أعلنت الحكومة المصريّة في 19 شباط/فبراير أنّ مصر ستكون جاهزة لتوصيل الكهرباء إلى السودان ، عن طريق محطة محولات توشكي نهاية آذار/مارس بحدّ أقصى 40 ميجاواتاً، وذلك خلال اجتماع رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي مع وزير الكهرباء والطاقة المتجدّدة الدكتور محمّد شاكر ووزير التموين والتجارة الداخليّة الدكتور علي مصيلحي لمتابعة إجراءات الربط الكهربائيّ مع السودان.
وأوضح محمّد شاكر في حديث إلى برنامج تلفزيونيّ بقناة DMC في 27 يناير ، أنّ مصر ستتحوّل إلى محور ربط لنقل وتبادل الطاقة بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، لافتاً إلى أنّ هناك ربطاً مع الأردن بقدرات تصل إلى 450 ميجاواتاً، ومع ليبيا بقدرات تصل إلى 200 ميجاوات، مشيراً إلى أنّ مصر في طريقها إلى التوسّع في تصدير الكهرباء بقدرات كبيرة، لكنّ الأمر يحتاج إلى وقت، وقال: إنّ هناك دراسة جدوى كبيرة للربط الكهربائيّ مع قبرص، ثمّ اليونان وأوروبا، لتبادل ما يقرب من 3000 ميجاوات، وبيع القدرات الفائضة إلى الدول المحيطة.
من جهتها، أكّدت رئيسة الشركة المصريّة لنقل الكهرباء المهندسة صباح مشالي الانتهاء من إقامة وبناء وربط امتداد محطّة محوّلات توشكى الفرعيّة في أقصى جنوب البلاد، بالتعاون مع شركة "سيمنس" الألمانيّة، في إطار مشاريع الربط الكهربائيّ مع السودان، لتنفيذ خطّ الربط الهوائيّ المزدوج الدائرة "توشكى2- وادي حلفا" جهد 220 كيلوفولتاً.
وتقع محطّة محوّلات توشكى المقامة بنظام تسليم المفتاح، بالقرب من الحدود المصريّة – السودانيّة، على بعد 1000 كلم تقريباً من القاهرة، وستلعب المحطة التى سيبدأ عملها مع نهاية شهر مارس الجاري دوراً استراتيجيّاً في مشروع الربط الكهربائيّ المنتظر بين مصر والسودان، والذي يتمّ عن طريق ربط شبكة الكهرباء في كلا البلدين معاً من مدينة توشكى المصريّة إلى مدينة دنقلة السودانيّة، اعتماداً على خطّ لنقل الكهرباء يمتدّ على مسافة 170 كيلومتراً تمثّل طول خطّ الربط الكهربائيّ.
أضافت صباح مشالي في حديث لـ"المونيتور": أنّ الجهد الكهربائيّ للمحطّة يبلغ 220/66 فولتاً، وهي تعمل بنظام العزل بالهواء أو "AIS"، وبتكلفة استثماريّة للتوسّعات بلغت حوالى 23 مليوناً و550 ألف جنيه مصريّ.
وعن احتياطيّ الكهرباء في مصر، قالت مشالي: "لدينا خطوط ربط كهربائيّ بين مصر والأردن، ومصر وليبيا. وهناك اتفاقيّات لتبادل الطاقة. كما لدينا احتياطيّ يكفي مصر فى الفترة الحاليّة والمستقبليّة، ولا مانع لدى مصر من تلبية حاجات دول الجوار من الكهرباء، وفق الاتفاقيّات التي تجمع مصر بهذه الدول".
وكانت مصر والسودان وقعتا اتفاق فى إبريل 2018 يقضي بأن يبدأ الربط الكهربائي بين السودان ومصر بـ300 ميغاواط كمرحلة أولى. وتم التوقيع على محضر اجتماع التعاون بين البلدين في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة بمقر شركة كهرباء السودان القابضة.
تمتلك مصر الآن بعد الانتهاء من إضافة 14400 ميجاوات من محطّات "سيمنس" الثلاث العملاقة، والتى تقع في بني سويف والبرلس والعاصمة الجديدة، قرابة الـ52 ألف ميجاوات، حسب إحصائيّات صادرة عن شاكر، في حين أنّ أقصى حمل لمصر في الصيف الماضي سجّل متوسّط 30 ألف ميجاوات. وبالتّالي، لدى مصر فائض من الكهرباء لا يقلّ عن 20 ألف ميجاوات، بفائض يقدّر بـ35 في المئة على أقلّ التقدير من قدرتها الإنتاجيّة المتاحة.
وطبقاً للاتفاقيّة، فإنّ "سيمنس" تولّت مسؤوليّة التصميم والتصنيع وتسليم كلّ المكوّنات الأساسيّة إلى المحطّة، مع إضافة خليّتين للمحطّة وتركيب المحوّلات الكهربائيّة وإدارة الموقع، والقيام بالاختبارات اللاّزمة والتشغيل التجريبيّ للمحطّة المقامة بنظام تسليم المفتاح.
وعن المقابل التي ستحصل عليه مصر مقابل قيمة الربط الكهربائيّ، أوضح المتحدّث باسم مجلس الوزراء نادر سعد في بيان أنّه من الممكن الحصول على سلع ومحاصيل مقابل قيمة الربط الكهربائيّ، مثل "اللحوم وفول الصويا وعباد الشمس".
وتتّجه مصر للاعتماد على المحاصيل الغذائيّة والبروتين الحيوانيّ القادم من السودان، في إطار اتّفاقات التكامل الموقّعة أخيراً بين البلدين، حيث تعتبر العلاقات المصريّة - السودانيّة قويّة في المجال الزراعيّ، نظراً إلى الثروات التي يمتلكها السودان، والخبرات والقدرات التي تمتلكها مصر.
وأوضح عضو المجلس المصريّ للشؤون الخارجيّة وأحد المستثمرين المصريّين في السودان الدكتور شريف الخريبي خلال تصريح لـ"المونيتور" أنّ التبادل العينيّ يعتبر ميزة أيضاً للجانب المصريّ لتوفير الدولار، معتبراً السودان سلّة الغذاء للمنطقة، في ظلّ توافر 150 مليون فدّان صالحة للزراعة، في مقابل انحسار الرقعة الزراعيّة في مصر بسبب التغيّرات المناخيّة وازدياد أعداد السكّان. ومع تفاوت أوقات الذروة في كلا البلدين الشقيقين، سيساعد مشروع الربط الكهربائيّ على تعزيز إمكانيّات التبادل الكهربائيّ ودعم القدرات الكهربائيّة والتنمية الاقتصاديّة في كلّ من مصر والسودان.
ويحتجّ السودانيّون، بسبب تفاقم الوضع الاقتصاديّ والغلاء. وبدأ رئيس الوزراء السوداني معزّ موسى برنامجاً في محاولات للإصلاح الاقتصاديّ يعتمد على حزمة من السياسات التقشفيّة، تتضمّن خفض المصاريف الحكوميّة عموماً وإلغاء بنود الإنفاق غير الضروريّة وتجميد ميزانيّات المؤسّسات القوميّة عند مستوى صرفها الفعليّ لعام 2018.
وأكّد الباحث في الشؤون الإفريقيّة بكلية الأقتصاد والعلوم السياسية، الدكتور عادل نبهان أنّ الربط الكهربائيّ بين مصر والسودان فكرة ليست وليدة اليوم، وإنّما تمّ الاتفاق عليها منذ سنوات عدّة بين الحكومتين المصريّة والسودانيّة المتعاقبتين، لكنّها لم تدخل حيّز التنفيذ، إلاّ مع قدوم حكومة الدكتور مصطفى مدبولي.
وفي حديث لـ"المونيتور"، قال عادل نبهان: إنّ تصدير مصر الكهرباء إلى السودان خطوة في غاية الأهميّة، لأنّها ستحصل على بعض السلع المهمّة التي تستوردها بالعملة الصعبة من السودان ودول أخرى، في ظلّ وجود اكتفاء ذاتيّ لمصر من الكهرباء".
أضاف: "الحصول على سلع أفضل لمصر، في ظلّ وجود تخوّف من عدم قدرة السودان على سداد قيمة تصدير الكهرباء بالعملة الصعبة، نظراً لحالة عدم الاستقرار والأزمة الاقتصاديّة الطاحنة التي يمرّ بها في الفترة الأخيرة".
وبدوره، قال الرئيس التنفيذيّ لشركة "سيمنس مصر" المهندس عماد غالي: إنّنا نفخر باستمرار شراكتنا المثمرة مع وزارة الكهرباء والطاقة المصريّة والشركة المصريّة للنقل الكهربائيّ، وبمساهمتنا في هذا المشروع الاستراتيجيّ الذي يعدّ تجسيداً واقعيّاً لخطط مصر الطموحة في مجال تدفّق الطاقة الكهربائيّة عبر الحدود مع دولة الجوار، وهو ما يساعد على خلق المزيد من الفرص وإقامة مشاريع تنمويّة لصالح مواطني الدولتين.
وأكّد عماد غالي أنّ الشركة تعمل على قدم وساق، ونجحت في الانتهاء من الأعمال خلال زمن قياسيّ لم يتخط الثلاثة أشهر، وقال في حديث لـ"المونيتور": إنّ مشروع الربط الكهربائيّ بين مصر والسودان يمثّل فرصة فريدة من نوعها لإطلاق الإمكانيّات الهائلة لقطاع الطاقة الإفريقيّ".