دعا الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون فى اجتماعه مع رئيس الوزراء الكردستانيّ - العراقيّ نيجرفان بارزاني في 2 كانون الأوّل/ديسمبر، الحكومة العراقيّة إلى تفكيك كلّ الميليشيات بما فيها وحدات الحشد الشعبيّ، وقال إيمانويل ماكرون: "من الضروريّ أن يتمّ نزع السلاح تدريجيّاً، وخصوصاً من الحشد الشعبيّ الذيّ ثبّت نفسه خلال السنوات القليلة الماضية في العراق، وأن تتفكّك كلّ الميليشيات تدريجيّاً".
وفي خطاب له في المنتدى الدفاعيّ بمؤسّسة "رونالد ريغان الرئاسيّة" في 2 كانون الأوّل/ديسمبر، أشار مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة مايك بومبيو إلى أنّه بعث برسالة إلى قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني، محذّراً إيّاه والقيادة الإيرانيّة بخصوص أيّ هجمات تقوم بها القوّات الموالية لإيران في الحشد الشعبيّ على المصالح الأميركيّة في العراق.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجيّة الأميركيّ ريكس تيلرسون، بعد اجتماع مشترك مع قادة العراق والسعوديّة في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر، إنّ الوقت قد حان للميليشيات المدعومة من إيران والمستشارين الإيرانيّين، والتي ساعدت العراق على هزيمة الدولة الإسلاميّة "بالعودة إلى ديارها".
التصريحات الأخيرة أثارت ردود فعل غاضبة وسريعة من قبل المحور الداعم للحشد الشعبيّ في كلّ من إيران والعراق، إذ اعتبر نائب رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي التصريح الفرنسيّ بأنّه "تدخّل غير مقبول إطلاقاً"، وإنّ مثل هذه المواقف من فرنسا مرفوضة تماماً وتمسّ بسيادة العراق ومؤسّساته. كما أنّ نوّاباً برلمانيّين شيعة وقادة في الحشد الشعبيّ ردّوا بشدّة على تصريحات ماكرون والتصريحات المشابهة المطالبة بحلّ الحشد الشعبيّ، معتبرين الحشد قوّة عراقيّة قانونيّة، ولا يحقّ لأحد المطالبة بحلّه.
وفي الجانب الإيرانيّ، قال أمين المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي شمخاني خلال لقاء مع النائب الأوّل لرئيس مجلس النوّاب العراقيّ الشيخ همام حمّودي في 4 كانون الأوّل/ديسمبر: إنّ المطالبات الأخيرة بحلّ الحشد الشعبيّ تشير إلى وجود مؤامرة جديدة لإعادة الفوضى.
أضاف: "إنّ وعي المسؤولين العراقيّين، وخصوصاً نوّاب البرلمان، لم يسمح بنجاح المؤامرة التي أعدّها الأعداء للنيل من التوافق والأمن الداخليّ".
من جهته، أكّد مدير مكتب المرشد الأعلى الإيرانيّ محمّد كلبيكاني أنّ مايك بومبيو بعث برسالة إلى قاسم سليماني، مشيراً إلى أنّ سليماني لن يتسلّم الرسالة ولن يقرأها، وقال للوسيط الحامل للرسالة: إنّه "غير معنيّ بالحديث مع الأميركيّين".
ويبدو أنّ الاعلان عن الرسالة من قبل بومبيو جاءت كردّ على عدم استلامها من قبل سليماني ولكيّ يتم إرسال مضمونها إلى القيادة الإيرانيّة بشكل علنيّ، إذ قال بومبيو ضمن خطابه في مؤسّسة "ريغان": "نريد أن نتأكّد أنّه (سليماني) والقيادة في إيران يتفهّمان ذلك (التحذير في خصوص الهجوم على المصالح الأميركيّة) بطريقة واضحة وضوح الشمس".
ولكن لم يكشف بومبيو ما هي الآليّات التي ستتّخذ في حال تعرّضت القوّات الأميركيّة لهجوم من قبل فصائل عسكريّة مجهولة في العراق أو سوريا، وهي الطريقة المألوفة لإيران في الهجوم على المصالح الأميركيّة فإنّها تتجنّب المواجهة المباشرة وتستخدم وكلاء مختلفين ومتنوّعين وبعناوين مجهولة في كثير من الأحيان.
وبالفعل، حاول الإيرانيّون إيصال رسائل تهديد للأميركيّين بأنّ قواعدهم سوف لن تبقى آمنة في المنطقة. ففي مؤتمر دوليّ عقد في طهران بـ3 كانون الأوّل/ديسمبر، قال المستشار الأقدم لمرشد الثورة الإيرانيّة علي أكبر ولايتي: "إنّ جذور الولايات المتحدّة وحلفائها ستنقلع قريباً من العراق والمنطقة بأكملها".
وأشار إلى أنّ الأميركيّين أقاموا 12 قاعدة عسكريّة فى سوريا وينوون زيادة قوّاتهم إلى 10 آلاف شخص، وقال: "عليهم أن يعلموا أنّهم سوف يهزمون، هم يريدون أن يحتفظوا بالرقّة لأنفسهم، لكنّهم سيعلمون في القريب العاجل أنّه سيتمّ إخراجهم منها، كما كانوا يتصوّرون أنّ بإمكانهم البقاء فى البوكمال حيث تمّ إخراجهم من هناك أيضاً".
وعلى صعيد المشهد السياسيّ العراقيّ، فإنّ تصريحات القادة الغربيّين ضدّ الحشد لم تخفّض من نفوذه، بل أدّت به إلى الاستعجال بتوسيع النفوذ في الساحة السياسيّة ضماناً لمنع صدور أيّ قرار يقضي بحلّ تلك القوّات[N1] . وفي هذا السياق، كشف رئيس كتلة "الصادقون" البرلمانيّة التابعة لفصيل "عصائب أهل الحقّ" في الحشد الشعبيّ حسن سالم بـ6 كانون الأوّل/ديسمبر أنّه سيتمّ تشكيل تحالف جديد يضمّ فصائل الحشد الشعبيّ تحت اسم المجاهدين، للمشاركة الفاعلة في الانتخابات المقبلة. هذا في حين أنّ قانون الحشد الشعبيّ الذي تمّ التصويت عليه في البرلمان العام الماضي يحظّر فصائل الحشد من المشاركة في الانتخابات. كما أنّ حيدر العبادي قد صرّح مراراً بأنّ القوّات العسكريّة، بما فيها الحشد، لا يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات.
ويتوقّع أنّ قادة الحشد المشاركين في الانتخابات سيعلنون استقالتهم عن الحشد، تمهيداً للمشاركة في الانتخابات ولتجنّب المواجهة مع العبادي وقانون الحشد الشعبيّ، لكنّ ذلك لا يضمن زوال نفوذهم في فصائلهم العسكريّة، إذ سوف لن تتجاوز الاستقالة المعنى الاسميّ والشكليّ، ويعني ذلك أنّ الحشد الشعبيّ سيكون ليس فقط محصّناً من المساس من قبل البرلمان والحكومة المقبلة، بل سيمرّر سياساته عبر ممثّليه في البرلمان والحكومة.
وأعلن نوري المالكي أنّ كتلته "دولة القانون" ستتحالف مع تحالف الحشد الشعبيّ في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يعني أنّ هناك احتمالاً كبيراً لتسلّم الحكومة المقبلة والغالبيّة البرلمانيّة إلى الحشد وحلفائه.
وأخيراً، يبدو أنّ خيارات العبادي في مواجهة طموح الحشد ليست واسعة، وعليه التعامل بمرونة أكبر معه لضمان بقائه في منصب رئاسة الوزراء إن أمكن ذلك في الأساس، وهذا ما سجعله في مواجهة صريحة مع الولايات المتّحدة وحلفائها المطالبين بإلغاء الحشد.