وسّع تنظيم "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام" (داعش) نطاق نشاطه في مناطق محيط بغداد ليظهر بشكل علني في منطقة بهرز في محافظة ديالى (شرق بغداد) وفي منطقة النباعي (الشمال)، في مسعى إلى تضييق الخناق على بغداد من جهة ونقل المعركة من الفلوجة إلى مناطق جديدة من جهة أخرى.
وتشير مصادر أمنيّة لـ"المونيتور" إلى أن ناحية قره تبة في بعقوبة أضيفت أخيراً إلى لائحة المناطق التي اختارها "داعش" لتنظيم ظهور بطابع إعلامي، بعد أن كانت بلدات مثل سليمان بك والعظيم والمقداديّة في شرق بابل وشمالها (جنوب بغداد) قد شهدت ظهوراً مشابهاً.
والسؤال الذي يطرح عن أهداف "داعش" واستجابات القوى الأمنيّة العراقيّة، يرتبط بالطريقة التي ظهر فيها التنظيم في هذه البلدات والطريقة التي انسحب منها.
في بلدة بهرز، يكشف حسن محمد وهو من أهالي البلدة لـ"المونيتور"، بعض التفاصيل. فيقول "دخل المقاتلون بدفعات ابتداءً من 21 آذار/مارس الماضي.. وفي 22 من الشهر نفسه أغلقوا مداخل البلدة وسيطروا على مركز الشرطة ورفعوا عليه علمهم". لكنهم انسحبوا في اليوم نفسه لتدخل البلدة قوات أمنيّة.
الشهود من منطقة النباعي (شمال بغداد) تشير إلى السيناريو نفسه. ففي 25 من الشهر ذاته، دخل مسلحون البلدة وسيطروا عليها ومن ثم رفعوا علم تنظيم "القاعدة" وانسحبوا.
وفي محاولة للربط ما بين سلوك هؤلاء المقاتلين الذين لا يستبعد أن يكونوا متنقلين بين هذه البلدات وسلوك آخرين، فإن الأسلوب الذي سقطت من خلاله بلدة سليمان بك في منتصف شباط/فبراير الماضي مشابه جداً للأسلوب المعتمد أخيراً.
لكن ما الهدف من هذه المعارك السريعة التي لا تستمرّ في الغالب غير ساعات.. خصوصاً وأن بإمكان مقاتلي "داعش" لو أرادوا، خوض معارك أكبر والتحصّن في داخل البلدات التي دخلوها أو أخذ أهلها كرهائن؟
لماذا لم يفعلوا ذلك؟
المعلومات التي وردت من بهرز على سبيل المثال، لا تشير إلى خوض المقاتلين الذين رفعوا علم "داعش" معارك في داخل البلدة مع القوات الأمنيّة، بل يجمع الشهود على أن المقاتلين انسحبوا مع تحرّك قوات من الجيش العراقي باتجاه البلدة.
ومع هذا فإن شهوداً من بينهم الشاعر المعروف إبراهيم البهرزي، أكدوا أن مليشيات بلباس مدني دخلت إلى بهرز ومارست أعمال قتل بحق أربعين شخصاً من الأهالي، وأن من بين القتلى أقارب الشاعر شخصياً.
لاحقاً، نفى الزعيم الديني مقتدى الصدر في بيان، علاقته بما حدث في بهرز حول قيام بعض المليشيات التي يفترض أنها شاركت في اقتحام بهرز برفع صور الصدر على مساجد قبل إحراقها.
من جهتها، أصدرت كتلة "متّحدون" بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي بيان إدانة لما اعتبرته قيام مليشيات بتنفيذ أعمال قتل في بهرز وهدم منازل وحرق مساجد.
بالطبع، في خضمّ هذا الجدل، نفت القوات الأمنيّة بشكل قاطع دخول مليشيات بصحبتها إلى بهرز.
وبصرف النظر عن النفي الذي أوردته القوات الأمنيّة العراقيّة، فإن الالتباسات ذات الطابع الطائفي التي رافقت قضيّة بهرز تقدّم خدمة كبيرة لتنظيم "داعش"، أكبر بكثير من التي قد يتحصّل عليها التنظيم لو غامر بخوض حرب في داخل هذه البلدة على غرار الفلوجة.
في الواقع، إن تنظيم "داعش" لا يحاول أقلّه في هذه المرحلة إسقاط مدن والسيطرة عليها لفترات طويلة، بقدر ما يهدف إلى استدراج التباسات كالتي حدثت في بهرز لتضاف إلى قائمة شكاوى أهالي مناطق محيط بغداد من سلوك القوات الأمنيّة.
الفلوجة بيّنت حقيقة فهمها ربما "داعش" قبل أن تدركها السلطات العراقيّة. ومفاد هذه الحقيقة أن سقوط مدن كبيرة مثل الفلوجة لن يحدث من دون مشاركة سكانها وعشائرها.
من جهتها، بهرز ليست مؤهلة لخوض معركة في حسابات "داعش"، وليست مؤهلة لتتحوّل فلوجة جديدة. فالأهالي ليسوا مستعدّين بعد للتمرّد على الدولة. والحال ينطبق على المناطق الأخرى التي يتنقّل مقاتلو "القاعدة" بينها، ويغادرونها في العادة قبل وصول القوات الحكوميّة.
لكن عدم استعداد السكان لن يكون مطلقاً.. فأحداث وملابسات طائفيّة كالتي حدثت في بهرز كافية لتحويل موقف الأهالي.. وهذا في حال حدث، سيعتبره "داعش" تقدماً إستراتيجياً وربما يراه "هديّة" من المليشيات أو من "الدولة".