واشنطن – واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأعضاء إدارته التعبير عن دعمهم للاحتجاجات السلمية في إيران، وحذّروا السلطات الإيرانية من مغبّة اللجوء إلى القمع في اليوم الرابع من التظاهرات التي اندلعت في مدن كبيرة وصغيرة في مختلف أنحاء البلاد. وقد تزامن تعبير ترامب الأخير عن دعمه للتظاهرات الإيرانية مع إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني، في تعليقه الأول على الاحتجاجات الذي أدلى به في اجتماع لمجلس الوزراء وجرى بثّه عبر التلفزيون الإيراني، بأنه سيعمل مع مجلس الشورى من أجل معالجة المظالم الاقتصادية للإيرانيين.
لكن غالب الظن أن بوادر الاضطرابات الإيرانية ستضع مزيداً من التعقيدات أمام حسابات البيت الأبيض على ضوء القرار الذي سيتخذه ترامب في منتصف كانون الثاني/يناير الجاري حول ما إذا كان سيبادر إلى رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية المتعلقة بالنووي، وهي خطوة لا بد للولايات المتحدة من القيام بها في حال كانت تنوي الحفاظ على التزامها بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، المعروف بـ"خطة العمل المشتركة الشاملة".
غرّد ترامب في 31 كانون الأول/ديسمبر قبل أن يتوجّه للعب الغولف في نادي وست بالم بيتش: "احتجاجات كبرى في إيران. أخيراً بدأ الناس يتنبّهون إلى أن أموالهم وثرواتهم تُنهَب وتُبدَّد على الإرهاب. يبدو أنهم لم يعودوا يقوون على التحمّل".
وحذّر ترامب في تغريدته: "ترصد الولايات المتحدة عن كثب انتهاكات حقوق الإنسان!"
وغرّدت المتحدّثة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز في 30 كانون الأول/ديسمبر: "ولّت الأيام التي كانت أميركا تشيح فيها بنظرها عن القمع الذي يمارسه النظام الإيراني. تقف أميركا إلى جانب الشعب الإيراني".
كذلك انضمّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ومندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي إلى إدارة ترامب في التعبير عن الدعم للشعب الإيراني المنتفِض على النظام، مع العلم بأن عدداً كبيراً من المحلّلين الإيرانيين على الأرض لفت إلى أنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما هو الدافع الذي يُحرّك المتظاهرين، بعيداً من الإحباطات الاقتصادية، وما هو المسار الذي ستسلكه الاضطرابات.
لمّح العديد من الصحافيين والمحللين الإيرانيين إلى أن الاحتجاجات، التي بدأت يوم الخميس [28 كانون الأول/ديسمبر] في مشهد، مسقط رأس ابراهيم رئيسي، منافِس روحاني المحافظ في الانتخابات الرئاسية، ربما حصلت في البداية على تشجيع من خصوم روحاني السياسيين المتشدّدين، لكنها سرعان ما خرجت عن سيطرتهم. اندلعت تظاهرات صُوِّرت وقائعها، بواسطة الهواتف الجوّالة، في مقاطع فيديو انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تلغرام"، في أكثر من اثنتَي عشرة مدينة في مختلف أنحاء البلاد خلال نهاية الأسبوع المنصرم، واستقطبت العمّال ذوي الياقات الزرقاء المحبَطين اقتصادياً في المقاطعات، والشباب – الذين ندّد بعضهم برجال الدين والأجهزة الأمنية (الحرس الثوري الإسلامي) والنظام بقيادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
كتبت مراسلة "بلومبرغ" في إيران، جُلنار متولي، في تحليل عبر موقع "تويتر" في 31 كانون الأول/ديسمبر: "مع توسُّع الاحتجاجات في مشهد، بدا من مقاطع الفيديو أنها ليست مجرد مشاعر كراهية موجَّهة ضد روحاني أو سعر البيض". أضافت: "توسَّعَ نطاق الهتافات ليشمل منظومة الدولة بكاملها، بما في ذلك القيادة. ... يعتبر أنصار روحاني... أن المعارضة المتشدّدة والمؤسسة الأمنية كانتا المحرِّض وراء تظاهرات مشهد أو حتى ساهمتا في تنظيمها... من دون أن تأخذا في الاعتبار احتمال أن يسيطر خصومهما على التظاهرات لتحقيق مآربهم الخاصة".
وقد ناشدت وزارة الخارجية الأميركية الدول الأخرى الانضمام إلى الولايات المتحدة في مطالبة النظام الإيراني باحترام حقوق مواطنيه.
غرّدت المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نوارت عبر "تويتر" في 30 كانون الأول/ديسمبر: "يجدّد وزير الخارجية تيلرسون تأكيد احترام الولايات المتحدة الشديد للشعب الإيراني. ندعو جميع الدول إلى مساندتنا في الطلب من النظام احترام حقوق الإنسان الأساسية. #احتجاجات إيران".
تساءلَ خبراءٌ في الشأن الإيراني إذا كانت مظاهر الدعم الأميركية ستمنح جرعة زخم للمتظاهرين، أم على العكس، تجعلهم أكثر هشاشة إزاء النظام الإيراني الذي قد ينعتهم بالعملاء للخارج. بيد أن كثراً اعتبروا أن رسالة التضامن التي توجّهها إدارة ترامب إلى المحتجّين الإيرانيين يُعطِّلها إلى حد كبير حظر السفر الذي فرضه ترامب على ستة بلدان ذات أكثرية إسلامية، ومنها إيران. وقد خاب ظن الإيرانيين أيضاً من عداء ترامب للاتفاق النووي الذي جرى التفاوض عليه مع سلفه أوباما، كما أنهم يشعرون بالاستياء لأن تهديداته المستمرة بالانسحاب من الاتفاق تسبّبت بحالٍ من الالتباس الاقتصادي في البلاد، ما يغذّي الشعور بأن المنافع الاقتصادية التي استمدّوها من الاتفاق أقل بكثير من الآمال التي علّقوها عليه في هذا المجال – مع العلم بأنه ليس على الإطلاق السبب الوحيد خلف الضيق الاجتماعي والاقتصادي في إيران.
كتبت متولي، مراسلة "بلومبرغ": "كان تأثير تغريدات [ترامب] هامشياً في أفضل الأحوال. لقد أثارت هذه التغريدات موجة من التعليقات الغاضبة والمليئة بالسخرية. تلتقي مختلف الطبقات والفصائل والأجيال في إيران حول ازدراء الرئيس الأميركي الذي تبدو سياساته غريبة ونِفاقية".
أضافت: "بالعودة إلى المخاوف الإيرانية بشأن الاقتصاد، جلّ ما تفعله السياسة التي ينتهجها ترامب في التعاطي مع الاتفاق النووي هو تأجيج هذه المخاوف، فضلاً عن الخيبة بسبب سقوط فكرة أن المسؤولين، أينما كانوا في العالم، يريدون مساعدة الأشخاص العاديين على عيش حياة أفضل".
غرّدت سوزان مالوني، الخبيرة السابقة في الشؤون الإيرانية في قسم تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، في 31 كانون الأول/ديسمبر: "أياً كان ما تقوله [الحكومة الأميركية] أو تمتنع عن قوله في ما يختص بهذه الاحتجاجات، الحقيقة هي... أن العالم يراقب ما يحدث في إيران. طريقة التعاطي الإيرانية مع الاحتجاجات الراهنة سوف تطبع علاقة طهران [مع] العالم، تماماً كما حصل في العام 2009".
لعل الأهم من التصريحات الأميركية هو الخطوات التي من شأن واشنطن أن تتخذها لمحاولة الاضطلاع بدور بنّاء، كما قالت مالوني التي لمّحت إلى أنه بإمكان الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها في مجالات التكنولوجيا، ومزوّدي خدمات الإنترنت بواسطة الأقمار الصناعية، وشركات مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك" و"تويتر" و"إنستاغرام"، لمحاولة إبقاء قنوات التواصل مفتوحة. وعليها أن ترفع أيضاً حظر السفر، وفق ما تقول مالوني.
يمكن أن تؤثّر الاضطرابات الإيرانية في طريقة التفكير في واشنطن وطهران على السواء حول استدامة الاتفاق النووي، كما قالت مالوني لموقع "المونيتور".
أضافت مالوني، التي تعمل الآن لدى "مؤسسة بروكينغز"، في رسالة إلى موقع "المونيتور" عبر البريد الإلكتروني في 31 كانون الأول/ديسمبر: "أظن أنه من السابق لأوانه أن نحدّد بدقّة كيف سيحدث ذلك، غير أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن الأدلّة عن التململ الشعبي والقمع المحتوم سوف تؤدّي إلى مزيد من التصلّب في موقف إدارة ترامب من مسألة الإبقاء على الاتفاق، وتؤمّن حوافز إضافية لممارسة ضغوط اقتصادية جديدة على الحكومة". تابعت: "قد يلمسون أيضاً إمكانية ما لإحداث تبدّل في الموقف الأوروبي إذا كان القمع شديداً وموثَّقاً كما يجب".
أردفت مالوني: "إنما هناك أمران أساسيان يجب التنبّه لهما: تتلاحق الأحداث بسرعة وبطريقة غير قابلة للتوقّع، وليست هناك من فائدة كبيرة في استباق التطوّرات. والسياسة الداخلية هي أيضاً عاملٌ حاسم في عملية اتخاذ القرارات في شهر كانون الثاني/يناير".
أضافت: "يستحقّ الأمر عناء السؤال، كيف ستؤثّر الاحتجاجات في نظرة القيادة الإيرانية إلى الاتفاق؟ سوف يحاول جميع الأفرقاء إلقاء اللوم على الاتفاق وما يُحكى عن فشل أميركي في الوفاء بالتعهّدات بخفض العقوبات".