القاهرة - أعلن قسم التشريع في مجلس الدولة في 18 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي موافقته على التعديلات المقترحة من مجلس الوزراء على أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسيّة المصريّة، وإرسالها إلى مجلس الوزراء لإصدارها.
وفي 4 يناير الجاري، طالب النائب عاطف عبد الجواد عضو مجلس النواب، بسحب الجنسية المصرية من الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية، بسبب زيارته لإسرائيل لإلقاء محاضرة بجامعة تل أبيب، حول ثورات الربيع العربي في مصر والدول العربية، معتبرا في بيان أصدره أن هذه الزيارة تعني التطبيع المباشر مع الكيان الصهيوني و"خيانة عظمى" تستوجب سحب الجنسية.
وفي 24 من ديسمبر الماضي، قررت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، إحالة دعوى إسقاط الجنسية عن الرئيس السابق، محمد مرسي لهيئة مفوضي الدولة لإعداد التقرير القانوني الخاص بها. بسبب صدور أحكام قضائية بحقه وصلت إلى 45 عاما.
وتضمّنت التعديلات على القانون الحاليّ إمكانية سحب الجنسيّة المصريّة من كلّ من اكتسبها عن طريق الغشّ أو بناء على أقوال كاذبة أو من كل مصري صدر ضده حكم قضائيّ يثبت انضمامه إلى أيّ جماعة أو جمعيّة أو جهة أو منظّمة أو عصابة أو أيّ كيان، أيّاً كانت طبيعته أو شكله القانونيّ أو الفعليّ، سواء أكان مقرّه داخل البلاد أم خارجها، ويهدف إلى المساس بالنظام العامّ للدولة، أو تقويض نظامها الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو السياسيّ بالقوّة أو بأيّ وسيلة من الوسائل غير المشروعة.
ونصّت تعديلات أخرى على زيادة المدّة التي يجوز خلالها سحب الجنسيّة المصريّة من الأجنبيّ، الذي اكتسبها بالتجنّس أو بالزواج، لتكون عشر سنوات بدلاً من خمس سنوات في القانون الحاليّ، وذلك إذا ثبت ارتكاب أيّ فعل يجيز سحب الجنسيّة سواء حكم عليه في مصر بحكم قضائيّ بات عقوبة جنائيّة أو عقوبة مقيّدة للحريّة في جريمة مخلّة بالشرف أو في جريمة من الجرائم المضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج أو جهة الداخل، أو إذا انقطع عن الإقامة في مصر لمدّة عامين متتاليين من دون عذر يقبله وزير الداخليّة.
وبينما رأى مراقبون أنّ تلك التعديلات تمّ وضعها للتنكيل بمعارضي النظام الحاليّ سواء أكان في الداخل أم الخارج، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، رأى آخرون أنّ تلك التعديلات مشروعة وتأتي في إطار التصدّي لكلّ المحاولات التي تستهدف أمن الوطن واستقراره من خلال معاقبة المدانين بجرائم تضرّ الأمن القوميّ المصريّ وإسقاط الجنسيّة عنهم.
وفي هذا السياق، قال المحامي والناشط الحقوقيّ طارق العوضي في تصريحات لـ"المونيتور": "إنّ تعديلات قانون الجنسيّة هدفها تضييق الخناق على المعارضة في مصر، ليس الإخوان المسلمين فقط، وإنّما كلّ الجماعات المعارضة لسياسات النظام الحاليّ".
أضاف: "هناك عشرات الدعاوى القضائيّة ضدّ رموز التيّارات الإسلاميّة باتهامات تتعلّق بالإرهاب وإثارة الفوضى والتخابر مع دول أجنبيّة، كتهمة التخابر التي أدين بها الرئيس الأسبق محمّد مرسي، الأمر الذي يعني إسقاط الجنسيّة عنه وعن جميع المحتجزين في السجون المصريّة بمجرّد صدور أحكام قضائيّة ضدّهم".
وتابع: "للأسف، التعديلات الجديدة مليئة بالعبارات العامّة والفضفاضة التي لا يوجد لها تفسير في القانون المصريّ، وتخضع لسلطة الدولة وحدها، فمثلاً ما هو تعريف "المساس بالنظام العامّ للدولة" أو "تقويض النظام الاجتماعيّ"؟ ماذا تعني تلك الجمل؟!. هذه الجمل تعطي الحقّ للسلطة في إسقاط الجنسيّة عن أيّ شخص تحت مسمّى "المساس بالنظام العامّ للدولة".
وأضاف: "فإذا تم القبض على شخص بتهمة التظاهر بدون ترخيص، فطبقا للتعديلات الجديدة، يحق للسلطات المختصة إسقاط الجنسية عنه، إذا ما اعتبرت أنه تصرفه أخلَ بالنظام العام للدولة لموحي التعديلات الجديدة!."
وتشهد أروقة المحاكم المصريّة قضايا عدّة لإسقاط الجنسيّة عن معارضين سياسيّين بدعوى "العمالة" و"الإضرار بالأمن القوميّ"، من بينهم الدكتور محمّد البرادعي، وهو نائب رئيس الجمهوريّة السابق. كما أنّ محكمة جنايات القاهرة أدرجت 161 شخصاً من المنتمين إلى جماعة الإخوان في قائمة الإرهابيّين بـ10 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، الأمر الذي يعني إسقاط الجنسيّة عنهم.
وفي 16 أيلول/سبتمبر الماضي، أصدرت محكمة النقض حكماً نهائيّاً وباتّاً بتأييد عقوبة السجن المؤبّد بحقّ الرئيس الأسبق محمّد مرسي في قضيّة التخابر وتسريب وثائق ومستندات صادرة عن أجهزة الدولة السياديّة وتتعلّق بالأمن القوميّ والقوّات المسلّحة المصريّة وإفشائها إلى دولة قطر، الأمر الذي يعني إسقاط الجنسيّة عنه طبقاً للتعديلات الجديدة.
وقالت عضو لجنة الشؤون الدستوريّة والتشريعيّة في مجلس النوّاب الدكتورة عبلة الهواري خلال تصريح لـ"المونيتور": "لم تتضمّن التعديلات تفاصيل واضحة عن التعامل مع المصريّ الذي يفقد جنسيّته على أرض مصر، وهذا أمر مثير، فالجنسيّة هي علاقة قانونيّة بين المواطن والدولة تتضمّن حقوقاً وواجبات في كلّ النواحي السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وإسقاط الجنسيّة يعني انتهاء هذه العلاقة تماماً، فلا يحقّ للشخص الانتخاب أو الترشّح أو شغل مناصب في الدولة، كما لا يحق له التمتع بأي خدمات حكومية، كالتعليم المجاني أو الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية أو أي خدمات تقدمها الحكومة. ولا نعلم هل يتضمّن القانون إسقاط الجنسيّة عن أبنائه جميعاً أم لا؟ فإذا كان أبناؤه طلاّباً في مدارس حكوميّة وسقطت عنهم الجنسيّة، فيعني هذا طردهم أيضاً من مدارسهم".
وتنصّ المادّة 17 من قانون الجنسيّة المصريّة رقم 26 لسنة 1975 على أنّه يترتّب على سحب الجنسيّة زوالها عن صاحبها وحده، على أنّه يجوز أن يتضمّن قرار السحب سحبها كذلك عمّن يكون قد اكتسبها معه عن طريق التبعيّة كلّهم أو بعضهم. ولم تحدّد التعديلات الجديدة، إذا كان سحب الجنسيّة في حالات الانتماء إلى الجماعات التي تستهدف الدولة، يعني إسقاط الجنسيّة عن ذويهم أم لا.
ورأى خبراء دستوريّون أنّ التعديلات الجديدة تخالف الدستور، إذ اعتبر الدكتور فتحي سرور، وهو أستاذ القانون الجنائيّ في جامعة القاهرة ورئيس مجلس الشعب الأسبق بـ20 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي خلال ندوة "المواجهة القانونيّة للإرهاب" في كليّة القانون بالجامعة البريطانيّة، أنّ التعديلات الجديدة على القانون غير دستوريّة، وقال: "إنّ إسقاط الجنسيّة وفق التعديلات التي أُدخلت على القانون، تعدّ حكماً الإعدام المدنيّ على الأشخاص، لأنّ الإنسان بلا جنسيّة لا وجود له".
وكذلك، أشار الفقيه الدستوريّ الدكتور نور فرحات في تدوينة على موقع "فيسبوك" إلى أنّ التعديلات مخالفة للدستور لكلّ ذي بصيرة أو فهم محدود للدستور، وقال: "المادّة السادسة من الدستور جعلت الجنسيّة حقّاً لكلّ من يولد لأبوين مصريّين.
وتنصّ المادّة 6 من الدستور على ما يلي: "الجنسيّة حقّ لمن يولد لأب مصريّ أو لأم مصريّة، والاعتراف القانونيّ به ومنحه أوراقاً رسميّة تثبت بياناته الشخصيّة، حقّ يكفله القانون وينظّمه".