أعلن مجلس الوزراء المصري في 16 نوفمبر الجاري تشكيل اللجنة العليا لحقوق الانسان لـ: "إدارة آلية التعامل مع ملف حقوق الإنسان، والرد، على وجه الخصوص، على الإدعاءات المثارة ضد مصر بشأن حقوق الإنسان"، بحسب بيان المجلس.
تتشكل اللجنة الجديدة التي ستبدأ عملها في يناير المقبل، من ممثلين عن وزارات الدفاع والتضامن الاجتماعي والعدل وشئون مجلس النواب والداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والهيئة العامة للاستعلامات والنيابة العامة، على أن ترأس وزارة الخارجية هذه اللجنة. ووفقا للبيان، فإن اللجنة يمكنها الاستعانة بمن تراه (حقوقيون أو منظمات حقوقية) من ذوي الخبرة في مجال حقوق الإنسان.
غير أن تشكيل هذه اللجنة يكشف عن حقيقة: مصر تريد استخدام هيئة تحت مسمى حقوقي للرد على انتقادات المنظمات الحقوقية المستقلة في مصر والدولية التي تتهم السلطات بارتكاب انتهاكات في هذا الملف.
يوضح عضو لجنة حقوق الانسان في البرلمان، النائب محمد الغول لـ "ألمونيتور" أن اللجنة الجديدة سوف تقوم بالرد على "التقارير المشبوهة للجهات الرسمية أو غير الرسمية التي تحمل انتقادات لمصر"، مشيرا إلى أنه سيكون لها دورا تنفيذيا بملاحقة هذه الجهات المشبوهة أمام الأمم المتحدة.
لجنة حقوقية للدفاع عن انتهاكات الدولة
إلا أن بالنسبة للحقوقيين المستقلين في مصر، فهذه اللجنة بمثابة واجهة للتغطية على الانتهاكات التي ترتكبها مصر في مجال حقوق الانسان لاسيما التعذيب داخل السجون وظاهرة الاختفاء القسري. بين هؤلاء، جمال عيد، مدير مؤسسة "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان" الذي يوضح لـ "ألمونيتور": "يبدو من الأهداف المعلنة لتشكيل هذه اللجنة هو السعي لتحسين صورة البلاد والرد على تقارير المؤسسات المهنية والستقلة التي تنتقد سجل مصر في الملف الحقوقي، دون أن يكون هدفها هو وقف المخالفات والانتهاكات الموجودة بالفعل".
رغم أن هذه اللجنة تثير خيبة حقوقين مستقلين في مصر، إلا أن "حقوقين آخرين" يرون عكس ذلك، فهي "خطوة جديدة لمواجهة أجندات مؤسسات رافضة لوجود الدولة المصرية"، مثلما تقول داليا زيادة مديرة "المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة".
تتابع زيادة في حديث لـ "ألمونيتور":" هذه اللجنة سوف تواجه حملات التشويه التي تقودها منظمات ذات أجندات، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها". وعن سؤالها بشأن هل ستقبل المشاركة في هذه اللجنة، أعربت زيادة عن استعدادها للمشاركة في هذه اللجنة لإعداد تقارير ضد "المنظمات الرافضة للدولة المصرية"، حسب وصفها.
منظمات حقوقية.. بدعم حكومي
في 6 سبتمبر 2017، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا بشأن التعذيب داخل السجون في مصر، والأساليب "المنهجية" المستخدمة من قبل قوات الأمن المصرية ضد المعارضين السياسيين داخل المعتقلات. أثار هذا التقرير غضب واسعا السلطات المصرية، وطرفا آخر غير متوقع، وهو كثير من منظمات محلية تحمل لقب "منظمات حقوق انسان تعتبر نفسها مستقلة"، بينها المركز الذي تديره داليا زيادة. هذه المنظمات تصدرت خطوط الهجوم الأولى على هيومن رايتس ووتش بعد تقريرها.
ردا على هذا التقرير، أطلق المركز الذي تديره داليا زيادة، حملة تحت عنوان "راقب هيومن رايتس ووتش" لانتقاد هذه المنظمة بسبب تقريرها، متهمة أياها بالحصول على تمويل قطري لانتقاد الدولة المصرية.
توضح زيادة لـ "ألمونيتور" أنها أعدت تقريرا ضد الخروقات التي ارتكبتها "هيومن رايتس ووتش" للقانون الدولي والمصري في تقريرها بشأن التعذيب في السجون، وسلمته إلى الأمم المتحدة، مؤكدة أنها زارت العديد من السجون المصرية ولمست حسن المعاملة. تضيف زيادة:" نحن في حرب أمام منظمات مثل هيومن رايتس ووتش التي تنفذ أجندات خارجية".
في 22 مايو 2018، نشرت "هيومن رايتس ووتش" خطابا وجهته إلى رئيس الفيفا، طالبت فيه المنظمة الكروية باستخدام نفوذها للتصدي للحملة المناهضة للمثليين التي تهدد سلامة اللاعبين والمشاهدين المنتظرين في بطولة الأمم الإفريقية لأقل من 23 عاما لعام 2019، التي ستسضيفها مصر. وردا على هذا الخطاب، اتهمت داليا زيادة "هيومن رايتس ووتش" بشن حملة لمنع مصر من استضافة البطولة. تتابع زيادة:" أنها نفس المنظمة التي تدافع بدم بارد عن المنظمات الإرهابية التي تمزق جسد الشرق الأوسط"، متهمة أياها مجددا بتلقي اموال من دول مثل تركيا وقطر.
تكشف مواقف داليا زيادة، التي تحمل صفة "حقوقية" مدى تماهيها مع السلطات المصرية والتحدث بلسانها، ففي حوار على قناة "الحياة" في أكتوبر 2014، طالبت بإعدام "من يتم ضبطه خارج عن القانون وكل من يسعى لهدم الدولة المصرية".
بالنسبة لجمال عيد، فإن مركز داليا زيادة هو واحد من عشرات المراكز تحت المسمى "الحقوقي" المتنامية بعد 3 يوليو 2013، والتي تتبنى وتدعم موقف الدولة المصرية، وتعمل كسلاح لإنكار أي انتهاكات تقوم بها مصر في الملف الحقوقي، وكذلك للتصدي لأي منظمات تنتقد حقوق الانسان في مصر.
"أنظر إلى منظمات الجونجز (وتعني منظمات غير حكومية مدعومة من الحكومة GONGos) كما نسميها، يصل عددها إلى أكثر من مائة، بينما المنظمات المستقلة تراجع عددها من إلى حوالي 10 منظمات منذ 2014 بسبب التضييقات الأمنية والقانونية في مصر الآن".
تشكل منظمات "الجونجز" كنزا للعديد من وسائل الإعلام الموالية للدولة في حربها ضد المعارضين والمؤسسات الحقوقية المستقلة، وذلك لإضفاء الغطاء الحقوقي على ممارسات أجهزة الأمن المصرية.
ومن بين هذه المنظمات يبرز "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الانسان"، ورئيسه سعيد عبد الحافظ الذي يستبسل في الدفاع عن ممارسات الشرطة في مصر. وفي تصريحات في يوليو الماضي، انتقد عبد الحافظ المنظمات الداعية لإلغاء عقوبة الإعدام في مصر.
كما تبرز في هذه القائمة منظمات مثل مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، ورئيسها أيمن عقيل،- الذي لا يتوانى عن الرد على أي انتقادات حقوقية لمصر.
وهناك أيضا منظمة الاتحاد المصري لحقوق الانسان، التي طالبت في مايو 2015 السلطات المصرية بتقديم المتهمين في جرائم الإرهاب إلى محاكم عسكرية، بالإضافة إلى "المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أكدت دفاعها عن السلطات المصرية ضد انتقادات المنظمات الحقوقية الدولية، خلال مشاركتها في مجلس حقوق الانسان الدولي في جنيف.
كما يتصدر هذه المنظمات أيضا "تحالف منظمات المجتمع المدني" الذي يضم 229 منظمة مصرية، والذي يشارك في الكثير من اجتماعات مجلس حقوق الانسان الدولي، للدفاع عن السلطات المصرية وتشويه الأطراف المناوئة.
إلى جانب هذه المنظمات، فهناك المجلس القومي لحقوق الانسان، التابع للدولة، والتي يراه حقوقيون مستقلون وبينهم عيد، أنه أداة لتجميل صورة الدولة. يوضح عيد:" توقفنا عن التعامل معه لما رأيناه من توجهاته التي تجمل سياسات السلطات".
يشرح محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، أحد المؤسسات الحقوقية المستقلة لـ "ألمونيتور" أن هذه المنظمات تتعمد تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية، بينما تتجه للتشويه واتهام بالعمالة أي منظمة مستقلة تتجرأ في الحديث عنها.
وأحصت مؤسسة لطفي أكثر من 378 حالة اختفاء قسري في مصر في الفترة بين أغسطس 2016 إلى أغسطس 2017، في حين تشير منظمات آخرى إلى وصول حالات الاختفاء القسري في مصر في الفترة بين 2013 وحتى أغسطس 2018 إلى أكثر من 6400 حالة.
غير أن داليا زيادة تصر في تصريحات لموقع "الوطن" المصري، على أنه لا يوجد في مصر عمليات اختفاء قسري، وأن مروجو هذه الأرقام يستهدفون "تحجيم النجاحات التي تحققها البلاد".