القاهرة – ودّع العالم العربيّ الممثّلة الملقّبة بسيّدة الشاشة العربيّة فاتن حمامة، التي أسهمت أعمالها عبر تاريخها الفنّي، في إبراز صورة المرأة العربيّة والمصريّة المغلوب على أمرها، وعبّرت عن هموم المرأة العربيّة، والتمييز الذي تعاني منه.
وكان فيلمها "أريد حلّاً"، أحد أشهر الأفلام التي دفعت إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصيّة في مصر، حيث تسنّ للمرّة الأولى قاعدة قانونيّة مبنيّة على أحكام الشريعة الإسلاميّة، تسمح للنساء المسلمات بحقّ تطليق أنفسهنّ من أزواجهنّ. وقد تحدّث الفيلم بجرأة للمرّة الأولى عمّا يعرف حاليّاً بـ"الخلع" في قانون الأحوال الشخصيّة المصري.
ودخلت القاهرة في حداد يومين حزناً على حمامة، التي توفّيت في 17 كانون الثاني/يناير عن عمر يناهز الـ84 عاماً إثر وعكة صحيّة. وأصدرت الرئاسة المصريّة بياناً نعت فيه مصر والعالم العربي الفقيدة.
وحظيت وفاة الفنّانة بردود فعل واسعة على المستوى العربيّ، وأبرزها نعي ملك المغرب محمّد السادس لها، حيث بعث بوفد رسميّ للمشاركة في جنازتها في 18 يناير من مسجد الحصري مدينة السادس من اكتوبر ، وأوفد الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس مندوباً لتقديم العزاء، كما أفردت وسائل الإعلام العالميّة مساحات في صدر صفحاتها الفنيّة للحديث عن مشوارها الفنيّ، وكيف أسهمت أفلامها في الدفاع عن حقوق المرأة.
وفاتن حمامة هي المرأة التي تزوّجها النجم العالميّ عمر الشريف بعدما أشهر إسلامه وترك ديانته اليهوديّة. وعلى الرغم من انفصالهما بسبب رفضها السفر معه للعمل في هوليوود منذ عام 1974، وزواجها بعد ذلك في العام 1975 من طبيب أشعّة شهير، إلّا أنّ عمر الشريف ظل يجهر بحبّه لها دائماً.
ومثلما كان للفنّان المصريّ محمّد عبد الوهاب دور في تبنّي موهبتها عقب فوزها بلقب أجمل طفلة في مصر، وهي في الثامنة من عمرها، وقد لعبت أوّل أفلامها عام 1940 "يوم سعيد"، كانت فاتن حمامة هي الأخرى تهتمّ بصناعة النجوم، وتبنّي المواهب الشابّة. وكان ظهورها لأول مرة أمام عبد الوهاب والملقب بموسيقار الأجيال بمثابة نقطة انطلاق لما يمثله من علامة بارزة في تاريخ الفن والغناء المصري والعربي.
وحظيت سيّدة الشاشة العربيّة بتقدير وشعبيّة واسعين في العالم العربيّ، وكذلك لدى القادة العرب، حيث قال عنها جمال عبد الناصر ما بين عام 1966 و1968 إنّها ثروة قوميّة، على الرغم من معارضتها نظام حكمه، وهروبها من مصر حتّى وفاته. ومنحها أنور السادات ميداليّة الشرف، بينما منحها ملك المغرب الحسن الثاني بن محمّد ميداليّة الاستحقاق في العام 1977، وكذلك منحها الرئيس اللبنانيّ إميل لحّود ميداليّة الشرف في العام 2001، ورئيس الحكومة رفيق الحريري وسام المرأة العربيّة في العام 2001. وحصلت على شهادة الدكتوراه الفخريّة من الجامعة الأميركيّة في القاهرة، وأخرى من الجامعة الأميركيّة في بيروت في العام 1999، إلى جانب الجائزة الأولى للمرأة العربيّة، ووسام الأرز من لبنان في العام 2013.
ولفاتن حمامة مكانة خاصّة لدى الرئيس المصريّ الحاليّ عبد الفتاح السيسي، وقد ظهر ذلك بوضوح في مواقف عدّة جمعتهما، وفي اهتمامه بمحادثتها تلفونيّاً إثر تعرّضها لوعكة صحيّة في العام 2014.
بصمات حمامة الواضحة في معالجة القضايا التي تهمّ النساء بمختلف أعمارهنّ وفوارقهنّ الاجتماعيّة، تحدّث عنها المجلس القوميّ للمرأة في مصر في بيان نعيها، مؤكّداً أنّ أدوارها طوال مشوارها السينمائيّ ساهمت في حلّ قضايا تهمّ المرأة.
تروي الناقدة السينمائيّة حنان شومان لـ"المونيتور" تفاصيل آخر لقاء جمعهما في مارس 2014 من وفاتها، والذي تحدّثت خلاله حمامة بصراحة عن تفاصيل هروبها من مصر في عهد جمال عبد الناصر. وقالت شومان: "قالت لي إنّ هروبها من مصر بعد نكسة الـ67 لم يكن خوفاً من جمال عبد الناصر، وإنّما من رجاله الذين طلبوا تجنيدها للتعاون مع المخابرات المصرية في أمور مخابراتية ما ترفضه هي".
وأضافت شومان: "تحدّثت حمامة معي عن إعجابها بالسادات وبانفتاحه، وكيف أنّها واجهت نظامه بأزمته مع الكثافة السكانيّة من خلال فيلمها "أفواه وأرانب". وتحدّثت أيضاً عن كرهها لعهد حسني مبارك الذي كان يأخذ من الفقراء ليعطي الأغنياء، وتعبيرها عن هذا الواقع للفقر المؤلم من خلال فيلمها "يوم حلو ويوم مر"".
وأردفت شومان: "تحدّثت معي أيضاً سيّدة الشاشة العربيّة عن هذا الاكتئاب الذي أصابها خلال فترة حكم محمّد مرسي".
وعن هذا التأثير الذي حقّقته حمامة على المستوى العربيّ، وتسميتها بسيّدة الشاشة العربيّة، أوضحت شومان أنّ ذلك كان لأنّه حتّى منتصف الثمانينيّات، كانت السينما المصريّة هي هوليوود الشرق والوحيدة المسيطرة على الشاشة العربيّة قبل دخول السينما الوافدة سواء الهنديّة أم الأميركيّة، ولأنّ الفيلم المصريّ كان هو ما يطلق عليه الفيلم العربيّ، ومن هنا تأثّر العالم العربيّ كلّه بأدوار فاتن حمامة.
وتقول المديرة التنفيذيّة للجمعيّة المصريّة للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة زينب خير: "كانت فاتن حمامة معنيّة في أفلامها بالدفاع عن حقوق المهمّشين، فنجدها في فيلمها "دعاء الكروان" تفاجئ المجتمع بالواقع المؤلم الذي تعيشه الفتيات القاصرات اللواتي يعملن في البيوت كخادمات، وليس لهنّ ثمن وتتمّ استباحة أعراضهنّ".
وأردفت خير: "لن ننسى تعبيرها عن قهر النساء في فيلمها "الحرام" الذي يكشف الحياة البائسة والتعيسة لعمّال التراحيل والظلم الذي يتعرّضون له، وكيف واجه فيلمها "الباب المفتوح" الظلم الذي تفرضه الأعراف والتقاليد على الفتاة الشرقيّة بإجبارها على الزواج بمعرفة الأسرة".
واستكملت قائلة: "ذلك، فضلاً عمّا تعرضت إليه من انتقادات لاذعة من التيّارات الإسلاميّة، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين عن فيلمها "أريد حلّاً" الذي كان سبباً في تغيير قانون الأحوال الشخصيّة المصريّ، وإعطاء المرأة حقّ تطليق نفسها من زوجها".
تركت فاتن حمامة إرثاً وافراً للعالم العربيّ من الأفلام والأعمال الدراميّة التي تجاوزت 90 فيلماً، تعكس واقع المهمّشين والنساء المقهورات. فكانت مرآة عصرها التي سلّطت الأضواء على أنواع عدّة من التمييز النوعيّ.