أفادت السّلطات السّعوديّة بأنّها كشفت عن شبكة كبيرة من الجهاديّين التّابعين لتنظيم الدّولة الإسلاميّة، وقد نفّذت هذه المجموعة هجومًا طائفيًا واحدًا على الأقلّ ضدّ سعوديّين شيعة. في الوقت عينه، تشعر المملكة بالإحباط من تعاون الغرب مع إيران من أجل محاربة داعش في العراق، وتتخوّف الرياض من أنّ هذا "التّحالف الفاضح" سيخفّف من عزلة طهران.
أفادت وزارة الداخليّة السعودية يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر بأنّ ثلاثة مواطنين سعوديّين ومواطنًا قطريًا يرتبطون بداعش شنّوا هجومًا على قرية شيعيّة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط أوائل شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وأدّى الهجوم إلى مقتل تسعة أشخاص شيعة وجرح 13 آخرين. جرى تعقّب الخليّة الجهاديّة وقتل أو اعتقال العناصر الأربعة جميعهم، وقد قضى شرطيان سعوديان على الأقلّ في الاشتباكات التي تخلّلها تبادل لإطلاق النار. جرى أيضًا اعتقال 77 شخصًا يُشتبه بارتباطهم بالقتلة، من بينهم أردني، وتركي وسوري، والباقون سعوديّون. والجدير بالذّكر هو أنّ وزارة الداخليّة نادرًا ما تدافع عن حقوق الشيعة، لكن في هذه الحالة، لم يكن لديها خيار آخر نظرًا لارتباط المسألة بداعش.
كانت الشّبكة قد بايعت زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي وكانت تتلقّى الأوامر من داعش في العراق وسوريا في إطار تواصل مستمرّ معه. اختار داعش هدف العمليّة وتوقيتها في المنطقة الشرقيّة، وجرى تنفيذ الهجوم في مسجد شيعي يوم إحياء ذكرى عاشوراء. من الواضح إذًا أنّ البغدادي يرغب في التوسّع بحربه على الشيعة بالتمدّد إلى المملكة السعودية وربما دول خليجيّة أخرى أيضًا، وتشكّل البحرين هدفًا محتملاً آخر.
يحارب السعوديون خلايا القاعدة منذ أكثر من عقد، لكنّها المرّة الأولى التي يتعرّضون فيها لتهديد من داعش. أدانت المحاكم السّعودية هذا الأسبوع ثلاثة من عناصر القاعدة في شبه الجزيرة العربية للتّواطؤ على مهاجمة مقرّات وزارة الداخلية في الرياض.
ويقال إنّ 2,500 سعوديّ توجّهوا إلى سوريا والعراق في السّنوات الأربع الأخيرة للقتال إلى جانب جماعات سنية متطرّفة، على رأسها داعش وجبهة النصرة، ويقال أيضًا إنّ المئات قُتِلوا في المعارك. وفي خطوةٍ متأخّرةٍ، قامت السّلطات السعوديّة هذا العام بمنع السفر إلى الخارج للانضمام إلى التّنظيمات الجهاديّة، وشدّدت الرقابة والحواجز المفروضة على الحدود مع العراق واليمن لمحاولة منع الجهاديّين السعوديّين من مغادرة البلاد أو العودة إليها.
إنّ قيام السعوديّة بغضّ الطّرف عن العنف المذهبي السّنّي كان مصدر خلاف مع واشنطن منذ بداية الربيع العربي، وقد اتّهم نائب الرئيس جو بايدن السعوديّين بتشجيع السّنّة على الذهاب إلى سوريا لمحاربة نظام بشار الأسد، لكنّه عاد لاحقًا واعتذر عن هذه التّصريحات. وتجدر الإِشارة إلى أنّ السعوديّين وافقوا على العمل مع الولايات المتّحدة لتشكيل معارضة سوريّة معتدلة.
يخشى السّعوديون إذًا أن تقوم الحرب ضدّ داعش بردّ الاعتبار لإيران. نشرت صحيفة سعودي جازيت مقالاً افتتاحيًا يوم 26 تشرين الثاني/نوفمبر حول تمديد المفاوضات النووية مع إيران، بعنوان "مهلة أميركية أخيرة أخرى"؛ وخلص المقال الافتتاحي إلى أنّ "واشنطن وجدت نفسها في تحالف فاضح مع طهران لمواجهة إرهابيّي داعش". تقوم الولايات المتّحدة إذًا بـ"كسب الوقت" على الجبهة النووية، وبالإضافة إلى ذلك، لن تأخذ واشنطن أيّ خطوة ضدّ الأسد لعدم إثارة استياء طهران على ما يبدو. إنّ المهلة الجديدة للتّوصّل إلى اتّفاق مع إيران لا معنى لها، وليست سوى خطّ أحمر آخر عديم الجدوى لأوباما. هذا وتُتَّهَم المخابرات الأميركية ضمنيًا بتجاهل أدلّة حول أنشطة نووية سرية في إيران للعمل مع الشيعة في العراق ضدّ داعش.
تنشر الصّحافة السعوديّة المطبوعة ما تريده العائلة المالكة، وبالتالي، طُبِع المقال الافتتاحي بتصريحٍ من القصر الملكي. يختتم المقال بقوله، "يتّبع أوباما استراتيجيّة عالية المخاطر. تستفيد إيران من قدرتها الظّاهرة على مساعدة العراق والولايات المتّحدة على مواجهة داعش من أجل حماية الأسد المجرم وأنشطتها النّوويّة الخاصّة غير الشّرعية".
يواجه الملك عبدالله معضلة سياسية من الدرجة الأولى. فمن جهة، يشكّل البغدادي تهديدًا وجوديًا لسلطة الملك كخادم الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة، وبعد أن أعلن البغدادي أنّه الخليفة ابراهيم، بات يطالب بحقّه بحكم المدينتين المقدّستين في الحجاز، وهو يقول إنّ السعوديّين مغتصبون للسّلطة. إذًا، بما أنّ داعش بات يتحرّك داخل المملكة ويحاول إشعال حرب أهلية من خلال الأقلية الشّيعيّة المقموعة في البلاد منذ وقت طويل، لا بدّ من أن يقوم عبدالله بمحاربة داعش. تشارك القوات الجوية الملكية السعودية في المعركة الجوّيّة، وقاد ابن وليّ العهد سلمان بن عبد العزيز مهمّات قتالية ضدّ أهداف لداعش.
من جهة أخرى، إنّ محاربة داعش في العراق تعني الوقوف في صفّ الحكومتين الشيعيّتين في بغداد وطهران. يؤمن السّعوديون بأنّ طهران هي السّلطة الحقيقية في بغداد وبأنّ المخابرات والأجهزة الأمنية الإيرانية تتحكّم بالجيش العراقي والميليشيات الشّيعيّة، وبالتّالي، تساهم مساعدة الدّولة العراقية على محاربة داعش في تعزيز موقع طهران.
إلقاء اللوم على أوباما بالتّسبّب بالفوضى الحالية هو إجابة بسيطة لكنّه ليس الحل. ما تحتاج إليه المنطقة هو إنهاء استغلال الدولة للعنف المذهبي في إيران والسعودية، وتهدئة التّوتّرات الشّيعية-السّنيّة. وتأتي خطوة وزارة الداخلية بإحضار قتلة داعش أمام القضاء كخطوة أولى جيّدة في ذلك الاتّجاه، لكن تدعو الحاجة إلى خطوات كثيرة أخرى.