القاهرة: أعلنت لجنة الشؤون الدينيّة والأوقاف في مجلس النوّاب في 6 كانون الثاني/يناير الجاري عن تأييدها توجيهات الرئيس السيسي بضرورة الحفاظ عل أموال الأوقاف وحسن استثمارها في شكل جيّد وبضرورة إزالة أيّ تعديّات على أصول الأوقاف، وإشادتها بها.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد اجتمع في 26 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي مع وزير الأوقاف الدكتور محمّد مختار جمعة ورئيس هيئة الأوقاف الدكتور أحمد عبد الحافظ، لبحث سبل تعظيم الاستفادة من الأصول والأراضي والممتلكات التابعة إلى الأوقاف، من أجل تعظيم مساهمتها في المشاريع القوميّة، بما يساعد على نموّ الاقتصاد المصري.
وخلال الاجتماع، أكّد رئيس هيئة الأوقاف على ضمان الاستغلال الأمثل لأموال الأوقاف وتبنّي الهيئة فكراً استثماريّاً متطوّراً من أجل تنظيم العائدات وزيادتها وتحويلها إلى ركيزة اقتصاديّة لدعم الاقتصاد الوطني. وتشير بعض التقديرات إلى أنّ قيمة أصول الوقف الإسلامي في مصر حوالى عشرة مليارات دولار.
جدير بالذكر أنّ الوقف هو مصطلح إسلاميّ يعني قيام أحد الأفراد بمنح حق الإنتفاع الدائم على أحد ممتلكاته مثل العقارات أو الأراضي الزراعيّة أو غيرها للمساجد والموسسات الدينية من أجل أن تكون منفعته للأعمال الخيرية مثل بناء المساجد والمدارس ودور الأيتام والمستشفيات المجانية وتوفير الغذاء والكساء للفقراء والمحتاجين وغيرها من الأعمال الخيرية.
الوقف يظلّ ملك لصاحبه الأصليّ لكن إدارة الوقف والانتفاع به من حق هيئة الأوقاف وهي هيئة عامّة تابعة لوزارة الأوقاف وفق القرار الجمهوريّ الصادر بإنشائها في عام 1971، وتعتبر هي وحدها المختصّة في إدارة أموال الأوقاف واستثمارها. وتمارس الهيئة حقها بالإنتفاع من الأوقاف من خلال إستثمارها في مشروعات استثمارية ذات عائد من أجل تنمية الوقف وزيادة عوائده حيث تستثمر في المجال العقاري وكذلك الزراعي بالإضافة إلى الصناعي والمالي.
أما وزارة الأوقاف فهي تُعنَى بكافة شئون الدعوة الإسلامية في مصر حيث تشمل بعض أنشطتها العناية بالمساجد وتعيين الخطباء بالإضافة إلى إدارة بعض المراكز الإسلامية.
وقد بدأ تفكير السيسي في الاستفادة من تلك الأصول في تمّوز/يوليو في عام 2016، عندما أصدر قراراً جمهوريّاً بتشكيل لجنة لحصر أموال هيئة الأوقاف برئاسة مساعد الرئيس للمشاريع القوميّة والاستراتيجيّة المهندس ابراهيم محلب، وما زالت اللجنة تجتمع في شكل دوريّ وتتابع عملها حتّى اليوم.
وكانت اللجنة قد أعلنت في حزيران/يونيو 2017 عن إزالة العديد من التعدّيات على أراضٍ تابعة إلى الأوقاف، وكذلك أعلنت عن أنّها تدرس الدخول في شراكات مع الجهات والمؤسّسات الاستثماريّة الكبرى في كثير من المشاريع التي تخدم المجتمع من جهة وتعظّم من أموال الوقف من جهة أخرى مثل المجال التعليميّ، السلاسل التجاريّة، والمناطق الصناعيّة وغيرها.
وفي حديث خاصّ إلى "المونيتور"، يقول نائب وزير الأوقاف الأسبق الشيخ شوقي عبد اللطيف إنّ "توجّه النظام الحالي نحو الاستفادة من أموال الأوقاف من أجل دعم المشاريع القوميّة خطوة موفّقة للغاية، وإنّ ذلك يكون من خلال ما يسمّى باستبدال الوقف، وهو يعني إمكان استخدام جزء من الوقف أو التصرّف به، شرط أن يكون هناك عائد من ذلك إلى أصل الوقف نفسه، بما يسمح بزيادة أموال الأوقاف من ناحية، واستثمارها في شكل جيّد، وكذلك استفادة الدولة والمواطنين من عائد تلك المشاريع، من ناحية أخرى".
ويضيف عبد اللطيف: "لا بدّ من أن تكون هناك دراسة ذات جدوى من قبل متخصّصين، لتلك المشاريع القوميّة التي من الممكن أن تُموَّل من الأوقاف، من أجل ألّا تكون هناك مخاطرة بأموال الوقف، بما يضرّ بأصل الوقف نفسه".
ويكمل عبد اللطيف أنّ "خطوة إنشاء لجنة لحصر أموال الأوقاف برئاسة المهندس محلب مهمّة للغاية، نظراً إلى أنّ هناك تعديّات كثيرة على أراضٍ تابعة إلى الأوقاف، وكذلك هناك حالات فساد كبيرة تمتدّ إلى عقود مضت بما يتطلّب ضرورة مواجهتها بحزم". وتتعد قضايا الفساد في الأوقاف. فبعض المسئولين يتربحون من أموال الأوقاف سواء من خلال تسهيل الاستيلاء على أراضي وأصول تابعة للهيئة أو من خلال عدم وجود ضوابط محدده لتحديد القيمة الإيجارية للعقارات التابعة للهيئة ما يترتب عليه تباين شديد في قيمة تأجير تلك العقارات عن القيمة السوقية للعقارات المماثلة من أجل أخذ رشاوي من المستأجرين. في عام 2017 تم الإعلان عن قرابة ألفي قضية فساد في هيئة الأوقاف.
وهو الرأي الذي يختلف معه الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر الشريف الدكتور عبد الحميد الأطرش، حيث قال في حديث خاصّ إلى "المونيتور": "أرفض استغلال أموال الوقف في المشاريع القوميّة، لأنّه من ناحية، قد تحتمل تلك المشاريع خسارة تضرّ بتلك الأموال، ومن ناحية أخرى، لا يجوز التصرّف في جزء من الوقف أو فيه كلّه إلّا بالعودة إلى صاحب الوقف نفسه، لأنّه هو وحده صاحب تحديد أوجه صرفه حتى ولو تنازل عن حقه بالإنتفاع من هذا الوقف".
ويكمل الأطرش: "واقعيّاً، إنّ تغيير أوجه صرف الوقف أمر صعب لأنّ بعض أصحاب الوقف قد توفّوا، وهو ما يعني استحالة استغلال الوقف لصالح تلك المشاريع، أمّا إذا كان صاحب الوقف قد طلب أن يكون وقفه لبناء مستشفى أو مدرسة أو رصف طريق، فإنّه في هذه الحالة جائز."
ويضيف الأطرش: "حرام شرعاً أن يقوم أيّ أحد باستغلال الوقف لصالح المشاريع القوميّة، من دون الرجوع إلى صاحب الوقف نفسه، خصوصاً وأنّ هذه الأموال ليست أموالاً عامّة أو ملكاً للدولة، وحتّى وزارة الأوقاف لا تملك تلك الأموال وإنّما تديرها فقط نيابة عن أصحاب الوقف بصفتها صاحبة حق الإنتفاع".
أمّا في ما يتعلّق بالعائد الاقتصاديّ المتوقّع من توجّه الدولة نحو الاستفادة من أموال الأوقاف، يرى الخبير الاقتصاديّ ورئيس المنتدى المصريّ للدراسات السياسيّة والاقتصاديّة الدكتور رشاد عبده في حديث خاصّ إلى "المونيتور" أنّه "لا بدّ للدولة من تعظيم الاستفادة من أصول الأوقاف وممتلكاتها في شكل أفضل، في ظلّ وجود سوء إدارة وانتشار الفساد فيها، ولذا فإنّ التوجّه نحو تعزيز استفادة الدولة منها خطوة إيجابيّة للغاية.
ويؤكّد عبده أنّها يمكن أن تمثّل قوّة دفع كبيرة لعجلة الاقتصاد المصريّ، قائلاً: "استثمار تلك الأموال في شكل أفضل ينعكس بالتأكيد على خلق فرص تنمويّة كبيرة، وتعزيز الخدمات المقدّمة إلى المواطنين، في ظلّ ما يمكن أن تخلقه من مشاريع عملاقة وما يمكن أن توفّره من فرص عمل متعدّدة، خصوصاً وأنّ هناك إمكانات استثماريّة هائلة في الأوقاف تتطلّب الاستغلال الأمثل لها".
ويمكن القول إنّ توجّه الدولة نحو تعزيز الاستفادة من أموال الأوقاف في تمويل المشروعات القوميّة يواجه بجدل دينيّ حول شرعيّة استخدام تلك الأموال أو عدمها، إلّا أنّ هناك توافقاً على أنّ استغلال تلك الأموال في شكل جيّد ومدروس يمكن أن يشكّل خطوة إيجابيّة تدعم الاقتصاد وتفيد المواطن المصريّ.