مدينة غزّة - قطاع غزّة – أثار قرار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركيّة إليها، حالة غضب عارمة في أوساط الفلسطينيّين الذين قرّروا البحث عن راعٍ جديد لعمليّة السلام بديلاً عن الولايات المتّحدة الأميركيّة واعتبروا أنّ قرار دونالد ترامب جرّدها من أهليّتها كراعية لعمليّة السلام في الشرق الأوسط.
وقال الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس في كلمة أمام القمّة الإسلاميّة الطارئة، التي عقدت في 13 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري باسطنبول: "إنّ إعلان ترامب انتهاك صارخ للقانون الدوليّ والاتفاقيّات الموقّعة، وأؤكّد رفضنا لهذا القرار الباطل الذي صدمتنا به الولايات المتّحدة، وجاءت لنا ليس بصفقة العصر، بل بصفعة العصر، لتكون قد اختارت أن تفقد أهليّتها كوسيط، وإنّنا لن نقبل بأن يكون لها دور في عمليّة السلام لأنّها منحازة كل الانحياز لإسرائيل".
وسبقت موقف محمود عبّاس ذلك، تصريحات لوزير الخارجيّة الفلسطينيّ رياض المالكي، الذي قال في كلمة أمام الاجتماع الطارئ لمجلس وزراء الخارجيّة العرب الذي عقد في 9 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري بالقاهرة: "ترامب استسهل القرار فرفضه العالم، وبرّر خطيئته ببدع دينيّة فعزل نفسه وبلده عن لعب أيّ دور محتمل في عمليّة السلام، أكان اليوم أم في المستقبل".
من جهته، أكّد عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة أحمد مجدلاني لـ"المونيتور" أنّ السلطة الفلسطينيّة لا يمكنها العودة إلى الرعاية الأميركيّة المنفردة لعمليّة السلام والمنحازة لإسرائيل في كلّ مواقفها.
وبيّن أحمد مجدلاني أنّهم كقيادة فلسطينيّة يبحثون مع الدول العربيّة وبعض دول العالم عن راعٍ جديد، ومن ضمن ما يمكن أن يذهبوا إليه في هذا الاتجاه لجنة الرباعيّة الدوليّة، بعد العمل على توسعتها وضمّ بعض الدول العربيّة التي ترغب بالمشاركة في تلك العمليّة، إليها.
ولم يستبعد مجدلاني أن تتعرّض السلطة لضغوط سياسيّة وماليّة كبيرة، مشيراً إلى أنّ الكونغرس الأميركيّ وافق بالإجماع على تعليق المساعدات الماليّة للسلطة الفلسطينيّة تحت ذريعة ذهاب تلك الأموال لأسر الشهداء والأسرى، واعتبر ذلك ابتزازاً غير مقبول.
وفي السياق ذاته، رأى عضو اللجنة المركزيّة لحركة "فتح" عبّاس زكي في حديث مع "المونيتور" أنّ خيارات الفلسطينيّين في الردّ على قرار ترامب عديدة، ومن ضمنها: القرار النهائيّ بعدم لقاء الرئيس الفلسطيني أو أي من المسئولين في السلطة لنائب الرئيس الأميركيّ مايك بنس الذي كان من المقرّر أن يصل إلى الشرق الأوسط في نهاية الشهر الجاري قبل أن يؤجل زيارته حتى منتصف شهر كانون الثاني/يناير، ووقف أي اتصالات مع الإدارة الأميركيّة إلى حين التراجع عن قرار ترامب، والسعي للانضمام إلى المنظّمات الدوليّة، إضافة إلى التصعيد الميدانيّ ضدّ إسرائيل، وصولاً إلى العصيان المدنيّ.
وأوضح أنّ السلطة الفلسطينيّة تعي أنّ لكلّ تلك الخيارات ثمناً، وفي مقدّمتها وقف الدعم الماليّ من قبل أميركا وبعض الدول المانحة التي تتماها سياساتها مع الولايات المتّحدة، مشيراً إلى أنّ السلطة تبحث منذ اليوم عن بدائل عربيّة وإسلاميّة لسدّ أيّ عجز ماليّ قد يحدثه وقف المساعدات الماليّة من أميركا وغيرها من الدول.
هذا وأقرّ مجلس النوّاب الأميركيّ بالإجماع في 5 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري مشروع قانون (تايلور فورس) لوقف المساعدات الماليّة الأميركيّة للسلطة الفلسطينيّة، والتي تقدّر بـ300 مليون دولار سنويّاً، ما لم تتّخذ الأخيرة خطوات لوقف تحويل جزء من تلك الأموال لأهالي الشهداء والأسرى الفلسطينيّين.
واعتبر أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة الأزهر بغزّة ناجي شراب في حديث مع "المونيتور" أنّ إيجاد بديل عن أميركا كراعية للسلام في الشرق الأوسط غير ممكن، لا سيّما أنّ كلّ الأطراف التي يمكن أن تقوم بهذا الدور أدوارها في الأصل مكمّلة للدور الأميركيّ، وتحديداً الرباعيّة الدوليّة، وقال: إنّ قرار ترامب قد يفقد أميركا القيام بدورها في عمليّة السلام، ولكن لا يمكن إيجاد بديل عن الدور الأميركيّ. وبالتّالي، قد نشهد تجميداً متواصلاً لعمليّة السلام لسنوات قادمة.
وتوقّع أن يحدث ضغط كبير من بعض دول العالم كروسيا والصين والاتحاد الأوروبيّ وتركيا وفرنسا على الولايات المتّحدة لجعل مواقفها أكثر واقعيّة وحياديّة وفعاليّة في عمليّة السلام مستقبلاً كي لا تتفجّر المنطقة العربيّة.
أمّا في ما يتعلّق بالمساعدات الماليّة للسلطة الفلسطينيّة، فرأى ناجي شراب أنّ أميركا يمكن أن تتفهّم الغضب الفلسطينيّ على قرار ترامب، إذا ما بقي الموقف الفلسطينيّ في إطار الغضب ولم يترجم إلى سياسات ومواقف ضدّ أميركا وإسرائيل؛ وإلاّ فإنّ الأخيرتين قد تقومان بخطوات قويّة ضدّ السلطة، منها قطع كلّ المساعدات والدعم الماليّ المقدّمة إليها والتضييق عليها.
وتوافق الكاتب في صحيفة "الأيّام" الفلسطينيّة والمحلّل السياسيّ أكرم عطاالله مع سابقه في عدم قدرة السلطة الفلسطينيّة على إيجاد بديل آخر عن الولايات المتّحدة الأميركيّة في رعاية عمليّة السلام، كون الأخيرة هي الوحيدة في العالم من تملك القدرة على الضغط على إسرائيل لتجبرها على العودة إلى عمليّة السلام والالتزام ببعض قراراتها.
وحذّر أكرم عطاالله في حديث مع "المونيتور" السلطة الفلسطينيّة من أنّ الصدام مع الولايات المتّحدة الأميركيّة قد يضرّ أكثر ما ينفع القضيّة الفلسطينيّة، متوقّعاً أن تعطي أميركا تعليمات لبعض الدول التي تدعم السلطة الفلسطينيّة ماليّاً، ومنها دول عربيّة، من أجل وقف ذلك الدعم، ناهيك عن الخوف من إيقاف إسرائيل تحويل أموال الضرائب التي تجبيها للسلطة الفلسطينيّة من خلال الموانئ.
وفي ظلّ شحّ الخيارات أمام السلطة الفلسطينيّة للبحث عن راعٍ جديد، فيبدو أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ستعمل على تفهّم الغضب الفلسطينيّ والعربيّ من قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستعمل أيضاً على التخفيف من حدّته عبر تأجيل نقل مقرّ السفارة الأميركيّة إلى القدس إذا ما استمرّ الضغط العربيّ والإسلاميّ على الإدارة الأميركيّة، وهو ما قد يمثّل مخرجاً لائقاً للسلطة الفلسطينيّة بعد ذلك الغضب.