تتّجه الحكومة العراقيّة إلى إحياء قوات "الصحوة" العشائريّة التي أسّسها الجيش الأميركي في العام 2006. وقد اعتبرت الخطوة العراقيّة هذه محاولة لإيقاف التدهور الأمني المتواصل في العراق، عبر إعادة إنتاج نظريّة الضدّ النوعي التي ساهمت في طرد تنظيم القاعدة من معظم المناطق السنيّة في العام 2008.
ويقول مستشار الحكومة العراقيّة لشؤون المصالحة الوطنيّة عامر الخزاعي في تصريحات صحافيّة نشرت في 25 آب/أغسطس الجاري إن "الصحوة حقّقت انتصارات على القاعدة، وعلى هذا الأساس نفكّر بإعادة إحيائها، خصوصاً بعد أن بدأت تنشط عقب الاعتصامات".
يضيف أن "القوّات الجديدة ستكون أكثر تنظيماً وتتلقّى تدريباً أكبر، وبفئات عمريّة محدّدة لا تتجاوز الأربعين عاماً".
وتأتي هذه الخطوة على خلفيّة انهيار أمني متواصل وتفجيرات تضرب مدن العراق المختلفة تشير إلى استعادة تنظيم القاعدة نفوذه وحواضنه وإلى حصوله على إمكانات تخوّله تنفيذ عمليّات كبرى في أوقات متقاربة.
وكان الجيش الأميركي قد غيّر في نهاية العام 2006 استراتيجيّته في العراق لصالح كسب مجموعات مسلّحة وشيوخ عشائر إلى جانب تنظيمات مدعومة بالمال والسلاح هدفها قتال تنظيم "القاعدة" في المناطق السنيّة.
وتشير مصادر أمنيّة عراقيّة رفضت الإفصاح عن هويّتها لـ"المونيتور" إلى أن الاتصالات التي أجراها مسؤولون أمنيّون مع شيوخ عشائر الموصل لتشكيل قوات "صحوة" جديدة، لم تسفر عن نتائج ملموسة.
ويبدو لافتاً أن الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد) هي المدينة السنيّة الوحيدة حيث فشلت القوات الأميركيّة في تشكيل قوّات "صحوة" فاعلة فيها، على غرار تشكيلها قوّات في الأنبار في العام 2006 يرأسها شيخ عشائر أبو ريشة عبد الستار أبو ريشة الذي اغتيل في أيلول/سبتمبر 2007 وقد حلّ محلّه شقيقه أحمد أبو ريشة.
وكانت الحكومة العراقيّة قد دعمت في شباط/فبراير 2013 انتخاب زعيم جديد لـ"الصحوة" في الأنبارهو الشيخ وسام الحردان بديلاً عن أحمد أبو ريشة الذي دعم التظاهرات السنيّة المتواصلة منذ نحو 8 شهور في المدن السنيّة.
لكن أبو ريشة اعترض على تلك الخطوة معتبراً أنها "جاءت بإرادة حكوميّة" قد تكون أحد معايير قياس إمكانات نجاح هذه الخطوة.
وتشير المصادر العشائريّة في محافظة الأنبارلـ"المونيتور" إلى أن "صحوة" الحردان لم تتمكّن منذ قيامها من منافسة نفوذ أبو ريشة، الذي قادت عائلته تنظيمات "الصحوة" منذ تأسيسها.
والعامل الأساسي الذي يحكم تمكّن الصحوات الجديدة من السير على خطى سابقاتها، هو تمكّنها أولاً من كسب الشارع السنّي الذي يتظاهر ضدّ الحكومة العراقيّة منذ نهاية العام 2012 ويتّهمها بالتمييز ضدّه وتهميشه وتنفيذ حملات اعتقال على الهويّة.
في المقابل يتمّ الحديث في الأوساط الأمنيّة والسياسيّة العراقيّة عن عودة تنظيم القاعدة إلى استقطاب حاضنته السنيّة بعد إضعاف تنظيمات "الصحوة"، ما سهّل عليه تصعيد عملياته بشكل كبير.
ويتّهم عناصر "الصحوة" أنفسهم الحكومة بملاحقتهم، على الرغم من نجاحهم في محاصرة "القاعدة".
وكانت "الصحوة" وابتداءً من العام 2008 قد تعرّضت إلى ملاحقات حكوميّة طالت مجموعة من أبرز قادتها، بالإضافة الى استهدافها بحرب تصفية منهجيّة على يد تنظيم "القاعدة".
ويقول أبو الفوز العراقي القيادي في صحوة ديالى لـ"المونيتور" إن "الحكومة العراقيّة أهملت قوّات "الصحوة" وعرّضتها إلى ملاحقات، بعضها تمّ بوشايات كيديّة من قبل عناصر القاعدة المعتقلين في السجون". ويشدّد على أن "إحياء الصحوة يجب أن يكون منهجياً وضمن خطط استراتيجيّة وأن يتضمّن ذلك إطلاق عناصر الصحوة المعتقلين وتقديم الدعم العسكري والمالي لهم".
وكان عديد قوات "الصحوة" قد بلغ في خلال ذروتها نحو 100 ألف مقاتل تقاضى معظمهم راتباً شهرياً لا يتجاوز 300 دولار أميركي، إلا أن البرلمان العراقي رفض رصد المزيد من المخصّصات لهم في العام 2012، ما خفّض مرتّباتهم بنسبة 20 في المئة. وفي العام نفسه اشتكى "عناصر الصحوة" من وجود مخطّطات لتصفيتهم على يد عناصر "القاعدة".
ويقول أحمد سعيد من قيادات "صحوة" اليوسفيّة جنوب بغداد لـ"المونيتور" إن 16 عنصراً من "الصحوة" في مدينته هم آخر من تبقّى من بين ثلاثة آلاف عنصر تعرّض عدد كبير منهم إلى عمليات اغتيال على يد تنظيم "القاعدة"، في حين غيّر آخرون مناطق سكنهم، وقد نجح بعضهم في الحصول على وظائف حكوميّة مدنيّة.
وكانت الحكومة العراقيّة قد أطلقت مشروعاً لدمج 20 في المئة من عناصر "الصحوة" في القوى الأمنيّة والعسكريّة وتوفير وظائف مدنيّة للمتبقّين منهم، إلا أن عدم تخصيص موازنات وبروز تعقيدات أمنيّة حول مشروع "الصحوة" برمّته أجّل تطبيق المشروع.
ويمكن القول إن الحكومة العراقيّة لم تكن متحمّسة في العام 2006 لتأسيس الجيش الأميركي قوّات "الصحوة"، لكنها شعرت بتأثير التنظيم الإيجابي على الملف الأمني ابتداءً من نهاية العام 2007. فقرّر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حينها نقل المشروع من المناطق السنيّة إلى المناطق الشيعيّة التي أنشأت منذ ذلك الحين ما بات يُعرف بـ"مجالس الإسناد" لمواجهة المليشيات الشيعيّة في جنوب العراق.
لكن استعادة العلاقة بين قوات "الصحوة" في المدن السنيّة وبين الحكومة يتطلّب برأي قيادي سابق في "الصحوة" في بغداد وهو عضو سابق في مجموعة مسلّحة سنيّة رفض الكشف عن هويّته، "فهم ما جرى في العام 2006 ولماذا نجحت الصحوة".
ويقول القيادي الذي ترك "صحوة" مدينة الأعظميّة في حديث إلى "المونيتور" إنه حضر مع القيادي البارز في صحوة بغداد "أبو العبد" (كان قيادياً في تنظيم الجيش الإسلامي) معظم الاجتماعات مع الجيش الأميركي في العام 2006 لتشكيل الصحوة في منطقة العامريّة غرب المدينة ومن ثم في الأعظميّة جنوباً".
يضيف أن "تشكيل الصحوة كان بمثابة خلاص للأهالي من الرعب الذي عاشوه في ظلّ نفوذ تنظيم القاعدة، الذي بات يسيطر بشكل فاعل على مدن سنيّة عديدة ويفرض عليها نمط عيشه".ويتابع القيادي "كانت ثمّة بوادر مواجهة كبيرة بين المجموعات المسلّحة السنيّة، بسبب إصرار تنظيم القاعدة على فرض أسلوبه في إدارة العمل العسكري وإطلاق عمليات قتل ضدّ مواطنين أبرياء بتهم التعامل مع الجيش الأميركي أو الامتناع عن دعم المقاتلين.. كان الوضع يشير إلى مواجهة غير متكافئة مع القاعدة الأكثر تنظيماً وتسليحاً".
ويشير إلى أنه "بعد وساطات عشائريّة، تمّ الاتفاق مع الجيش الأميركي على تأسيس مجالس الصحوة ومهمّتها الأساسيّة محاربة القاعدة. وقد انضمّ معظم المسلحين السنّة إلى المشروع الذي نال تأييداً شعبياً حينها".
لكن القيادي يستدرك قائلاً "اليوم الظروف مختلفة. صحيح أن تنظيم القاعدة يستعيد قوّته ويمارس عمليات انتقام ضدّ السكان، إلا أن الحكومة لم تنجح في كسب الشارع السنّي إلى جانب صحوة جديدة. لذلك أتوقّع فشل المشروع خصوصاً إذا كان موجّهاً ضد التظاهرات السنيّة وليس ضدّ القاعدة".
تلك الجملة الأخيرة من تصريح المسلّح العراقي السابق، جديرة بالاهتمام. فمستشار الحكومة العراقيّة لشؤون المصالحة عامر الخزاعي يعتبر أن "تنظيم القاعدة وجد طريقة للظهور من خلال الاعتصامات (...) ولذلك قرّرنا مساندة رجال العشائر مرّة ثانية في المناطق الساخنة، في الموصل وكركوك وديالى وحزام بغداد".
ويبقى أن النقطة الجوهريّة في خطوة الحكومة العراقيّة الأخيرة، تكمن في الإثبات أن مواجهة تنظيم "القاعدة" هو هدفها الوحيد، وليس مواجهة "التظاهرات السنيّة".
فالخيار الأوّل يمكن أن يخلق مرّة أخرى إجماعاً شعبياً حول "الصحوة"، فيما الخيار الثاني يمكن أن يقود إلى المزيد من الفوضى الأمنيّة.