تفاقمت الأزمة الإنسانيّة في شمال شبه جزيرة سيناء المصريّة، في ظلّ استمرار الحصار المحكم الذي فرضته قوّات الجيش والأمن المصريّ، منذ انطلاق العمليّة العسكريّة "سيناء 2018" في 9 شباط/فبراير الماضي.
وقال الأهالي المحليّون في سيناء لـ"المونيتور" إنّ قوّات الجيش بدأت الحصار بإغلاق الطرق والمعابر المائيّة الواصلة بين محافظة شمال سيناء والمحافظات المصريّة الأخرى، وتمنع تنقّلات المواطنين وعبور الموادّ الغذائيّة والأدوية والوقود. ويتأثّر بإجراءات الحصار ما يزيد عن 250 ألف مواطن مجموع سكّان 3 مدن، وهي: الشيخ زويد، رفح، والعريش العاصمة.
وفي مدينة العريش، يمكن رصد خلوّ المحال التجاريّة من البضائع. أمّا الصيدليّات فما زال لديها بعض بقايا الأدوية. كما أنّ حركة السيّارات محدودة، نتيجة ندرة توافر الوقود. ويلاحظ انتشار مكثّف للارتكازات العسكريّة في الطرق، فوجوه المارّة شاحبة، وتقلّصت المحادثات في ما بينهم إلى كيفيّة توفير الموادّ الغذائيّة.
وقال الكاشف، ،هو اسم مستعار، وهو صاحب أحد المحال التجاريّة في العريش لـ"المونيتور": "مع إغلاق الطرق ومنع مرور البضائع، أصبحت منافذ البيع تابعة للجيش ومجلس المدينة وأصحاب المحسوبيّات، ويتمّ بيع البضائع بشكل غير منتظم وبأسعار مضاعفة وبكميّات قليلة لا تكفي المواطنين".
ورغم إصابة العريش بالشلل، إلاّ أنّها تبقى بحال أفضل من مدينتيّ الشيخ زويد ورفح الحدوديّتين، ففي الشيخ زويد الواقعة شرق العريش بنحو 35 كيلومتراً، تشتدّ الأزمة بشكل بالغ السوء. أمّا جارتها رفح فهي الأكثر سوءاً، إذ تمنع المواصلات بشكل تامّ. وبحسب السكّان المحليّين، فإنّ قوّات الجيش تطلق النيران على أيّ سيارة متحرّكة. وعوضاً عن ذلك، يستخدم المواطنون "البغال والكارو" في التنقّل. ولقد وصلت تعريفة الركوب 30 ضعفاً عن أسعار المواصلات الاعتياديّة قبل الحصار.
أمّ عطيّة الأرميلات، هي امرأة من رفح على مشارف الستّين من عمرها، تسير يوميّاً مسافة 10 كيلومترات في الاتّجاه الواحد للبحث عن بعض الخبز لأبنائها وأحفادها، فهي لا تملك المال لركوب الكارو، كما قالت.
ولفتت في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "الرجال لا يستطيعون الذهاب للبحث عن الطعام لأنّهم معرّضون للاعتقال في حال خرجوا من المنازل، وأصبحت مسؤوليّة النساء البحث عنه"، وقالت: "أحفادي لم يأكلوا الطعام منذ 3 أيّام. وعلى مدار شهر، كلّ ما أكلوه هو بعض الخبز المنقوع في مشروب نبات البابونج أو الخبّيزة (أعشاب تنبت بعد سقوط الأمطار في سيناء)، ولا أستطيع توفير لبن وبيض لهم".
من جهتها، قالت سلميّة، وهي سيّدة أخرى من رفح في الثلاثينيّات من عمرها، لـ"المونيتور": "أيّ شخص في سيناء يعرف أنّ رفح والشيخ زويد كانتا سلّة الفاكهة والخضار والخير للجميع، لكنّ الجيش جرف كلّ المزارع. كانت لدينا مزرعة مثل الجنّة فيها الجوّافة والبرتقال والزيتون والتفّاح والطماطم والخيار والبطّيخ والشمّام وكلّ أنواع الخضار. وكان لدينا فائض من الحيوانات المنتجة للألبان واللحوم. واليوم، لا نجد حتّى رغيف عيش من أجل إطعام أطفالنا".
أضافت: "لم يكتفوا بتجريف أراضينا وهدم منازلنا، بل بتجويعنا ومنعنا من الطعام".
طلبت سلميّة، أن يصل صوتها إلى الأمم المتّحدة، قائلة: "إلى الأمم المتّحدة، أغيثونا... زوجة إبني الحامل مريضة من الجوع. وإذا لم تتحرّكوا لرؤية وضعنا، فنحن سنكون ضحايا صمتكم، إحنا ضدّ الإرهاب، لكن نريد قانوناً يحمينا ويفرّق بيننا وبين الإرهاب".
بدورها، قالت ابتسام، وهي مواطنة من الشيخ زويد لـ"المونيتور": "نقف ساعات يوميّاً في طوابير طويلة على أمل أن تأتي سيّارات الخدمة الوطنيّة التابعة للجيش لشراء بعض الطعام. وعند حضور الجنود غير المنتظم، يعاملوننا بشكل سيّىء جدّاً. وفي حال اندلعت فوضى في الطوابير بسبب اقتراب انتهاء الموادّ الغذائيّة، من دون حصول المواطنين على بعضها، يبدأ الجنود بالتعدّي علينا بالضرب والسب بأفظع الشتائم والألقاب. في بعض الأحيان يقومون بإطلاق النار في الهواء فوق رؤوسنا".
وقال عودة، وهو أحد مواطني مدينة رفح في حديث لـ"المونيتور": إنّ طفلين قتلا برصاص الجيش الثلثاء في 20 آذار/مارس الجاري، عند محاولته فضّ تجمهر فوضويّ لمئات من المدنيّين، قدموا للحصول على الدقيق الذي كان يوزّع بإشرافه في منطقة الماسورة برفح".
وبحسب عودة، فإنّ الطفلين هما محمّد العوابدة 11 سنة وعبد الله عامر 9 سنوات، ورفضت الجهات الطبيّة والأمنيّة التعليق على الحادث، فيما أكّدته صفحات محليّة في سيناء على شبكة التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك".
وأشار أحد الصحافيّين المحليّين، رفض الإفصاح عن اسمه، خوفاً من الملاحقة الأمنيّة في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ الوضع في شمال سيناء كارثيّ، فالحصار والإجراءات التعسفيّة تفقد الأهالي، وخصوصاً الشباب، مصادر دخلهم"، وقال: "إذا كانت الخطّة العسكريّة لمحاربة الإرهاب متمثّلة في حرق الأمل والتضييق على الناس والاعتقالات والحصار ونشر البطالة والعزلة الإعلاميّة، فكلّ ذلك يؤدّي إلى تدهور الوضع وانتشار الكره والحقد والعزلة عن مصر، فهذه الإجراءات تصب في صالح الإرهاب وتصنع مفرخة لهم".
من جهته، قال الباحث بقسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" عمرو مجدي في حديث لـ"المونيتور": "يبدو من أدلّة أوليّة أنّ الجيش المصريّ يحاصر شمال سيناء حصاراً محكماً أدّى إلى شلل الحياة المدنيّة بشكل شبه كامل، خصوصاً في الشرق في ما تبقّى من رفح والشيخ زويد، وبدرجة أقلّ في العريش. وتشير الأدلّة الأوليّة إلى أزمة غذاء حقيقيّة، بسبب منع البضائع والوقود وحركة التجارة الطبيعيّة. على الجيش أن يوفّر فوراً الطعام بشكل كاف ولائق للسكّان وأن يسمح لمؤسّسات الإغاثة المصريّة والدوليّة بتقديم يدّ العون إلى السكّان لتقليل الضرر الواقع على المدنيّين إلى أقلّ درجة ممكنة".
أضاف: "في حال استمرار هذا الحصار بهذه الطريقة، فيعني أنّ الجيش لا يعبأ بالمدنيّين ويعاقب سكّان سيناء جماعيّاً خلال العمليّات العسكريّة ضدّ المسلّحين".
ورأى عمرو مجدي أنّ الجيش يستغلّ التعتيم الإعلاميّ شبه الكامل ومنع نقل الواقع في سيناء للتغطية على الانتهاكات بحقّ المدنيّين، وقال: "هذا الحصار يجب ألاّ يستمرّ، ولا ينبغي أن يكون الدافع لوقف الانتهاكات الخوف من كشفها، وإنّما الحرص على حياة المدنيّين وأمنهم".