مدينة غزة، قطاع غزة: تحاول الحكومة الفلسطينية الحالية تحقيق إنجاز اقتصادي غير مسبوق في عهدها، من خلال مراهنتها على قدرتها في الخلاص من الشيكل الإسرائيلي، إذ أكد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، في 9 تموز/يوليو، خلال افتتاحه "مركز فلسطين للاستجابة لطوارئ الحاسوب"، برام الله،إن حكومته بصدد استخدام عملة رقمية ومشفرة، لتجاوز العراقيل الإسرائيلية، موضحاً أن الحكومة ستعمل على أن تكون من رواد كل شيء لا تتمكن إسرائيل من عرقلته، مجدداً بذلك تعهده السابق الذي كان قد تعهد به عقب توليه رئاسة الوزارء في نيسان/أبريل الماضي بالبحث عن عملات بديلة للشيكل الإسرائيليّ للتعامل بها في الأراضي الفلسطينيّة، وأكد حينها في مقابلة على تلفيزيون فلسطين عقب توليه منصبه أنه يوجد في الاقتصاد الفلسطيني حوالي 25 مليار شيكل أي ما يقارب 7 مليارات دولار، يتمّ تدويرها في الاقتصاد المحلّيّ، ، وكان من بين تلك الخيارات التي طرحها للخلاص من الشيكل هي عملة مشفّرة أو عملة إلكترونيّة.
وأثارت هذه التصريحات مدى جدوى هذه الخطوة من الناحية الاقتصادية، وقدرة الحكومة الفلسطينية على تحقيق هذه النقلة النوعية في مجال انهاء التبعية الإقتصادية لإسرائيل. ووفق اتفاقية باريس الاقتصادية عام 1994 بين إسرائيل وامنظمة النحرير الفلسطينية أوكلت مهام البنك المركزي لسلطة النقد الفلسطينية، لكن من دون القدرة على إصدار عملات ورقية، واوصت الاتفاقية باستخدام الشيكل الإسرائيلي الشيكل الإسرائيلي كعملة رسمية، إضافة إلى عملات أخرى مثل الدينار الأردني، والدولار الأمريكي وكوسيلة للدفع لكل الأغراض بما فيها الصفقات المالية الرسمية.
من جانبه، استبعد المحاضر في كليّة الاقتصاد والعلوم الإجتماعية بجامعة "النّجاح" الوطنيّة" في نابلس بكر اشتيه لـ"المونيتور" أن تكون لهذه الخطوة جدوى من الناحية الاقتصادية والتخلص من التبعية الإسرائيلية، شارحاً أنه لو كان لدى فلسطين عملة خاصة فهل ستقوى على منع احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، أو السيطرة على المعابر حركة الصادرات والوارادت، أو عقد اتفاقيات تجارية مباشرة مع دول مجاورة دون الإضطرار إلى أن تمر البضائع بالموانىء التجارية الإسرائيلية ، موضحاً أن مشكلة الاقتصاد الفلسطيني ليس العملة بالمقام الأول، بل مشاكل ارتباط اقتصادي وسياسي معقد مع إسرائيل.
وبين أن إصدار عملة رقمية مشفرة في الوقت الحالي هو مجرد رمز سيادي، ونوعٌ من التحدي السياسي لسياسات إسرائيل، مشككاً في قدرتها على تحقيق أي مكسب اقتصادي.
وأوضح أن مشكلة فائض الشيكل الإسرائيلي في السوق الفلسطيني لن تحلها العملة الرقمية، إذ يوجد 170 ألف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل ويتقاضون رواتبهم بعملة الشيكل الإسرائيلي، و 80 في المئة من تبادلات فلسطين التجارية بنظامي الصادرات والواردات مع إسرائيل، وهي بالتأكيد لن تقبل إلا بالتعامل مع عملة الشيكل، بالتالي الفائض لن يزول.
وأكد أن على السلطة أن تضع قبل إصدار العملة عدة اعتبارات متعلقة في قدرتها على الحفاظ على استقرار وقيمة العملة، فضلاً عن استطاعتها كسب ثقة المواطن الفلسطيني بالعملة، منوهاً إلى أن التوتر السياسي مع الجانب الإسرائيلي سيؤثر مباشرة على قيمة العملة بالتالي انخفاض قيمتها، ما يصعب من إمكانية كسب ثقة المتعاملين مع العملة.
وتابع:" هل تقوى السلطة على صد الهجمات والقرصنة الإلكترونية التي قد تشنها إسرائيل ضد العملة الرقمية الفلسطينية، خاصة وإن إسرائيل تعد من أوائل الدول المتطورة في مجال البرمجيات؟"
وقال:" فلسطين بحاجة إلى قاعدة اقتصادية قادرة على احتضان هذه العملة من خلال تعزيز الإنتاج بكافة أشكاله، خاصة وإن فلسطين دولة مستهلكة، والإنتاج هو ما يعزز من قيمة العملة".
ودعا إلى تأجيل هذه الخطوة، إلى حين وصل فلسطين إلى مرحلة النضوج الاقتصادي، وتقليل التبادلات التجارية مع إسرائيل واستبدالها بعلاقات تجارية خاصة مع دول الجوار. وقال :" يجب عدم التسرع في اتخاذ قرار قد تندم عليه الحكومة لاحقاً".
من ناحيته، أكد أستاذ الاقتصاد والباحث في مركز التخطيط الفلسطيني مازن العجلة لـ"المونيتور" أن فلسطين غير مهيئة اقتصاديأ وسياسياً وأمنياً مع إسرائيل، حتى يتم اصدار عملة فلسطينية قابلة للتدوال بين الفلسطينيين أنفسهم، فكيف بالقدرة على الإقناع على الأطراف الخارجية بالتدوال والتعامل مع هذه العملة.
وقال:" من الناحية النظرية إصدار العملة ممكناً ولكن من الناحية الواقعية فهناك الكثير من الصعوبات، ويجب قبل إصدارها توفير بيئة اقتصادية مساندة لها".
ولفت إلى أن تصريح اشتية يأتي في سياق لفت نظر السلطات الإسرائيلية إلى وجود بدائل قد يمكن تلجأ إليها السلطة الفلسطينية، شارحاً أن العملة تحتاج إلى وقت لكي تنال الثقة المواطن، إذ على السلطة بذل مجهود كبير، فضلاً على التوعية الإلكترونية في استخدامها، موضحاً إن إسرائيل لا يمكنها القبول بهذا الخطوة وستعمل على تعطيلها، لأن كل تعاملات السلطة الفلسطينية معها، والإنفصال عنها سيضرها بشكل كبير.
وبين أن فائض الشيكل الإسرائيلي هو ناتج مشكلة الارتباط اقتصادياً وسياسياً مع إسرائيل، مؤكداً أن الحل يمكن من خلال ممارسة السلطة الفلسطينية أوراق ضغط على إسرائيل، لإجبارها على تعديل سياساتها الاقتصادية معها، وقد تكون تلك الأوارق في وقف التنسيق الأمني أو وإلغاء اتفاقية أوسلو التي ترعى العلاقة السياسية والأمنية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أو المقاومة الشعبية، خاصة وأن إسرائيل ليست معنية بإشعال الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.
من ناحيته، أكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الأمريكية في جنين نور الدين أبو الرُب لـ"المونيتور" على الرغم من صعوبة إصدار عملة فلسطينية إلا أنه خيار مطروح أمام السلطة الفلسطينية لكي تخرج من أزمتها المالية التي جعلتها في حصار مالي، مستدركاً أن عليها كسب ثقة الشعب في الحكومة والحفاظ على استقرار العملة وتوفير حماية لقيمتها. قال :" هذا صعب جداً إذ لا تمتلك الحكومة حالياً أي عملة صعبة تقوي من خلالها العملة الرقمية".
وشرح أن هناك جدوى من التوجه نحو إصدار عملة رقمية مشفرة إذ سيخسر البنك المركزي الإسرائيلي العائد على قيمة العملة الإسرائيلية "الشيكل" المتداولة في حالياً في الأراضي الفلسطينية ، لأن المستفيد الرئيسي منه هو مبيناً أنه في ظل إمكانيات الحكومة الحالية من الصعب جداً التحرر من التبعية الإسرائيلية، فهي التي تتحكم في كافة المنافذ الاقتصادية.
ولم يستعبد أن تصريحات الحكومة تأتي لنيل مكاسب سياسية من إسرائيل، منوهاً إلى أن السلطات الإسرائيلية قادرة على التحليل حول إمكانية الحكومة إصدار عملة أم لا، معتقداً أن على الحكومة إذ طرحت شيء أن يُطبق لكي تعزز ثقة المواطن فيها مستقبلاً.