رام الله – الضفّة الغربيّة: بدأت مسيرة آمنة بعجور كفنانة فسيفساء منذ سبع سنوات ، عندما رفضت ابنتها كنان الربيعي، وهي فنانة تشكيلية حاصلة على درجة الدكتوراه في التربية الفنية، مساعدتها. واليوم تعرض بعجور (67 عاماً) أعمالها وأعمال ابنتها جنباً إلى جنب في المعارض.
بدأت رحلة بعجور في صناعة لوحات الفسيفساء صدفة، عندما رافقت ابنتها الربيعي من غزّة إلى جمهوريّة مصر العربيّة لاستكمال دراستها الأكاديميّة العليا في الفنون في جامعة حلوان. كما أقامت معرض ثنائي مع ابنتها في القاهرة 2013 ومعرض طائر الفينيق في فلسطين عام 2016 وكلاهما يحب استخدام الرموز الفلسطينية - الخيول والعيون أو أغصان الزيتون في عملهما.
منذ نعومة أظافرها في مخيّم البدّاوي، تبدع بعجور في مجال الأشغال اليدويّة كالتطريز والخياطة وقصّ الشعر فهي لاجئة فلسطينيّة رأت النور في مدينة طرابلس اللبنانيّة في عام 1952، بعد 4 سنوات فقط من تهجير عائلتها من مدينة يافا في عام 1948، حيث عاشت بعجور منذ طفولتها في مخيّم للّاجئين الفلسطينيّين حيث كانت الكتب والألعاب نادرة. وفي عام 1970، حين كان عمرها 18 عاماً، تزوّجت وغادرت المخيّم إلى قرية شبعا في جنوب لبنان مع زوجها، وأنجبت منه 4 فتيات. ثمّ عادت من تونس إلى قطاع غزّة بعد عام 1994 بعد نشوء السلطة الفلسطينيّة.
وشاركت بعجور في معارض فنّيّة متنوّعة مع الاتّحاد العام للمرأة الفلسطينيّة في لبنان، لتمتهن في العقد السابع من عمرها صناعة لوحات فنّيّة باستخدام الفسيفساء.
وبحكم متطلّبات دراستها الأكاديميّة، كانت الربيعي تضطرّ إلى إنتاج لوحات الفسيفساء في المنزل، ممّا كان يثير فضول والدتها ورغبتها في مساعدتها وتعلّم هذا الفنّ، لكنّ الربيعي كانت ترفض مشاركة والدتها لها في تنفيذ لوحاتها، ممّا دفع والدتها إلى التجريب في شكل شخصيّ.
وتقول كنان الربيعي (ابنة بعجور) لـ"المونيتور": "أثناء دراستي الجامعيّة، رأتني والدتي وأنا أعمل على صناعة لوحات من الفسيسفاء، وعرضت عليّ المساعدة آنذاك في قصّ الحجارة لكنّني رفضت ذلك، لكنّها أصرّت وتعلّمت لوحدها عن طريق النظر إليّ ومراقبتي، وبعدما أنهيت لوحتي، بدأت هي في عمل لوحاتها الخاصّة، وأظنّ أنّ لوحاتها أفضل وأجمل بكثير من عملي في الفسيفساء".
ويعدّ فنّ الفسيفساء من الفنون الصعبة التي تحتاج إلى جهد وصبر، خصوصاً لامرأة قاربت عامها السبعين، إذ تقول الربيعي: "لوحة الفسيفساء تحتاج إلى مجهود فكريّ، في كيفيّة توزيع الألوان والعناصر، وإلى تفكير عميق في اختيار المواضيع وكيفيّة ترجمتها في اللوحة، خصوصاً أنّ الأحجار لا تحتوي على الكثير من الدرجات اللونيّة، ويحتاج تكييفها إلى مجهود عضليّ وانتباه بسبب ما يسبّبه الحجر من جروح عند تكسيره".
وأضافت: "الكثير من الفنّانين يتوجّهون إلى نوع أسهل من الفنون، كاستخدام القماش، واستخدام الألوان وقلم الرصاص، أمّا استخدام السيراميك والحجر فهو صعب جدّاً".
تقول بعجور لـ"المونيتور": "لم أكتف بتعلّم صناعة الفسيفساء، بل بدأت أقرأ وأتابع معها وأحضر ندوات ومعارض ثقافيّة وفنّيّة في مصر، وحين كانت صديقاتها يأتين لزيارتها في المنزل ويتحدّثن عن الفنّ، كنت أستمع إليهنّ وأثقّف نفسي، ولم أكن أتردّد في سؤال ابنتي وأنا أعمل عن كلّ ما يعترضني، وهي كانت تساعدني في كيفيّة الرسم في البداية، وفي وضع اللمسات الأخيرة على لوحات الفسيفساء".
وتعكس بعجور فلسطين بتكويناتها وجمالها ورموزها كافّة في لوحاتها الفسيفسائيّة، كما تقول بعجور، لتتنوّع أعمالها بين الألم والأمل، فصنعت لوحة المسجد الأقصى التي تعدّ الأحبّ إليها، كما تقول، ولوحة الخيول وهي أولى لوحاتها التي قامت بصناعتها، ولوحة شجرة الحياة التي تعدّ أكثر اللوحات التي استغرقت منها وقتاً وجهداً ولوحة العشاء الأخير.
وكنان الربيعي شاركت في العديد من المعارض الجماعية في مصر والمغرب والاردن والعراق والامارات وفلسطين، كما أقامت معرضين خاصين : "أحلام كزهرة الحنون" في ساقية عبد المنعم الصاوي قاعة الارض ومعرض "عودة الطيور المهاجرة" في منتدى الفنانين الصغار في رام الله بفلسطين، وقد حصلت على العديد من شهادات التقدير والميداليات والدروع.
وتواجه بعجور كغيرها من الفنّانين الحرفيّين بعض العقبات في مهنتها، تتمثّل في عدم توافر مواد ذات جودة عالية في رام الله لصناعة لوحات الموزاييك، فالعثور على هذه المواد في الضفة مهمة ليست سهلة، لذلك تحرص على جلبها بكميات كبيرة في كل مرة تسافر فيها الى مصر، إضافة إلى ثقل اللوحات وصعوبة حملها والتنقّل بها من مكان إلى آخر، وقلّة الإقبال على شراء هذا النوع من اللوحات، وغياب الاهتمام الرسميّ والمؤسّساتي بذلك.
وعلى الرغم من هذه المعيقات، إلّا أنّ بعجور تمكّنت من المشاركة في 30 معرضاً فنّيّاً في مصر وفلسطين خلال سنواتها الماضية، للاطّلاع على تجارب الآخرين وتمثيل فلسطين محلّيّاً وعربيّاً ودوليّاً، حصدت خلالها عدداً من الجوائز، أهمّها معرض صالون الربيع في ساقية عبد المنعم الصاوي في مصر في عام 2010، ومعرض طائر الفينيق الذي نظم عام 2016 ، بمشاركة ابنتها الفنّانة التشكيليّة الدكتور كنان الربيعي في محافظة رام الله في وسط الضفّة الغربيّة، والمعرض الجماعيّ أرواح مشبعة لفنّاني المؤسّسة الدوليّة للفنون والثقافة في مصر، ومعرض القدس آلام وآمال لملتقى القدس الأوّل للفنون التشكيليّة.