مدينة غزّة، قطاع غزّة – كشف القياديّ في حركة حماس محمود الزهّار في 11 كانون الثاني/يناير الجاري، عن قيام مصر بإنشاء معبر تجاريّ مع قطاع غزّة، مشيراً خلال تصريحات تلفزيونية لقناة الجزيرة مباشر القطرية إلى أنّه في حال بدء التبادل التجاريّ مع مصر، لن تكون هناك حاجة للتبادل التجاريّ بين قطاع غزّة وإسرائيل. فيما ذكرت وكالة الصحافة الفلسطينية "صفا" في 5 يناير الجاري، أن المعبر الجديد يقع إلى جانب معبر رفح.
جاءت تصريحات الزهّار بعد يوم واحد من عقد أيمن عابد وكيل وزارة الاقتصاد في غزّة والتي يديرها موظفو حماس، اجتماعات مع رؤساء بعض الشركات التجاريّة في غزّة لتنظيم العلاقة التجاريّة بين قطاع غزّة ومصر، وكانت من ضمن تلك الشركات شركة "مالتي تريد" والمتخصصة في تجارة مواد البناء، وذلك وفقاً لوكالة الرأي الحكوميّة.
وأوضح عابد في تصريحات إلى "المونيتور" أنّ هدف تلك اللقاءات هو مناقشة الاحتياجات الأساسيّة لقطاع غزّة، بما فيها مواد البناء، من جمهوريّة مصر العربيّة، مشيراً إلى أنّ حجم البضائع التي تمّ استيرادها من مصر خلال عام 2018، بلغت 10 ملايين دولار تقريباً.
وأوضح أنّ وزارة الاقتصاد في غزّة مستعدّة لتوسيع حجم التبادل بين قطاع غزّة ومصر، متمنّياً أن يقوم الجانب المصريّ بعمليّة تطوير للمعابر بين قطاع غزّة ومصر، بما في ذلك تدشين معبر تجاريّ جديد بين البلدين لزيادة التبادل التجاريّ وتسهيله.
وكانت وفود من وزارة الاقتصاد في قطاع غزّة التقت بالعديد من شركات القطاع الخاص المصريّ ورجال الأعمال في حزيران/يونيو وآب/أغسطس 2018، ووقّعت معها اتّفاقيّات تجاريّة بهدف توريد السلع التي يحتاجها قطاع غزّة، وكانت في مقدّمة تلك السلع غاز الطهي ومواد البناء والأدوية التي توردها حصراً إلى قطاع غزّة شركات فلسطينيّة عدّة عبر إسرائيل.
وفي إطار كسر حالة الاحتكار الذي تقوم به بعض الشركات الفلسطينية لتوريد بعض السلع الاستهلاكية ولتشجيع المنتج الوطنيّ، قرّرت وزارة الاقتصاد في غزّة في 14 كانون الثاني/يناير الجاري، إعفاء كلّ المواد الخام المستوردة من مصر أو إسرائيل، والتي تستخدم في الصناعة المحلّيّة وتحديداً الصناعات الكيميائيّة من كلّ الرسوم الجمركيّة.
وبدأت مصر توريد السلع الاستهلاكيّة إلى قطاع غزّة منذ شباط/فبراير 2018، عبر بوّابة صلاح الدين الحدوديّة والتي تقع إلى الجنوب من بوّابة معبر رفح، ويتواجد عليها موظّفون من الأجهزة الأمنيّة التابعة إلى حركة حماس، وذلك في إطار الجهود المصريّة للتخفيف من الحصار الإسرائيليّ المفروض على قطاع غزّة.
إلّا أنّ إدخال تلك السلع إلى قطاع غزّة أغضب السلطة الفلسطينيّة، نتيجة عدم تمكّن حكومة التوافق من جباية الضرائب على السلع التي تمرّ عبر تلك البوّابة، جراء عدم تواجد موظّفي الحكومة عليها، إضافة إلى اعتبار السلطة الفلسطينيّة تلك الخطوة تعاوناً مصريّاً مع حركة حماس من خلف ظهرها.
أكّد مدير عامّ التسويق والمعابر الفلسطينيّة في وزارة الزراعة بقطاع غزّة تحسين السقا لـ"المونيتور" أنّ السلع الاستهلاكيّة التي يتمّ استيرادها من مصر هي سلع لا تتوافر في السوق الفلسطينيّة، منوّهاً بأنّ لجان اقتصاديّة من الجانبين الفلسطينيّ والمصريّ أعدّت منذ بداية عام 2018، قوائم بالسلع التي سيتمّ تبادلها بين الجانبين، إلّا أنّ الأمر اقتصر على الاستيراد من مصر إلى قطاع غزّة فقط حتّى اللحظة.
من جانبه، قال المدير التنفيذيّ لشركة "مالتي تريد" خالد الحصري في حديث إلى "المونيتور": "هناك تواصل مستمرّ بين شركتنا ووزارة الاقتصاد الفلسطينيّة بهدف توفير ما يحتاجه قطاع غزّة من مواد وسلع استهلاكيّة، وأهمّها مواد البناء".
وأشار إلى أنّ تركيزهم في توريد مواد البناء، وتحديداً الحديد والإسمنت، يعود إلى حاجة قطاع غزّة إلى تلك المواد لاستكمال عمليّة إعادة الإعمار المتواصلة منذ انتهاء الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة في عام 2014.
وتطمح مصر من تطوير علاقتها التجاريّة مع قطاع غزّة إلى الاستفادة الاقتصاديّة من المشاريع الإغاثية والتنموية التي يجري التجهيز لتنفيذها في غزّة عبر الأمم المتّحدة، بمشاركة عدد من الدول العربيّة والأوروبّيّة، بهدف التخفيف من الأوضاع الإنسانيّة والاقتصاديّة الصعبة في قطاع غزّة.
واضطرّ الفلسطينيّون في قطاع غزّة إلى استيراد السلع من جمهوريّة مصر العربيّة جرّاء استمرار الحصار الإسرائيليّ على قطاع غزّة منذ 12 عاماً، ومنع إسرائيل الكثير من السلع والمواد الخام التي تعتبرها ذات استخدام مزدوج (تستخدم لأغراض مدنيّة وعسكريّة) من دخول غزّة، ناهيك عن الضرائب الباهظة التي تفرضها السلطة الفلسطينيّة وإسرائيل على السلع المورّدة إلى القطاع عبر معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر التجاريّ الوحيد لقطاع غزّة مع إسرائيل.
وغزت السلع المصريّة أسواق قطاع غزّة وأحدثت حالة من الانتعاش الاقتصاديّ خلال الأعوام 2011 و2012 و2013، حيث كانت تلك السلع تهرّب عبر الأنفاق الأرضيّة الرابطة بين مصر وقطاع غزّة، إلّا أنّ تهريب تلك البضائع توقّف بعد قيام الجيش المصريّ بحملة أمنيّة لإغلاق تلك الأنفاق في عام 2014.
قال مدير العلاقات العامّة والإعلام في غرفة صناعة وتجارة غزّة ماهر الطبّاع في حديث إلى "المونيتور": "إنّ حجم التبادل التجاريّ بين جمهوريّة مصر العربيّة والسلطة الفلسطينيّة (الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة) لا يتجاوز الـ70 مليون دولار سنويّاً"، منوّهاً بأنّ ذلك المبلغ لا يرقى إلى حجم العلاقات التاريخيّة بين الفلسطينيّين ومصر التي لها حدود مشتركة مع قطاع غزّة.
وبيّن أنّ القطاع الخاصّ الفلسطينيّ مع إحلال المنتجات العربيّة في الأسواق الفلسطينيّة بدلاً من المنتجات الإسرائيليّة، مطالباً الجهات الحكوميّة في غزّة بتسهيل إجراءات دخول التجّار ورجال الأعمال وخروجهم من وإلى مصر عبر معبر رفح البرّيّ لرفع حجم التبادل التجاريّ بين البلدين.
من جانبه، ذكر رئيس تحرير صحيفة الاقتصاديّة في غزّة محمّد أبو جياب في حديث إلى "المونيتور" أنّ حجم استيراد البضائع المصريّة تضاعف في شكل ملحوظ في الربع الأخير من عام 2018، وذلك جرّاء المباحثات التي أجرتها وزارة الاقتصاد في غزّة مع شركات تجاريّة مصريّة.
وأوضح أنّ زيادة حجم التبادل التجاريّ بين مصر وقطاع غزّة يرتبط بالحالة السياسيّة بين مصر وحركة حماس من جانب، وبين مصر والسلطة الفلسطينيّة من جانب آخر، حيث أنّ السلطة الفلسطينيّة تعارض أيّ خطوات تجاريّة مصريّة لقطاع غزّة لا تمرّ عبرها.
السلطة الفلسطينية لا تمتلك إلا الطلب من القاهرة وقف توريد تلك البضائع لقطاع غزة من خلف ظهرها، إلا أن ذلك الطلب لم يجد أي استجابة مصرية في ظل قرار الأخيرة تخفيف الحصار عن قطاع غزة.
يبدو أنّ مصر قرّرت الاستمرار في توريد السلع الاستهلاكيّة إلى قطاع غزّة، بل وزيادة حجمها في ظلّ الحديث عن تدشين معبر تجاريّ بين مصر وقطاع غزّة، وفي ظلّ توتّر العلاقة بين السلطة الفلسطينيّة ومصر وتقارب الأخيرة في علاقاتها مع حركة حماس.