حلب، سوريا – تقضي أسماء، وهي الطفلة التي تبلغ من العمر أحد عشر عاماً، وقتها باللّعب مع أولاد جيرانها في حيّ الشعار، الخاضع لسيطرة الثوّار في حلب، محتفلة بحلول الأضحى المبارك، لكنّها لا تدري أنّها لربّما تقع مع رفاقها في حصار في ظل تقدم قوّات النظام السريع.
وإنّ المراجيح المليئة بالأطفال وأهازيجهم التي يضجّ بها الحيّ تجعلك للوهلة الأولى تنسى أنّ حرباً مستعرة تدور رحاها منذ أربع سنوات في هذه البلاد، لولا آثار الدمار والمباني المحترقة من جراء قصف بالبراميل المتفجّرة.
وعلى أطراف مدينة حلب، وتحديداً عند مدخلها الشماليّ إلى الأحياء "المحرّرة"، يبدو المشهد مختلفاً تماماً، إذ تصل تباعاً تعزيزات الثوّار من مختلف التشكيلات إلى المنطقة، على وقع الانفجارات وأصوات المعارك، بعد الهجوم المفاجئ لقوّات النّظام وسيطرته على مناطق ذات استراتيجيّة مهمّة.
ففي الثالث من تشرين الأوّل/أكتوبر، يوم وقفة عيد الأضحى، شنّت قوّات النّظام هجوماً مباغتاً عند السابعة صباحاً على منطقة حندرات - شمال حلب، وتمكّنت من السيطرة على قرية حندرات وبلدة سيفات، والوصول إلى منطقتي باشكوي والملاح.
وبذلك، أصبحت طريق حندرات– حلب، أهمّ طريق إمداد عسكريّ للثوّار، والتي تصل ريف حلب الشماليّ بمدينة حلب مقطوعة، ولم تتبق سوى طريق الكاستلو لتصل الريف بالمدينة، وهي الأخرى لا تبعد أكثر من 2 كلم عن خطّ المواجهات، وإذا ما تمكّنت قوّات النّظام من قطعها ناريّاً أو السيطرة عليها، ستكون خطوط الإمداد إلى مدينة حلب مقطوعة تماماً، وتغدو الأحياء "المحرّرة" منها محاصرة.
من جانبها، قامت قوّات المعارضة في الخامس من تشرين الأوّل/أكتوبر بهجوم مضادّ على النقاط التي سيطرت عليها قوّات النظام، وتمكّنت بالفعل من استرجاع منطقة الملاح ومفرق باشكوي، غير أنّ قوّات النّظام لا تزال مسيطرة على قرية حندرات وبلدة سيفات، ممّا يعني أنّ الطريق لا تزال مغلقة.
عند أوّل طريق حندرات، وضع الثوّار أكواماً من الحجارة للتّحذير من أنّ المرور فيها أصبح غير ممكن ومحفوف بالمخاطر. كما لا تزال هياكل السيّارات التي استهدفت بالبراميل المتفجّرة مرمية على جانبي الطريق.
المونيتور دخلت الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر إلى خطوط المواجهات بين الثوار وقوات النظام في منطقة حندرات، كان أحد القادة الميدانيين في حركة حزم، إحدى تشكيلات الثوار، يعطي الأوامر على عناصره بالانتشار، الدهشة كانت باديةً على وجوه العناصر، إذ أنّ تقدم قوات النظام بهذا الشكل كان غير متوقعاً.
بين الصخور الكبيرة في أعلى تلّة مطلّة على قرية حندرات ينتشر المقاتلون، وقال القائد متحدثاً إلى عناصره: "يجب ألاّ يبقى أيّ عنصر للنّظام هنا". وأشار إلى ضرورة الإسراع في استرجاع المنطقة، نظراً لأهميّتها كخطّ إمداد للثوّار.
وينصّب المقاتلون قواعد صواريخ "تاو"، مستعدّين لظهور أيّ آلية عسكريّة للنّظام، وبين الحين والآخر يتفرّقون مختبئين بين الصخور، كلّما جاءت مروحيّة أو طائرة حربيّة للنّظام. وتمكّنت حركة "حزم" على مدار ثلاثة أيّام من تدمير أربع دبّابات وعطب عربة "بي أم بي"، بحسب ما أفاد المكتب الإعلامي لحركة حزم لـ "المونيتور"، ممّا ساهم في وقف تقدّم قوّات النّظام، غير أنّها حافظت على مواقعها التي سيطرت عليها في حندرات.
وتواصلت المعارك إلى يوم الإثنين 13 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تمكنّ الثوار من محاصرة جميع عناصر قوات النظام التي تسللت إلى قرية حندرات، بعد سيطرتهم على خط إمداد النظام إليها.
وقال محمد فيصل، إعلامي في حركة حزم لـ "المونيتور" إنّ "ميليشيات النظام أصبحت الآن محاصرة بشكل شبه تام في حندرات، بعد سيطرتنا على التلال المحيطة بها وقطع خط الإمداد إليها".
وحاول النّظام جاهداً التقدّم في المنطقة أكثر، مستغلاًّ وجود ميليشيّات شيعيّة أجنبيّة تقاتل بجانبه، فدفعها إلى خطوط المواجهة الأماميّة. إنّ الميليشيات تقتحم وقوّات الجيش و"كتائب البعث" تنتشر في الخطوط الخلفية.
وأضاف فيصل :" النظام يعتمد بالدرجة الأولى على العناصر الأجنبية في الاقتحام، لأنهم لا يعرفون طبيعة وخطورة المنطقة التي يقتحمونها" وتابع بالقول " في مقابل ذلك هو يغريهم بفتح طريق إلى بلدتي نبل والزهراء المواليتين له، واللتان تقعان في قلب المناطق المحررة".
وتأتي المعركة، بالتّزامن مع اشتباكات مستمرّة يخوضها الثوّار في ريف حلب الشماليّ ضدّ تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، ممّا اضطرّهم إلى سحب بعض قوّاتهم على جبهة تنظيم "الدولة الإسلاميّة" لمواجهة خطر وقوع مدينة حلب تحت حصار النّظام. وفي هذه الأثناء، حاولت قوّات المعارضة إشغال النّظام بمعارك جانبية لتخفيف الضّغط عن جبهة حندرات.
لقد اندلعت اشتباكات عنيفة حول فرع المخابرات الجويّة، تمكّنت خلالها المعارضة من السيطرة على مدرسة كانت تتّخذها قوّات النّظام كمقرّ عسكريّ بالقرب من الفرع.
وفتحت الجبهة الإسلاميّة معركة في ريف حلب الجنوبيّ، تهدف إلى تضييق الخناق على معامل الدفاع، التي تتمّ فيها صناعة البراميل المتفجّرة، والتي تعدّ مركزاً لإقلاع الطائرات المروحيّة لتقصف الأحياء والبلدات الخاضعة لسيطرة الثوّار.
وإنّ الخطر لا يزال محدقاً بآخر طريق إمداد عسكريّ للثوّار تصل الرّيف بمدينة حلب، رغم أنّها سالكة في الوقت الحاليّ. وبين معركة الثوّار أمام تنظيم "الدولة الإسلاميّة" والأسد، يبدو أنّهم سيخسرون مناطق استراتيجيّة أو قد يضطرون إلى الانسحاب منها مع تشتّت قوّاتهم على خطّ جبهة طويلة بين الطرفين.