للوهلة الأولى، وفيما تستعرض الصّور على انستاغرام، لن تشغل بالك بما تراه: صور سيلفي، حفلات منزلية، سيارات أوروبية فاخرة، جاذبية وأناقة لا يعلى عليها. لكن إذا نظرت عن كثب، قد تصادف أحيانًا غطاءً للرأس وتلاحظ اللغة على لوحات السيارات. عندها ستظنّ على الأرجح أنك تنظر إلى مجموعة صور للطبقة الغنية في إحدى دول الخليج في الشرق الأوسط، كالإمارات العربية المتحدة مثلاً؟ لقد أصبت بتقدير المنطقة، لكن إثنيًا، أنت بعيد كلّ البعد. هو بلد يقع إلى أقصى الشرق مقابل الخليج العربي: جمهورية إيران الإسلامية.
أنت تتصفّح حساب الانستاغرام الذي ينقل لك حياة أبناء وبنات طبقة إيرانية نخبوية، تشكّل 1 في المئة من سكان طهران. هم يعيشون في بلد كان الإعلام لا يزال يصوّره حتى وقت ليس ببعيد كمكان يحكمه الملالي ويسكنه المتطرفون الإسلاميون، حيث ترتدي النساء الشادور الأسود ويهتف الشعب "الموت لأمريكا" 365 يومًا في السنة. لم تعرف لائحة الصور النمطية نهاية حتى خرجت إلى العلن قصص الجنس، والمخدرات والكحول المنتشرة في صفوف النخبة الإيرانية، لدرجة بات البعض يدعو إيران بـ"الجمهورية الجنسيّة".
صحيح أنّ بعض المواقع الظاهرة في الصور على حساب richkidsoftehran@ هي موضع شك، فهي قد التُقطِت في حفلات منزلية، إلا أنّ المواطن الإيراني العادي يمكنه التأكّد من أنّ معظم الصور قد التُقطَت في الجمهورية الإسلامية بسبب العلامات التجارية الإيرانية لأنواع عصير الفاكهة التي يشربونها بعد أنواع الخمر مثل غراي غوز، وجاك دانيلز، وجوني والكر بلو ليبل، وتشيفاز ريغال. بالإضافة إلى ذلك، سيتمكّن أيّ شخص يعلم المدينة جيدًا من التعرّف بسهولة إلى منظر المباني عند الأفق في طهران والأبنية العالية في منطقتي فرشته والهيه الفخمتين، والأعمدة الرومانية التي تعجّ بها هندسة المنازل الإيرانية والفيلات المخصّصة لتمضية العطل، بالإضافة إلى اللوحات الإيرانية على السيارات الفخمة التي أصبحت شائعة في الجزء الراقي من طهران.
وإذا اعتبرتم ذلك غير قابل للتصديق، أفادت مجلّة "ذي إيكونومست" أيضًا أنّ شركة بورش "باعت سيارات في طهران في العام 2011 أكثر مما باعته في أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط". نرى أيضًا صورًا في مطعم الديوان، وهو مطعم إيراني تقليدي راقٍ يقع في روديو درايف العاصمة (فرشته/شارع فايازي) الذي يشكّل واحدًا من عدّة شوارع في شمال طهران معروفة بـ"دور دور"، أو التجوّل للتعرّف إلى الجنس الآخر. وإذا لم يكن ما سبق ذكره مثيرًا بما يكفي، إليكم صورة، وهي المفضّلة عندي، لشاب يستعمل عصا السيلفي لالتقاط صورة جماعية فيما يتجوّل هو وأصدقاؤه في الشارع في سياراتهم الألمانية. وإنّ دقّة الصورة إنجاز بحدّ ذاته.
في الفنكليزي، أو الإنكليزي الفارسي، تقول إحدى رسائل الانستاغرام "أنشأنا هذه الصفحة كي نُظهِر أنّ إيران ليست سيئة على الدوام. هي حقًا جيدة. لكنّ البعض متخلّفون ويتعمّدون التخريب. هم يكتبون أمورًا سيئة، وكثير من الأشخاص ينقلون صفحتنا. لكنّنا لا نعير ذلك أيّ أهمية. ... فليذهبوا إلى الجحيم."
قد يكون حسابهم مبتكرًا، لكنّ فكرتهم ليست كذلك. من الواضح أنّ مؤسّس الحساب استوحى من حساب أبناء انستاغرام الأثرياء Rich Kids of Instagram، الذي عرف نجاحًا كبيرًا في العام 2012 وأوحى منذ ذلك الحين بكتاب "أبناء انستاغرام الأثرياء: الرواية"، بالإضافة إلى برنامجين لتلفزيون الواقع على قناة إيي الترفيهيّة، "#أبناء بيفرلي هيلز الأثرياء" و"#أبناء نيويورك الأثرياء". تمامًا كنظرائهم الغربيين النخبويين، هؤلاء الإيرانيون في العشرينات من عمرهم غير مستعدّين لتقديم الأعذار عن ثرائهم الفاحش الذي ينعكس في سيارات المازيراتي والفيراري، وساعات الرولكس، والأزياء الأوروبية، وعمليات تجميل الأنف التي تميّزهم. مع ذلك، وعلى خلاف الآخرين في الغرب، إنّ ثراءهم محصور على الأرجح بحدود دولة إيران، حيث تمنعهم العقوبات من تحويل الأموال إلى الخارج وحيث لا تعمل بطاقات سنتوريون، هذا إن وُجِدت في الأساس. وحتى وقت ليس ببعيد، كانت إيران اقتصادًا يقوم على النقد، لكن باتت الآن بطاقات السحب المباشر من الرصيد أكثر شيوعًا في جميع مناحي الحياة، بما ينافس حياة الشخصيات الإيرانية الأميركية في برنامج تلفزيون الواقع "شاهات الغروب" الذي يُعرَض على قناة برافو.
تُخبر هذه الصور قصّة الحياة المبهرجة لواحد في المئة من السكان الذين يعيشون في ترف في طهران، الأثرياء الجدد، في بلد تعصف به العقوبات الغربية الشديدة التي تستهدف الاقتصاد الإيراني. لكن على الرغم من الاضطراب الاقتصادي والتضخم المفرط، يبدو الثراء في ازدياد بفضل عائدات السوق السوداء والفساد. يقارن المستشار الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي هذه المجموعة من الإيرانيين بالأوليغاركية في روسيا، "رجال الأعمال النافذون هؤلاء الذين استطاعوا، سواء أكان بطريقة قانونية أم غير قانونية وفاسدة، امتلاك مبالغ خيالية من المال في نهاية الحقبة السوفياتية". كثير من تلك الثروات راكمها أشخاص يعملون في قطاع إيران المصرفي، وتكنوقراطيون، وحتّى أحيانًا رجال دين، يرتبطون جميعهم بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام. وجمع آخرون ثرواتهم عبر النفط على الرغم من العقوبات.
وكما تشرح صحيفة الغارديان، "إذا استحال بيع النفط عبر القنوات المعتادة، هناك قنوات خلفية يمكن أن يخرج عبرها: هي غير كافية لتمويل التزامات الدولة، لكنها تكفي لإبقاء المسؤولين عن هذه القنوات في قصورهم. تمكّنت النخبة، التي تربطها علاقات بذوي الشأن، من نهب ثروات الأمة عبر العقوبات والتجارة غير المشروعة المتفشّية التي زادوا من حدّتها، بالإضافة إلى سوء إدارة الاقتصاد، والتضخّم المفرط، ومخزون الأموال الذي لا يكفّ عن النمو". بطريقة أو بأخرى، يموّل الحرس الثوري الإيراني نمط حياة رجال الأعمال الإيرانيين النافذين هؤلاء، فهو يتحكّم بعمليات التهريب وحركة التجارة التي تدخل إلى البلد وتخرج منه. وإنّ كريم سدجدبور، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يشير إلى هذه المجموعة على أنها "العصابة الصغيرة من رجال الدين المتشدّدين والحراس الثوريين من الأثرياء الجدد التي تدير إيران اليوم".
والجدير بالذكر أيضًا هو أنّ تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مثل انستاغرام خاضعة للرقابة في إيران. لكن على الرغم من شعبيتها المتزايدة منذ العام 2012، وإعلان وزارة الاتصالات الإيرانية عن أمر قضائي بوقف تطبيق مشاركة الصور، لم يُطبَّق ذلك بعد.
طبعًا وكما هي الحال دائمًا في إيران، ستجد دائمًا طريقة للحصول على ما تريده. وكما يبيّنه حساب الانستاغرام هذا، لا ولن تهتمّ النخبة الشابة في إيران بالقوانين المطبّقة؛ فهم سيخرقونها ويواصلون حياتهم المليئة بالدلال والثراء ويمضون لياليهم بالحفلات.