تتميّز معظم المدارس الدينيّة في النجف بطريقة تدريس تقليديّة تختلف عن طرق التدريس في المدارس والجامعات العاديّة، وهي لم تشهد تطوّرات جذريّة في طرق التدريس والمناهج على غرار بعض المدارس الدينيّة في إيران ولبنان. فلا توجد في حوزات النجف صفوف أو حلقات يُجبر الطالب على حضورها، وإنّما يختار الطالب بنفسه أستاذه. فهو قد يشارك غيره من الطلاب أستاذاً واحداً، أو يطلب من أستاذ تدريسه وحده أو مع مجموعة من الطلاب. وبإمكان الطالب ترك حلقة الدراسة أو الأستاذ، إذا لم يستفد من الدرس والبحث عن أستاذ آخر.
يقول الشيخ جهاد الأسدي وهو أحد علماء الدين في النجف، إن التعريف السائد للمدرسة قد لا ينطبق بشكل دقيق على المدارس الدينيّة في النجف، من حيث شروط العمر والكفاءة العقليّة والمستوى العلمي ونظام الصفوف والحضور والغياب والاختبارات الدوريّة ومنح الشهادات بعد إنهاء مرحلة معيّنة.
يضيف لـ"المونيتور" أنه "وعلى الرغم من وجود بعض المدارس التي تحمل هذه المواصفات في الحوزة النجفيّة، إلا أن النمط الدراسي الغالب لا يعتمد هذه الآليّة. فالنظام الدراسي يتمحور حول الأستاذ، بمعنى أن الطالب يكون مسؤولاً أمام أستاذه والأستاذ بدوره ينضبط في تعامله مع الطلبة الذين يحضرون دروسه من خلال جملة من الأعراف التي تحدّد مستوى المادة التي يطرحها وكيفيّة طرحها ومتابعة الطالب في حضوره وغيابه".
ولا توجد أماكن خاصة للتدريس والدرس والمباحثة (مراجعة الطلاب للدرس معاً) وإنما يجتمع الأستاذ والطالب أو الطلاب في المساجد بحسب الموعد المتّفق عليه أو في بعض غرف المدارس الدينيّة أو في سراديبها بحسب الطقس، وأحياناً في منزل المرجع أو المجتهد بالنسبة إلى طلاب بحث الخارج.
ويوضح الأسدي أن الأساتذة ينتشرون في المساجد النجفيّة، أما البنايات التي تسمى في النجف مدارس فهي في أغلبها مساكن للطلبة الوافدين من خارج النجف.
وتنقسم مراحل الدراسة الحوزويّة إلى ثلاث وهي: المقدّمات والسطوح وبحث الخارج. والمرحلة الأخيرة تتيح للطالب فهم طريقة استنباط الفتاوى الفقهيّة وأدلة المجتهد الفقيه في كل عمليّة استنباط، وبالتالي تؤهّله لمناقشة الأدلة وتأييدها أو تفنيدها ثم استخلاص الحكم الشرعي، وتجعله قادراً على الاستنباط وربما أن يصبح مجتهداً ومرجعاً دينياً يوماً ما في حال تحلّى بالعلوم والشروط المطلوبة.
ولا يوجد وقت محدّد للدراسة وإنما يتحدّد الوقت من خلال الاتفاق بين الأستاذ والطالب، فقد يكون بعد صلاة الصبح أو بعد غروب الشمس إلخ... وترتبط لغة التدريس في المرحلة الأولى أي المقدمات، بقوميّة الطالب. فالعربي يختار أُستاذاً عربياً والهندي يختار أستاذاً هندياً، وهكذا. أما في مرحلة السطوح فتكون الدراسة بالعربيّة أو الفارسيّة. وفي مرحلة الخارج تكون الدراسة غالباً باللغة العربيّة.
ولا تجري حوزات النجف امتحانات للطلاب ولا تقدّم شهادات علميّة إلاّ إذا بلغ الطالب مستوى الاجتهاد وطلب من أستاذه تزويده بشهادة يثبت للناس من خلالها وصوله إلى هذه المرحلة العالية من العلم. لكن ثمّة طرقاً أخرى لمعرفة المستوى العلمي للطلاب. فالطالب بعد إنجازه مرحلة علميّة يصبح أستاذاً لطلاب في المستوى الأدنى منه وطالباً لأستاذ في المستوى الأعلى. فمن خلال المناقشة والتدريس والتحقيق والتأليف يتحدّد للعلماء المستوى العلمي الذي يبلغه الطالب. وكثيراً ما يبلغ الطالب مرحلة الاجتهاد وتعترف باجتهاده الحوزة من دون أن يحمل شهادة من المراجع الكبار.
ويوضح الأسدي أن ثمّة امتحانات في المرحلتَين الأولى والثانية، لكن لا امتحانات في المرحلة الأخيرة. يضيف أنه بقدر ما يثبت الأستاذ قدرته على شرح المادة لطلابه وتقييمها ومقارنتها، فإن ذلك هو الذي يساهم في تحديد موقعه العلمي ومدى فرادته بين أقرانه.
وقد يطلب طالب الحوزة الذي يريد المغادرة إلى بلده بعد انتهاء دراسته، من المراجع تزويده بشهادة حسن سلوك ووكالة عنهم لاستلام الحقوق الشرعيّة وتسلّم إمامة مسجد في مدينة ما، فتقدّم المرجعيّة شهادة فيها إشارة إلى مستواه العلمي ووثاقته ووكالته من قبل المرجع.
أما عن تطوّر مناهج الحوزة العلميّة، فيقول المرجع الديني محمد إسحاق الفياض لـ"المونيتور" إن المناهج قد تطوّرت على الدوام عبر القرون. فلا يعقل أن تبقى المناهج وكتب التدريس على حالها مع تطوّر العلوم ومستجدات الحياة.
ويشرح الأسدي أن ما من جهة في النجف تقوم بوضع مناهج معيّنة وملزمة، فللطالب أن يدرس ما يشاء من العلوم. لكن ثمّة مناهج علميّة متّفق عليها، وعدم التقيّد بها سوف يؤثّر على وصول الطالب إلى المرحلة النهائيّة من دراسته أي مرحلة الاجتهاد. ويرى أن العلوم الدينيّة ليست خاضعة بطبيعتها للتطوّر السريع بل حدثت تطوّرات علميّة في مناهج الحوزة في خلال مراحل مختلفة. فهي مناهج مهمّتها إنتاج متخصّصين في المجال الفقهي قادرين على بيان الحكم الديني (الفتوى) للمسائل المستجدة في مختلف المجالات .
ويتمثّل دور المرجعيّة في الحوزة بإدارة العمليّة التعليميّة فيها والمساهمة في دعمها وتنشيطها مالياً وروحياً وكذلك من الناحية العلميّة، إذ إن المرجع هو مجتهد على قدر عالٍ من التخصّص في استنباط الحكم الشرعي. وهو بذلك يمثّل جزءاً من العمليّة التعليميّة وله تأثيره العلمي كأي شخصيّة علميّة أخرى.
لا تشترط الحوزة في النجف على الطلاب ارتداء زيّ خاص. لكن المتعارف عليه أن الطالب يلبس العمامة والجبّة الخاصتَين برجال الدين الشيعة بعد أن يقطع شوطاً من دراساته التمهيديّة كمرحلة المقدّمات وينتقل إلى مرحلة السطوح. أما من يلبس العمامة السوداء من رجال الدين فيعود نسبه من جهة أبيه إلى النبي محمد وآل بيته، بينما يرتدي العمامة البيضاء رجل الدين الذي لا ينتمي إلى النسب العلوي الهاشمي.
وثمّة ألقاب مستخدمة في الحوزة للعلماء تعبرّ عن المرحلة العلميّة التي بلغها الطالب وهي:
الفاضل، وهو من كان على وشك الانتهاء من مرحلة المقدمات. والعلاّمة، هو لقب كلّ من أنهى مرحلة السطوح. أما لقب الحجّة أو حجّة الإسلام، فيمنح لمن أنهى دورة في بحث الأصول والفقه وكان لامعاً في مرحلة بحث الخارج. ويطلق لقب آية الله على المجتهد المطلق، بينما تطلق تسمية آية الله العظمى على المجتهد المطلق الذي أعلن عن فتاويه للناس في كتاب يطلق عليه "الرسالة العمليّة" ويتبعه المقلّدون. أما المرجع فهو المجتهد المطلق الذي يقلّده بعض الناس، بينما المرجع الأعلى هو المرجع الذي يقلّده عدد كبير من الناس في العالم.
أما العطل في حوزات النجف فهي يوما الخميس والجمعة من كل أسبوع وطيلة شهر رمضان وأسبوعَين من أول شهر محرّم وأسبوعَين من آخر شهر صفر، وذلك للمشاركة في إقامة مجالس العزاء على الإمام الحسين بمناسبة عاشوراء وغيرها من المناسبات الدينيّة كمولد النبي محمد وذكرى وفاته، إلخ... وثمّة عطلة صيفيّة لمدة خمسة وأربعين يوماً.