القاهرة — عقدت شعبة إلحاق العمالة بالخارج، لدى الغرفة التجارية بالقاهرة اجتماعا حضره المونيتور الأحد 3 مارس، لمناقشة نتائج لجنة شكلتها منذ ديسمبر الماضي، لبحث عن مخرج للأزمة التي تواجه قطاع إلحاق العمالة في الخارج وكذلك أسوق عمالة بديلة للخليج العربي الذي يشهد أوضاع واقتصادية صعبة، مع تبنيه سياسات توطين العديد من الوظائف.
في مكتبه الذي يتوسّط المقرّ الرئيسيّ لشركة العويضة لإلحاق العمالة بالخارج، في وسط القاهرة، يتلقّى مدير التوظيف في الشركة أحمد الراعي، عشرات المكالمات يوميّاً، من الشباب الباحثين عن عمل في دول الخليج العربيّ، يسجّل بيانات المتّصلين، لكنّه يخبرهم آسفاً عدم وجود تأشيرات للعمل حاليّاً، واعداً إيّاهم بالاتّصال بهم في حال حصول الشركة على تأشيرات جديدة.
منذ عام 2017، انخفض عدد الشباب الذين نجحت الشركة في توفير أعمال لهم في الخليج، لا سيّما في السعوديّة، بنسبة تفوق الـ70%. فقط 600 عامل، مقارنة بأكثر من 2150 عاملاً في 2014، وفرت أعمال لهم في الخليج في عام 2018، من خلال 4 مقرّات لها تتوزّع في محافظات مختلفة، بينهم مقرها الوحيد في القاهرة، يقول الراعي لـ "ألمونيتور".
تعتمد شركة العويضة العاملة منذ عام 1998، إرسال مهندسين وعمّال بناء إلى العمل في قطاع الإنشاءات في السعوديّة على وجه الخصوص، لكن مع سياسات الحكومة السعوديّة بخفض الإنفاق والدعم المقدّم إلى قطاع البناء جرّاء انخفاض أسعار النفط في عام 2014، تدهور القطاع بشكل كبير، الأمر الذي تسبّب في فقدان الشركة الجزء الأكبر من خدماتها التوظيفية، بحسب الراعي.
شركة العويضة هي إحدى مئات الشركات العاملة في هذا المجال في مصر، وقد شهدت مبيعاتها انخفاضاً كبيراً خلال العامين الآخيرين. فهذه الشركات التي تعتمد على دول الخليج، كسوق للعمالة التي توفّرها، باتت تبحث عن أسواق جديدة للخروج من هذه الأزمة الكبرى التي تعيشها، متأثرة بالآثار الناجمة عن الحرب في جنوب السعودية وانخفاض أسعار النفط على الخليج العربيّ إضافة إلى السياسات التي تتبناها بعض الدول بتوطين الكثير من الوظائف.
"طلب الدول الخليجيّة للعمالة المصريّة انخفض بنسبة تصل إلى 80% منذ عام 2017"، هذا ما يؤكّده رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج في الغرفة التجاريّة للقاهرة حمدي إمام لـ"المونيتور"، موضحاً أنّ حوالى 200 شركة، من أصل 1200 شركة مسجّلة رسميّاً كشركات إلحاق عمالة لدى وزارة القوى العاملة، اضطرّت إلى غلق أبوابها منذ عام 2015 نتيجة الأوضاع المتدهورة التي تمرّ بها السعوديّة، جراء الحرب في اليمن وانخفاض أسعار النفط، وكذلك الدول الخليجيّة. والسعودية أكبر مستقبل للعمالة المصريّة بـ 2.9 مليون عامل – بحسب آخر تقرير لمركز التعبئة والإحصاء المصري المنشور في سبتمبر 2017. وأظهرت بيانات سعودية أن 1.6 مليون عامل أجنبي غادرو المملكة منذ بداية 2017 وحتى نهاية 2018.
خلال اجتماع الأحد، 3 مارس، قدمت اللجنة التي يرأسها عبد الرحيم المرسي، نائب رئيس الشعبة، عدة مقترحات للخروج من هذه الأزمة الحالية، أولها الاستفادة من تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي، بالتوجه على وجه الخصوص إلى الدول الإفريقية لاسيما نيجيريا وجنوب إفريقيا والنيجر وغانا. وطالبت اللجنة ببدء التنسيق مع الملحق التجاري في كل سفارة مصرية في الدول الإفريقية لمعرفة القطاعات التي يمكن استهدافها بالعمالة المصرية. كما أعلنت اللجنة أنها ستطلق مبادرة "مصر في إفريقيا" في 31 مارس الجاري، خلال مؤتمر للشعبة لفتح أسواق جديدة للعمالة المصرية.
كما اقترحت اللجنة التنسيق مع الأجهزة الأمنية المصرية للسماح بإرسال عمالة مجددا إلى ليبيا ، لاسيما بعد طلب وفد ليبي من بنغازي خلال زيارة إلى مقر الغرفة في 8 يناير الماضي، إشراك عمالة مصرية في إعمار المدينة.
واقترح عبد الرحيم المرسي أيضا توفير دورات تدريبية تستمر لمدة 3 شهور عبر مراكز التدريب التابعة لوزارة القوى العاملة، للعمالة المصرية التي يمكن ارسالها إلى الدول الإفريقية.
ومن جانبه، أوضح خالد مصطفى، أمين عام الشعبة أن شركات إلحاق العمالة يمكنها إرسال مشرفين يتحدثون بلغة الدول المضيفة برفقة العمالة المصرية، لتسهيل تواصلهم مع أصحاب العمل في المشروعات التي سيعملون عليها. كما شدد مصطفى على ضرورة محاربة شركات التوظيف الوهمية، من خلال حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الراغبين في السفر.
في 16 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، عقدت شعبة إلحاق العمالة بالخارج، اجتماعاً موسّعاً في الغرفة التجاريّة بالقاهرة، ضمّ مدراء غالبيّة شركات إلحاق العمالة، من أجل الخروج بحلول للركود الكبير الذي يواجه هذا القطاع. واتّفق المشاركون على تشكيل لجنة تبحث إمكان فتح أسواق جديدة في دول خارج الخليج، بمساعدة وزارة القوى العاملة في مصر.
من أزمة النفط إلى توطين المهن
بحسب أخر تقرير لمركز التعبئة والإحصاء – نشر في سبتمبر 2017، يبلغ عدد المصريين الذين يعملون ويعيشون في الخارج، 9.5 مليون مواطن، أغلبهم في السعودية، ثم الأردن والإمارات العربية والكويت وقطر، ويشكّلون مصدراً أساسيّاً للعملة الصعبة لمصر. ووفقاً للبنك المركزيّ في أغسطس 2018، بلغت تحويلات العاملين في الخارج 26.5 مليارات دولار، خلال العام الماليّ 2017-2018.
خلال مؤتمر ديسمبر الماضي، ناقش المشاركون الأسباب التي قادت إلى أزمة في طلب العمالة المصريّة، وعلى رأسها تكثيف "سعودة" العديد من القطاعات، منذ عام 2016، كوسيلة من الرياض للحدّ من نسبة البطالة لديها التي سجلت 12.1%.
من بين القطاعات التي استهدفتها سياسة السعودة في 2016، يبرز قطاعات الصيدليات وبيع وصيانة الهواتف، ونشاط الشاحنات الصغيرة والمتوسطة.
وفي 7 كانون الثاني/يناير الجاري، بدأت السلطات السعوديّة تطبيق مرحلة جديد من قرار "سعودة" العمل في 12 نشاط، وقصرها على السعوديّين، ومنها العمل في محلّات السيّارات والدرّاجات الناريّة والملابس الجاهزة والآثاث والأجهزة الكهربائيّة والإلكترونيّة والأجهزة والمعدّات الطبّيّة ومحلّات مواد الإعمار والبناء ومحلّات قطع غيار السيّارات ومحلّات السجّاد والحلويات.
وعلى غرار السعوديّة، أطلقت الكويت منذ حزيران/يونيو 2017، برنامجاً على مدار 5 سنوات، يهدف إلى "تكويت الوظائف" من أجل إنعاش العمالة المحلّيّة على حساب الوافدين. وفي 26 آب/أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة إلغاء 3140 وظيفة (تشمل 44572 موظف) لغير الكويتيّين في الجهات الحكوميّة، خلال العام الأوّل من تطبيق هذا البرنامج. ويحتل المصريون المرتبة الثانية كأكبر جالية تعمل في الكويت، بعدد 610 ألف، بحسب مصادر أمنية لموقع "الأنباء" الكويتي في أبريل 2018. ليس هناك إحصاء لعدد المصريين الذين يعملون في وكالات حكومية في الكويت. ولا توجد إحصاءات للقطاعات التي يعمل بها المصريون في الخارج، لكن وزارة الهجرة أعلنت أنها بصدد إعداد قاعدة بيانات للعمالة المصرية خارج البلاد.
لكن بالنسبة إلى رئيس شركة الشعراوي لإلحاق العمالة بالخارج، عبد المنعم الشعراوي، فإن انخفاض أسعار النفط وما ترتّب عليه من تدهور قطاع العقارات السعوديّ، إضافة إلى الحرب في جنوب السعوديّة واليمن، أثر على وفرة تأشيرات العمل التي تحصل عليها الشركة في السعودية، السوق الأهم للشركة.
يوضح الشعراوي لـ"المونيتور" أنّ تأشيرات العمل المعروضة أمام شركته في السعودية لا تضمّ سوى عمال منازل وسائقين، وبعض التخصّصات الطبّيّة، واصفاً عام 2018 بالعام الأسوأ لشركته منذ تأسيسها في عام 1984، إذ بلغ عدد العمّال الذين وظّفتهم شركته في دول الخليج 40 شخصاً فقط، مقارنة بـ250 عاملاً في عام 2014، لاسيما في السعودية والكويت.
وجرّاء هذه العوامل، يقدّر إمام عدد العمّال المصريّين الذين عادوا إلى مصر من السعودية على وجه الخصوص خلال عام 2018، بأكثر من 250 ألف عامل، متوقّعاً أن يعود عدد مماثل خلال عام 2019.
غير أنّ فتح أسواق جديدة أمام العمالة المصريّة بالنسبة للمدير التنفيذيّ لشركة الرحمة لإلحاق العمالة أحمد عبده، ليس حلّاً مثمراً في المدى القصير، مؤكّداً لـ"المونيتور" أنّه ستكون هناك العديد من المشاكل التي تواجه هذا المقترح، وعلى رأسها، اختلاف اللغة، وافتقار الأيدي العاملة المصريّة للمهارة التي تناسب هذه الأسواق، وعدم وجود تنسيق عمليّ بين الشركات في هذه الدول وشركات إلحاق العمالة في مصر، وكذلك عدم ثقة العمالة المصريّة بالعروض المقدّمة لهذه الأسواق، منوّهاً بأنّ شركته عرضت في بداية العام الماضي تأشيرات عمل في ماليزيا، لكنّها لم تلق تجاوباً من المصريين الباحثين عن وظائف.