دمشق- لم تشهد مدينة دوما (9 كم شمال شرق دمشق) منذ عامين أيّ مظاهرة مدنيّة، لكنّ المظاهرات عادت في 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ولكن ليس لإسقاط النظام هذه المرّة، بل ضدّ "جيش الإسلام" والتجّار المتحالفين معه، في ما بات يعرف بـ"مظاهرات الجوع".
مئة يوم من حصار الجيش السوريّ لمدينة دوما وقصف مستمرّ من طائراته، استنفذ خلالها سكّان المدينة كلّ ما يملكون من موادّ غذائيّة، وحاجز الجيش السوريّ المتمركز عند مخيّم الوافدين (على طريق دمشق دوما) يمنع دخول أيّ مساعدات إنسانيّة إليها، الأمر الذي انعكس سلباً على المدنيّين، خصوصاً مع تحكّم تجّار الحروب وأصحاب السلاح بكلّ مخازن المؤن هناك.
جاءت المظاهرات على خلفيّة احتكار التجّار السلع الغذائيّة في المدينة، حيث يعاني السكّان من الجوع، فيما تغصّ مستودعات التجّار بكلّ البضائع الضروريّة، رافضين بيعها إلّا بعد تلبية حاجات المقاتلين، وهو ما أكّده عمر. أ، أحد المشاركين فيها، والذي أضاف لـ"المونيتور" عبر سكايب: "أدّت المظاهرات إلى هجوم المتظاهرين على مستودعات المؤسّسات الخيريّة المقرّبة من "جيش الإسلام"، وأطلق حرّاس المستودعات النار علينا مباشرة، ممّا دفع البعض إلى إطلاق النار من أسلحة فرديّة في اتّجاه الحرّاس، ممّا أسفر عن إصابة بعض الأهالي بجروح خطيرة، إضافة إلى اعتقال عناصر "جيش الإسلام" قادة بعض الفصائل التي ساعدتنا ووقفت إلى جانبنا".
وكان "المجلس القضائيّ الموحّد" قد أصدر في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري بياناً حذّر فيه "محتكري البضائع"، معتبراً إيّاهم شركاء للنظام في حصار الغوطة، وأمهلهم مدّة أسبوع لطرح هذه البضائع في السوق وبأسعارها المعتدلة كما كانت، داعياً كلّ من يملك معلومات حول أيّ مستودع تخزين ولأيّ تاجر، الإبلاغ عنه فوراً لاتّخاذ الإجراءات المناسبة.
وبعيد إصدار المجلس القضائيّ البيان، تعرّض 15 من أعضائه إلى محاولة اغتيال جماعيّة، وعلى رأسهم الشيخ أبو خالد البشش، مدير المجلس في دوما، بحسب محمّد أبو سالم، أحد وجهاء مدينة دوما، والذي أوضح أنّ محاولة الاغتيال كانت عن طريق دسّ السمّ في الطعام أثناء اجتماعهم.
واعتبر أبو سالم أنّ المتّهم الوحيد في هذه العمليّة هو "جيش الإسلام"، مضيفاً لـ"المونيتور" عبر الهاتف: "المجلس القضائيّ يحاول الحدّ من تمركز السيطرة في دوما بأيدي القوى العسكريّة، نظراً لما تقوم به من انتهاكات، وما تجلبه للمدينة من صراعات مع باقي الفصائل، وتوجد هيئات أخرى من بينها "الإخوان المسلمون"، ومشايخ "السلفيّة الجهاديّة" تتبنّى موقف المجلس نفسه"، وتابع: "الخلاف بين القوى العسكريّة وهذه الهيئات يعود إلى أواسط العام الماضي، عقب انتخاب هيئات "المجلس المحليّ لدوما"، وما نجم عنه من انقسامات"، مشيراً إلى أنّ الإخوان المسلمين دائماً ما يتساهلون مع ممارسات القيادة العسكريّة، بينما يبدي المجلس والقوى السلفيّة معارضة شديدة لما يحصل.
وحملت المظاهرات ضدّ قائد "جيش الإسلام" زهران علّوش، مطالب تسعى إلى وقف القتال الداميّ مع مقاتلي "جيش الأمّة" الذي حوّل البلدة إلى ساحة للتفجيرات والعبوات الناسفة والاشتباكات المباشرة داخل المناطق السكنيّة، بحسب ما نقل سكّان فروا من المدينة لـ"المونيتور". وتعود خلفيّة القتال إلى شهر أيلول/سبتمبر الماضي، عندما أعلنت فصائل وألوية عدّة في الغوطة توحّدها تحت اسم "جيش الأمّة"، وردّ زهران علّوش آنذاك بأنّه "لن يسمح لأن يكون هناك رأسان لجسد واحد، داعياً إلى أن ينضوي الجميع تحت راية الوحدة التي حدثت في الغوطة".
كلّ ذلك يحدث، فيما يستمرّ تقدّم الجيش السوريّ في القرى والتلال والبساتين المحيطة بدوما، وهو الأمر الذي لم يعد بالنسبة إلى "جيش الإسلام" مجرّد تطوّرات ثانويّة على هامش الحرب الدائرة بينه وبين القوّات الحكوميّة في الغوطة الشرقيّة، خصوصاً بعد السقوط السريع لتحصيناته في مناطق تل كردي والريحان ومزارع عالية شرق مدينة دوما وشمال شرقها.
وقد كانت قيادات "جيش الإسلام" جاهزة في ما سبق لـ"تعليق مشانق" من يطالب بالحوار مع النظام السوريّ، بحسب محمّد الدوماني، أحد المقاتلين المناوئين لـ"جيش الإسلام"، الذي أضاف عبر سكايب: "اليوم، باتت خطابات قائد "جيش الإسلام" تطلب في شكل غير مباشر من جمعيّات المجتمع المدنيّ في دوما أن تلعب دوراً في مفاوضات لوقف إطلاق النار مع النظام، خصوصاً وأن ورقة مخطوفي عدرا ما زالت ورقة رابحة في يدّ علوش، وهو يريدها أساساً منطلقاً للتفاوض".
وأشار الدوماني إلى أنّ هدف علّوش الأوّل هو الحدّ من تقدّم قوّات النظام في محيط دوما، حتّى يرسّخ تعزيزات أكبر لتنظيمه في الجبهة الشرقيّة التي بدأت تنهار، ويلتفت إلى تصفية خلافاته مع خصومه في الجبهة الداخليّة.
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول أحد الإعلاميّين الذين يغطّون عمليّات الجيش السوريّ في الغوطة الشرقيّة تامر الجواني: "يرى الجيش السوريّ أنّ كلّ هذه الادّعاءات ليست مبنيّة على أساس الرغبة في المصالحة، إلّا أنّها محاولة للحدّ من سرعة تقدّم الجيش حول دوما، وهو ما لن يحدث".
وتابع الجواني أنّ سيطرة الجيش السوريّ على بلدة عدرا في أيلول/سبتمبر الماضي ساهمت في إحكام الطوق على مدينة دوما قائلاً: "تقدّم الجيش السوريّ على جبهة الغوطة الشرقيّة من الشمال، وسيطر على تل كردي وتل الريحان، وفتح طريق دمشق-بغداد، ممّا أدّى إلى إحكام الخناق على مدينة دوما، وبذلك يكون قد قطع طرق الإمداد العسكريّ والإغاثيّ في شكل نهائيّ، ممّا ساعد على زيادة حدّة الخلافات بين الفصائل المقاتلة، الأمر الذي قد يساهم في سرعة اختراق الجيش السوريّ المدينة، وهذا ما جعل "جيش الإسلام" يسعى إلى فتح قنوات اتّصال مع النظام."
وقال الجواني إنّ دخول الجيش إلى دوما سيؤمّن العاصمة في شكل نهائيّ، ويفتح أمام الجيش السوريّ بوّابات إلى حرستا وجوبر شمال دمشق، ويقطع طرق إمداد مقاتلي المعارضة في القلمون شمالاً.
وقد جعلت الخلافات مع القوى العسكريّة والمدنيّة في الغوطة الشرقيّة، وثورة سكّان دوما الجياع، إضافة إلى خطر الجيش السوريّ الذي يقترب يوماً بعد يوم من معقل "جيش الإسلام"، من قائده أسيراً للجبهات الأربع المفتوحة ضدّه، الأمر الذي ينذر بفقدان سيطرته على البلدة.