يتسلّل الانتحاري بين صفوف الحجّاج الذين يقصدون مدينة كربلاء المقدّسة لدى الشيعة في العراق سيراً على الأقدام، ليفجّر نفسه بينهم، وذلك بالضغط على نابض تفجير الحزام الناسف وهو يطلق هتافات "الله أكبر" تتلاشى على وقع دويّ انفجارات قوية تخلّف أشلاءً متناثرة من أجساد الضحايا.
وبسبب الإجراءات الأمنيّة المشدّدة، يصبح الانتحاري في الوقت الحاضر، بديلاً لا بدّ منه عن السيارة المفخّخة لإصابة الهدف، وذلك لسهولة اختلاطه بالناس وصعوبة اكتشافه بين الحشود.
ويقول ضابط الشرطة النقيب عماد الخفاجي الذي يشرف على مفرزة أمنيّة في جنوب بغداد حيث أدّت عمليّة انتحاريّة إلى مقتل عشرات الحجاج لـ"المونيتور"، إن "التحدّي الأكبر الذي يواجه المواكب في المناسبات الدينيّة المختلفة هو الانتحاري". ويشير إلى صعوبة "التعرّف على شخصيّة المنفّذ وتفاصيل العمليات الانتحاريّة، ويتمّ الاكتفاء بمقدار ما يرويه الناجون منها وهم في الغالب تحت تأثير الترويع الذي أحدثه الانفجار".
ويعترف النقيب الخفاجي بأن "التشدّد في الإجراءات الأمنيّة الروتينيّة غير المدعومة بتقنيات الاستشعار الحديثة، لن تحول دون نفاذ المهاجمين". ويلفت إلى أن "الانتحاري [في تلك العمليّة] تمكّن من التسلل بهدوء إلى وسط الجموع عبر ممرات جانبيّة وبين الكراديس المنتشرة بالعشرات على طول الطريق الذي حصل فيه الانفجار".
ويتابع قائلاً "القريبون من الحادث يروون تفاصيل مختلفة. لكن لبّ الموضوع هو تشظّي جسد الانتحاري بعد تفجيره حزاماً ناسفاً يقتل العشرات من حوله".
ويروى حسين عبدالله الذي فقد شقيقه الأكبر في تفجير انتحاري في منطقة الدورة المختلطة طائفياً وسط حشود الحجاج، أنه كان داخل السردق حيث وقع الانفجار لكنه خرج لجلب الماء إلى شقيقه المريض، ما تسبّب في نجاته على الرغم من إصابته بجروح عميقة في الوجه والرقبة والصدر".
يضيف "كان كل شيء على ما يرام. ما من شيء كان يبعث على الشكّ في وجود انتحاري".
وبسبب الأعداد الهائلة من الحجاج المتوجّهين إلى كربلاء لا سيّما في مدن جنوب بغداد، وضعت قيادة عمليات الفرات الأوسط خططاً لمواجهة نشاط المجموعات الإرهابيّة. لكن ذلك لم يمنع تسلل الانتحاريّين إلى المواكب الدينيّة.
ويعتقد الكاتب السياسي والصحافي العراقي عبد الأمير المجر في حديث إلى "المونيتور" أن "ثقافة الانتحار التي لم تكن معروفة في العراق هي بمثابة موضة جهاديّة اجتاحت البلاد العربيّة. وقد تأثّر بعض الشباب بهذا النموذج المشوّه واستُدرِجوا تحت ضغط مشاعر مختلفة، لأنّ أي خلاف سياسي أو عقائدي مهما بلغت حدّته لا يمكن أن يبرّر قيام إنسان بتفجير نفسه وسط أناس أبرياء لمجرّد اختلافه معهم عقائدياً، ما لم يكن هذا الشخص قد تعرّض إلى غسيل دماغ".
من جهته يُرجِع الإعلامي جواد الخرسان في حديث إلى "المونيتور" تزايد أعداد الانتحاريّين إلى "غسيل دماغ، إذ يعتبر متعصّبون دينيّون العمليّة الانتحاريّة أسلوباً شرعياً للوصول إلى الهدف لأسباب اعتقاديّة، واصفين إياها بالاستشهاديّة".
وغالباً ما يتقمّص الانتحاري هيئة الحاج السائر إلى المدينة المقدّسة، فيحمل الرايات "الدينيّة" وشعارات المناسبة، ليغيب في زحمة الحجاج مفجراً نفسه بدوافع "الافتداء" والتعجيل بتسامي روحه إلى "الجنة" مع الأولياء والصالحين.
وإذا كانت السِمة العامة للتفجيرات الانتحاريّة في العراق طوال سنوات أن منفّذيها "جهاديّون" إذ تشير المقابلات التي أجريت معهم ونشرتها وسائل الإعلام إلى أنّ دوافعهم "اعتقاديّة" بحتة، فإنّ آخرين تدفعهم إلى قتل النفس والآخرين محرّكات ماديّة وجهل وبدرجة أدنى أسباب اعتقاديّة.
أما الكاتب جبار الكواز فيرجع في حديث إلى "المونيتور" أسباب العمليات الانتحاريّة إلى "التثقيف الطائفي من كلا الطرفَين المتصارعَين سياسياً وذهبياً، بالتزامن مع تعميق حالة الخذلان واليأس الذي يعيشها الشباب".