القاهرة — مدّد الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي حالة الطوارئ في البلاد في 14 نيسان/أبريل الجاري، لتكون بذلك المرّة الرابعة التي تمدّد فيها على التوالي، وهو ما أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسيّة والقانونيّة، حول الأسباب الأمنيّة التي تستدعي فرضها، وجدلاً موازياً عمّا إذا كان القرار مخالفاً للدستور أم التفافاً عليه.
وعلى الرغم من أنّ الدستور ينصّ صراحة على أنّه لا يجوز تمديد حالة الطوارئ لأكثر من مدّة مماثلة أيّ 6 أشهر بحدّ أقصى، كما تنصّ المادّة 154 من الدستور المصريّ على أن"[...] يكون إعلانها لمدّة محدّدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ولا تمدّد إلّا لمدّة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. واذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النوّاب الجديد في الاجتماع الأوّل له. ولا يجوز حلّ مجلس النوّاب أثناء سريان حالة الطوارئ".
وأعلن السيسي حالة الطوارئ في مصر للمرّة الأولى منذ عام، فكانت المرّة الأولى في 10 نيسان/أبريل 2017 لمدّة 3 أشهر وذلك عقب هجومين إرهابيّين استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندريّة في 9 نيسان/أبريل 2017، راح ضحيّتهما 44 قتيلاً وعشرات المصابين، ثمّ تمّ تمديدها للمرّة الأولى لمدّة 3 أشهر في تمّوز/يوليو2017 وكانت المرّة الثانية في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر 2017، وجاء التمديد الثالث في 13 كانون الثاني/يناير 2018، ليأتي التمديد الأحدث في 14 نيسان/أبريل الجاري، لتعيش بذلك مصر 12 شهراً فيها حتى الآن.
وطبقاً لقرار مد حالة الطوارئ، تلتزم القوّات المسلّحة والشرطة باتّخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن في كلّ أنحاء البلاد وحماية الممتلكات العامّة والخاصّة، ويفوّض القرار رئيس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهوريّة المنصوص عليها في قانون الطوارئ 162 لسنة 1958، " على أن يعاقب بالسجن كلّ من يخالف الأوامر الصادرة عن رئيس الجمهوريّة تطبيقاً لأحكام ذلك القانون.
وتؤكّد الحكومة المصريّة، في كلّ مرّة بعد إعلان حالة الطوارئ التزامها بعدم استخدام التدابير الاستثنائيّة بقانون الطوارئ إلّا بالقدر الضروريّ، وبما يحفظ متطلّبات الأمن القوميّ، وعدم استخدامها للنيل من الحرّيّات العامّة.
يقول الفقيه الدستوريّ والقانونيّ الدكتور محمّد نور فرحات إنّ النظام السياسيّ الحاكم في مصر حاليّاً بات يشعر بالخوف والتهديد المستمرّ، خصوصاً على المستوى الأمنيّ بعد تلاحق حوادث إرهابيّة عدّة، ثبت فيها فشل الأجهزة الأمنيّة في تعقّب الجناة أو استباق هذه الحوادث الإرهابيّة بتجفيف منابع الإرهاب، وهو ما انعكس في شكل كبير على حالة من الهستيريا أصبحت تحكم بنية النظام وقوانينه وتحرّكاته التشريعيّة.
ويضيف الفقيه الدستوريّ القانونيّ في حديث إلى "المونيتور" أنّ التهديد المستمرّ للنظام جعله مستنفراً طيلة الوقت ويعمل على إغلاق كلّ المنافذ الشرعيّة للسياسة لإحكام قبضته الأمنيّة والبوليسيّة على أوصال المجتمع، وهذا ما أفرز تمديد حالة الطوارئ لـ4 مرّات متتالية بالمخالفة للنصّ الدستوريّ الواضح في هذا الشأن.
وأكّد أنّ الحكومة لديها ترسانة من القوانين تمكّنها من معاقبة أيّ شخص تشتبه فيه وتعقّبه، من دون تمديد حالة الطوارئ أو إعلان أيّ إجراءات استثنائيّة تهدّد حرّيّات المواطنين من جهة وتخالف صحيح القانون من جهة أخرى، مثل قوانين تنظيم التمويل الأجنبيّ، والرقابة على الجمعيّات الأهليّة، ومنع التظاهر، وتعديلات قانون الإجراءات الجنائيّة.
ووصف فرحات ادّعاءات الفصل بين المدد لتمديد حالة الطوارئ بالحجّة الواهية، حيث أنّ الفصل بينها بيوم أو يومين يعتبر التفافاً على النصّ الدستوريّ الوارد في المادّة 154 من دستور عام 2014، بحسب تعبيره.ح"
وتابع: "ما تقوله الحكومة عن ضرورات مواجهة الإرهاب لا يبرّر لها مخالفة الدستور، بدليل أنّ حالة الطوارئ مفروضة منذ عام تقريباً ولم تقلّ الحوادث الإرهابيّة".
من ناحية أخرى، يقول الوكيل الأوّل لمجلس النوّاب السيّد الشريف في تصريحات خاصّة إلى "المونيتور" إنّ تمديد السيسي حالة الطوارئ هدفه الحفاظ على الأمن والاستقرار، في ظلّ خوض الدولة المصريّة حرباً شرسة ضدّ قوى الشرّ والإرهاب التي تستهدف النيل من مقدّرات الوطن وتفتيت وحدته.
ويرى الشريف أنّ السيسي لم يخالف النصّ الدستوريّ، لأنّ المادّة 154 اشترطت التمديد لمدّة واحدة فقط، وهو ما يحدث بالفعل، فرئيس الجمهوريّة لم يمدّد الطوارئ لأكثر من مرّتين متتاليتين، مشيراً إلى أنّه دائماً يكون هناك فاصل يوم أو اثنين بين كلّ مدّة وأخرى حتّى لا يتمّ خرق الدستور.
وأكّد أنّ المتربّصين بالوطن من الجماعات الإرهابيّة والإخوان المسلمين، هم من يروّجون لوجود خرق دستوريّ أو تعدٍّ على الدستور، رافضاً ما يقال عن محاولات الالتفاف على الدستور بالفصل بين المدد المتتالية، مؤكّداً أنّ إعلان حالة الطوارئ هو حقّ دستوريّ مكفول للرئيس والدولة.
ويتابع الشريف: "هناك دول عدّة أعلنت حالة الطوارئ لفترات طويلة، وجاء ذلك لمواجهة الأخطار الإرهابيّة التى تهدّد الدولة، ومنها فرنسا على سبيل المثال بعد حادث مسرح "باتاكلان" الذي وقع في 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2015 وراح ضحيّته ما يزيد عن 130 شخصاً، إضافة إلى إصابة 352 آخرين"، لتُعلن حالة الطوارئ في ذات اليوم، لافتاً إلى أنّ مصر لديها ضحايا لحوادث إرهابيّة تفوق خسائر فرنسا بكثير، وبالتالي فمن باب أولى فرض حالة الطوارئ حتّى استقرار الأمور وفرض الأمن والنظام، بحسب تعبيره.
يأتي ذلك في الوقت الذي تخشى منظّمات حقوقيّة عدّة من تعرّض حقوق الإنسان إلى انتهاكات تطبيق حالة الطوارئ، بينما تؤكّد الحكومة مراراً أنّه إجراء موقّت يهدف إلى مكافحة الإرهاب.
يقول أحمد على، المحامي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن فرض حالة الطوارئ يعمل على شرعنة عمليات الاعتقال التي تشنّها الدولة من حين إلى آخر بدعوى حماية الأمن القومي، فالعديد من النشطاء تم الاعتداء عليهم أو توقيفهم من قبل قوات الأمن من أماكن عملهم أو من منازلهم، وكان آخر تلك الانتهاكات، اختفاء شريف الروبي القيادي بحركة 6 إبريل منذ أيام وتحديداً في 15 إبريل الجاري.