في 13 من ديسمبر الجاري مرت الذكرى العاشرة على اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين في مزرعة قرب بلدة تكريت خلال عملية باسم "الفجر الاحمر" أطلقها الجيش الاميركي.
يمكن ان نرصف معطيات لا تنتهي حول دلالات هذا الحدث وما تلاه، ويمكن ان نتحدث باسهاب عن المصير الذي نحته صدام حسين بنفسه لنفسه، وللبلد بأكمله، عندما زج به في سلسلة حروب متوالية وعابثة ومدمرة حطمت إمكاناته أحدثت نكسات نفسية واجتماعية بليغة التأثير في سكانه، كما ان بالامكان استعراض الماضي الوحشي لنظام صدام حسين والظروف المرعبة التي حكم تحت ظلها، وتحمل بذلك وزر دماء غزيرة وبريئة لملايين العراقيين.
لكن كل هذا الحديث يبدو مكروراً، بل انه يبدو دليلاً اضافياً على توقف الزمن العراقي على لحظة يوم 9 / 4/ 2003 التي مثلت سقوط نظام صدام حسين.
بعد عشرة اعوام على ذلك الحدث، من الغريب ان يستمر انقسام العراقيين حوله بالطريقة والكيفية التي تم بها في اليوم الاول، فما زال هناك من يدافع بقوة عن عصر صدام حسين ويعتقد ان ما جرى خلال السنوات التي اعقبت سقوطه دليل على صحة المنهج الديكتاتوري الذي اعتمده صدام لحكم العراق، بل ان بعض النخب المثقفة التي من المفترض ان تكون طليعية في التمسك بقيم الديمقراطية باتت تتحدث ضمنياً عن ان العراق لا يُحكم الا بطاغية او يتقسم.
الحقيقة ان ما بين المجموعات التي تحنّ لصدام حسين بناء على مصالح خاصة، والمجموعات التي تشتم مرحلة صدام حسين يومياً وبلا توقف وتطرح الحل الديكتاتوري لمعالجة تبعات حقبة النظام السابق، تشابه كبير من حيث الجوهر، وفي المساحة بين هذه الطروحات هناك غالبية ترى ان اعادة انتاج مرحلة صدام حسين امر مرفوض بالمطلق، وان الحل العراقي يكمن في تسوية تركة الماضي، لا التمجيد بها ولا اتخاذها عذراً لتدمير الحاضر والمستقبل.
تم اعتقال صدام حسين في مثل هذه الايام من العام 2003 .. وماذا بعد؟ لماذا ما زال البعض يعتقد ان عملية الاعتقال ومن ثم الاعدام كانت اهانة لطائفة اكثر منها عملية عقاب قانونية لجبال من الارتكابات التي ارتبطت باسم صدام ونظامه واركان حكمه؟
الاجابة على هذا السؤال مركبة وحساسة، فمن السهل التعميم، ولعل جوهر ازمتنا العراقية هي التعميم المفرط، لكن هناك حدود يجب تلمسها:
الاول: ان معالجة مرحلة نظام صدام حسين لم تكن بالمستوى الذي يتيح نسيانها اليوم، والمعالجة كان يجب ن تنطلق من نظام عدالة انتقالي شامل ومحدد بزمن تطوى بها ملفات ذلك النظام وتحفظ للتاريخ.
الثاني: ان التعاطي السيء مع تركة صدام حسين، كان منح بعض المتصيدين والرافضين لاي تجربة ديمقراطية فرصة تحويل الوصف من مناصرة زعيم الى مناصرة طائفة، ما فتح الصراع الطائفي، على مخاطر جسيمة، وحول صدام ضمناً الى زعيم وممثل طائفة لا زعيماً ديكتاتوريا حكم بالحديد والنار.
صدام حسين سيظل حتى بعد إعدامه يشكل عائقاً امام اي تقدم حقيقي في مسيرة العراق، ليس لانه يمتلك انصاراً بالفعل، بل لان هناك من يصر على عدم تحييده، ويلعب على مخاوف السكان من عصره، ويستثمر في العداء والكراهية التي تسبب بها. مغادرة صدام حسين تبدأ من اللحظة التي تسود قناعة عراقية شاملة بأن الرجل قد مات ودفن معه ماضيه، وتمت تسوية كل متعلقاته وآثار جرائمه وحروبه.