت ممثّلة في مطلع الأربعينات تدعى دنيز لـ "المونيتور": "في تركيا، نستيقظ ونشغّل التلفزيون فنرى على كلّ القنوات عدداً هائلاً من البرامج حول الزواج. ناهيك عن مئات مواقع المواعدة الإلكترونيّة. هناك مواقع للمسلمين المحافظين ومواقع للعمّال وحتّى الموظّفين الحكوميّين. لكن على هذه المواقع، لا يمكن إيجاد رجال في الأربعين أو الخمسين لديهم وظيفة مكتبيّة. وإذا وجدت واحداً، فهو يبحث عن فتاة عشرينيّة. وإذا وجدت رجلاً لائقاً، ستقول له عائلته على الأرجح: "لا تفكّر في الزواج من امرأة في الخامسة والثلاثين من العمر، فهي لا تستطيع الإنجاب".
وأضاف دنيز: "توقّفتُ عن الحلم بفارس الأحلام منذ فترة طويلة".
وهناك موقع إلكترونيّ للمواعدة يدعى "My Macchiato"، وهو موجّه إلى الخرّيجين الجامعيّين الذين لا يقلّ عمرهم عن 25 سنة ولديهم دخل يتعدّى متوسّط المداخيل. وتختلف كلفة الانتساب إلى الموقع بحسب السنّ. فكلّما كان المنتسب أكبر سنّاً، تكون الكلفة أكبر (مَن هم فوق الأربعين يدفعون حوالى 1500 دولار). ويعد الموقع مستخدميه بعلاقة لائقة مع شريك متعلّم. وقالت امرأة متطلّقة تبلغ من العمر 42 عاماً وهي المديرة التنفيذيّة لشركة مهمّة: "إنّه موقع لائق ومؤسّسوه يعملون بجدّ. لكنّني أعتقد أنّ عدد النساء المنتسبات إليه أكثر من عدد الرجال. فنساء كثيرات في سنّي ووضعي الماديّ ينظرن إلى خدمات الموقع ويقلن: "وأخيراً، وجدتُ المكان المناسب"، لكنّ الرجال الذين قد يعجبونني لا يلجأون إلى هذه الخدمات. هناك عدد كبير من النساء وعدد قليل من الرجال. بصراحة، أنا سعيدة كامرأة عزباء، لكنّني اضطررتُ إلى تجربة هذه المواقع لاسترضاء عائلتي".
وبالفعل، تُعتبر النساء العازبات فوق سنّ الثلاثين فاشلات في تركيا. وقد سلّط كتاب "Kocan Kadar Konus" الضوء على هذا الواقع في المجتمع التركيّ: "إذا كان لديكِ زوج، تكونين موجودة ككائن بشريّ في المجتمع. إذا كنتِ عزباء، نشفق عليكِ". وقالت صحافيّة عزباء تدعى نور كيزيلتاس ويتعدّى عمرها الخامسة والثلاثين لـ "المونيتور": "تزوّجت شقيقتي الكبرى في سنّ الثلاثين تقريباً. كان عمري 15 سنة آنذاك. تزوّجَت طالباً جامعيّاً عمره عشرون سنة بداعي الزواج ليس إلا. واليوم، مرّت حوالى 20 سنة على زواجها. لدى زوجها الإسلاميّ زوجة أخرى منذ عشر سنوات. جميعنا نعرف ذلك، لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ لديهما أولاد. ودخلت هي أيضاً في علاقات عذريّة. الزواج بلا معنى. لديّ حبيب، لكن لديّ شقّتي الخاصّة، ولا، لستُ بحاجة إلى زوج يعنّفني، شكراً جزيلاً".
نظراً إلى نسبة العنف الأسريّ الجنسيّ والجسديّ المرتفعة في تركيا، يُعتبر قرار العزوبة لدى النساء مبرّراً. وقد أفاد "المونيتور" مؤخّراً بأنّ حزب العدالة والتنمية أدرج حوافز ماليّة من أجل الزواج المبكر. إنّها بالفعل خطوة ذكيّة تجاه الناخبين.
وقالت امرأة عزباء أخرى في أواخر الثلاثينات: "الزواج فطريّ بالنسبة إلى الفتاة التركيّة". تحمل إسرا أوز شهادة دكتوراه في الهندسة التي تُعتبر مجالاً يهيمن عليه الرجال. وقالت لـ "المونيتور": "فاتني قطار [الحبّ] في الجامعة لأنّني ركّزتُ على علمي وابتعدتُ عن اللهو. تلمح عائلتي الكبيرة إلى الحاجة إلى رجل في المنزل، وتقترح عليّ عرساناً محتملين. فلنتكلّم بصراحة، عندما تكبر المرأة وتكون متعلّمة أكثر ومستقلّة مادياً، تتراجع حظوظها في العثور على زوج مناسب". وأضافت: "من الممكن أن أتزوّج رجلاً أربعينيّاً، لكنّه سيكون على الأرجح مطلّقاً ولديه أولاد. لستُ واثقة من أنّني مسعدّة لذلك"، معبّرة عن مخاوف النساء العازبات الأخريات.
ويبّين تقرير معهد الإحصاء التركيّ للعام 2012 الذي يحمل عنوان "المرأة في إحصاءات" أنّ متوسّط سنّ الزواج لدى الرجال والنساء ارتفع منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم سنة 2002. لكنّ الدراسة نفسها تشير إلى أنّ نحو 66% من النساء التركيّات يتزوّجن قبل سنّ الخامسة والعشرين، مقارنة بـ 34% فقط من الرجال في الفئة العمريّة نفسها. وتجدر الإشارة إلى أنّ نسبة النساء اللواتي يعشن بمفردهنّ بين سنّ الثلاثين والرابعة والستّين أكثر من نسبة الرجال بمرّتين. وقد وجد خبراء عدّة صعوبة في تفسير هذا الواقع في مجتمع ذكوريّ.
إنّ الاستمرار في العيش كامرأة عزباء عاملة في تركيا، مطلّقة أو غير متزوّجة، هو أمر ممكن وجميل إذا كان لدى المرأة دخل ودعم كافيان. وقد حلّت تركيا في المرتبة 95 من بين 126 بلداً – متأخّرة عن إيران بأربع مراتب - في قاعدة بيانات منظّمة العمل الدوليّة الخاصّة بإحصاءات المدراء الإناث في العام 2012. من هنّ إذاً النساء القادرات على العيش بمفردهنّ؟
قال عالم اجتماع بارز في تركيا لـ "المونيتور"، طالباً عدم الكشف عن اسمه خوفاً من خسارة وظيفته، إنّ "إحصاءات الأسر المؤلفة من نساء عازبات غير دقيقة لأنّ غالبيّة هؤلاء هنّ الزوجات الثانيات أو الثالثات لرجال أتقياء متعدّدي الزوجات. إذا نظرنا إلى بيانات الأسر المؤلّفة من والد واحد، نرى علاقة إيجابيّة مباشرة. فغالبيّة تلك الأسر مؤلّفة من نساء عازبات لسن عشيقات. يحملن شهادات عالية ولديهنّ دعم ماديّ وعاطفيّ من عائلاتهنّ، ويمكنهنّ العيش في مجتمعات مترفة مغلقة".
بشكل عامّ، نستنتج أنّه نظراً إلى النسب المرتفعة للطلاق وجرائم قتل النساء في تركيا، وعلى الرغم من كلّ الضغوط الاجتماعيّة – الدينيّة أو العلمانيّة – يبدو أنّ النساء العاملات المتعلّمات يعشن حياة خالية من الهموم وأكثر سعادة من حياة النساء المتزوّجات.