القاهرة — حصرت تقارير صحافيّة عدّة، من 27 إلى 29 تمّوز/يوليو من عام 2019، القوانين التي يتوجّب على مجلس النوّاب إصدارها بصفتها التشريعات المكمّلة للتعديلات الدستوريّة خلال دور انعقاده الخامس والأخير، (من أكتوبر 2019 إلى يوليو 2020)، في تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2019، وكان المجلس قد أقرّ بعضها وبدأ بمناقشة بعضها الآخر خلال دور الانعقاد الرابع (من أكتوبر 2018 إلى يوليو 2019) إلاّ أنّ جانباً من التعديلات، وهو الخاص بتعيين نائب لرئيس الجمهوريّة لم يشهد تحرّكاً منذ تاريخ العمل بالتعديلات الدستوريّة حتّى الآن.
وشهدت مصر في نيسان/إبريل من عام 2019، مشاركة ما يزيد عن 27 مليون ناخب في الاستفتاء الشعبيّ الذي دعت إليه الهيئة الوطنيّة للانتخابات للتصويت على التعديلات الدستوريّة التي أقرّها مجلس النوّاب المصريّ في الشهر نفسه بأغلبيّة تفوق الثلثين، وأيّد ما يقرب من 23.5 مليون من المشاركين تلك التعديلات في الاستفتاء.
واستحدثت التعديلات مادّة تسمح للرئيس بتعيين نائب أو أكثر له ويحدّد صلاحيّات كلّ منهم، على أن يحلّ النائب أو أحد النوّاب محلّ الرئيس، إذا حال مانع موقّت [مثل المرض أو السفر] دون مباشرة الأخير سلطاته، إضافة إلى تعديل مدّة الرئيس، واستحداث مجلس للشيوخ، وزيادة كوتة المرأة في مجلس النوّاب إلى 25 في المئة، وتعديل آليّة اختيار رؤساء الهيئات القضائيّة، واستحداث مجلس أعلى تنسيقيّ للهيئات القضائيّة لإقرار شروط الترقّي والانتداب والتعيين والتأديب للقضاة.
ودخلت التعديلات الخاصّة بمدّة الرئيس حيّز التنفيذ بمجرّد الموافقة على التعديلات في الاستفتاء، وكذلك التعديلات الخاصّة بالسلطة القضائيّة بعد إقرار مجلس النوّاب، في 11 يونيو 2019، خلال دور الانعقاد الرابع – المنقضي في 15 تمّوز/يوليو من عام 2019 - قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائيّة، وفقاً للتعديلات الدستوريّة. وكذلك، بدأ النوّاب، خلال دور الانعقاد الرابع، بمناقشة قانونيّ انتخابات مجلسيّ النوّاب والشيوخ، بينما منصب نائب رئيس الجمهوريّة ما زال شاغراً ولم تشهد الأفق السياسيّة أيّ إشارة على شغله قريباً.
وأشار الباحث في علم الاجتماع السياسيّ بالجامعة الأميركيّة في القاهرة المعارض سيف الدين المرصفاوي في تصريحات لموقع "عربي 21" المحسوب على جماعة الإخوان، في إبريل 2019، إلى أنّه لا يتوقّع أن يعيّن الرئيس عبد الفتّاح السيسي نائباً على المدى القريب لأنّ استحداث منصب النائب جاء احترازيّاً لاستخدامه في حال وقوع أزمة سياسيّة كثورة 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011 أو تعرّض حياة الرئيس لخطر ما، ليضمن انتقال السلطة إلى شخص موثوق به في دوائر صناعة القرار الحاليّة بشكل سلس.
ولفت إلى أنّ النائب على الأرجح سيكون شخصيّة ذات خلفيّة عسكريّة، إذ أنّ التاريخ المصريّ شهد تولّي 18 شخصاً منصب نائب رئيس الجمهوريّة، من بينهم 15 عسكريّاً. ويذكر أن هذا المنصب تم إلغاؤه في دستور العام 2012.
ورأى جانب آخر من الخبراء وصنّاع القرار أنّ استحداث منصب النائب جاء لأسباب عمليّة بحتة، إذ أحد أعضاء مجلس النوّاب، مفضلا عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "في حال وقوع أزمة سياسيّة وتنازل أيّ رئيس عن السلطة، لا يمكن من الناحية الدستوريّة تمرير السلطة إلى نائبه، لأنّ النص الدستوريّ يسمح للنائب بممارسة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة إذا حال مانع موقّت دون ممارسة الرئيس تلك الصلاحيّات كالسفر أو المرض، وليس المانع الدائم كالتنحّي، الذي يستوجب إجراء انتخابات عاجلة.
أضاف: "الرئيس السيسي في أوجّ شعبيّته بدليل انتخابات عام 2018، التي حصل فيها على أكثر من 21 مليون صوت، ولا يوجد أيّ مقدّمات عن أزمة سياسيّة ضدّه ليتمّ استحداث منصب النائب تحسّباً لها. وإنّ استحداث المنصب كان منطقيّاً وضروريّاً أثناء صياغة التعديلات الدستوريّة بسبب تكاثر الأعباء على كاهل الرئيس واحتمال احتياجه إلى من يعاونه في بعض الملفّات".
وعن أسباب التأخّر في تعيين النائب، أشار إلى أنّ تعيينه ليس إجباريّاً، فهو حقّ مستحدث للرئيس لاستخدامه إذا احتاج إليه، ولكن في الآن ذاته لا يعني عدم استخدام الرئيس له أنّ إحدى موادّ الدستور معطّلة وغير معمول بها، مؤكّداً أنّ مجلس النوّاب غير مختص بالبحث في قضيّة تعيين نائب لأنّ ذلك النائب يستمدّ صلاحيّاته من الرئيس مباشرة لا من خلال منح النوّاب الثقة له.
واتّفق معه في الرأي أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة أسيوط عبد الخبير عطا، إذ قال لـ"المونيتور": في حال وقوع أزمة سياسيّة، لا يمكن تمرير السلطة بسلاسة، كما يدّعي بعض المعارضين للتعديلات الدستوريّة والمشكّكين في نواياها لأنّ المواطن ليس ساذجاً لقبول نائب لرئيس وقعت ضدّه أزمة، كما حدث في شباط/فبراير من عام 2011، عندما رفض العديد من المواطنين تفويض الرئيس الأسبق محمّد حسني مبارك السلطة لنائبه اللواء عمر سليمان في أعقاب مظاهرات 25 كانون الثاني/يناير، رغم ما كان للأخير من شعبيّة.
أضاف: إنّ استحداث منصب نائب رئيس الجمهوريّة كان ضروريّاً، نتيجة الخطوات الواسعة التي تخطوها مصر في مجالات التنمية الاقتصاديّة والمشاريع التنمويّة والنهوض بالبنية التحتيّة ومكافحة الإرهاب والفساد لأنّ الرئيس سيكون قادراً على تفويض نائبه في الإشراف على بعض تلك المشاريع أو الإجراءات أو في حضور بعض اللقاءات والمناسبات.
ولفت إلى أنّ التأخّر في تعيين النائب حتّى الآن، ربّما يكون بسبب استمرار دراسة الرئاسة أولويّاتها وأيّ الملفات أحقّ بإشراف الرئيس مباشرة وأيّها أحق بإشرافه عن طريق نائبه أو نوّابه وبسبب طول التحرّيات التي تجريها الجهات الرقابيّة عن المرشّحين إلى المنصب لضمان نزاهتهم.
كما توقّع أن يشغل منصب النائب واحداً أو أكثر من المسؤولين الحاليّين أو السابقين الذين أثبتوا كفاءة في أحد المجالات السابقة بغض النظر عن أيّ تصنيفات: مدنيّ أو ذو خلفيّة عسكريّة، مسلم أو مسيحيّ، رجل أو امرأة... إلخ.
والجدير بالذكر أنّ تقارير صحافيّة عدّة توقّعت أسماء بعض المرشّحين إلى منصب نائب الرئيس من المسؤولين الذين حقّقوا نجاحاً ملحوظاً في المجالات السابقة، وعلى رأسهم وزير الدفاع السابق صدقي صبحي، رئيس أركان القوّات المسلّحة السابق محمود حجازي، وزير الدفاع الحاليّ محمّد زكي، مدير المخابرات الحاليّ عبّاس كامل، وزيرة الاستثمار الحاليّة سحر نصر، محافظ البنك المركزيّ الحاليّ طارق عامر، ووزير النقل والمواصلات الحاليّ والرئيس السابق للهيئة الهندسيّة للقوّات المسلّحة كامل الوزير.
وكان السيسي بدأ بالفعل بإيفاد بعض المسؤولين إلى بعض الزيارات بالنيابة عنه، كان آخرها إيفاد مساعد رئيس الجمهوريّة لشؤون الحوكمة والرئيس السابق لهيئة الرقابة الإداريّة محمّد عرفان، في 27 تمّوز/يوليو، إلى تونس لتقديم واجب العزاء بالرئيس التونسيّ الراحل الباجي قائد السبسي.