في 20 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، التقى وزير الخارجيّة القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى في الجزائر العاصمة. ناقش الرّجلان استراتيجيّات تعزيز العلاقات بين الدوحة والجزائر وغير ذلك من القضايا الإقليميّة، مثل اعتراف الرّئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل والحرب الأهليّة اللّيبيّة. وقبيل زيارة الدبلوماسي القطري البارز، كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد كتب رسالة لأمير قطر أثنى فيها على العلاقة "الاستثنائيّة" بين الدوحة والجزائر وتعهّد برفع العلاقات الثّنائيّة إلى "أعلى مستوى، بما يصبّ في مصلحة الشّعبين".
شكّلت الزيارة مؤشّرًا آخر على فشل اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب - المؤلّفة من دول البحرين، ومصر، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة - في حشد حكومات دول المغرب العربي المعترف بها دوليًا - باستثناء موريتانيا- خلف حملتها المناهضة لقطر.
وأتاحت أزمة قطر للجزائر فرصة إظهار قيمتها للدوحة كشريك صاحب سياسة خارجيّة مستقلّة قادرة على مساعدتها على الصّمود أمام الخلاف الدبلوماسي الذي دفع بالدوحة إلى التّحوّل إلى تحالفات أمنيّة بديلة والبحث عن شرايين حياة اقتصاديّة. بعيد قطع اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب العلاقات الدبلوماسيّة والاقتصاديّة مع الدوحة، أشادت قطر بموقف الجزائر "المشرّف" إزاء أزمة مجلس التعاون الخليجي، الذي دعا بموجبه المسؤولون الجزائريّون جميع الأطراف إلى حلّ النزاع عن طريق الحوار، قبل أن يفعل ذلك نظراؤهم في أيّ بلد آخر. وأشادت الدوحة أيضًا بالجزائر بوصفها "دولة كبيرة" قادرة على تأدية "دور في العلاقات العربيّة-العربيّة بفضل ثقلها في المنطقة".
تجدر الإشارة إلى أنّ السّياسة الداخليّة للبلاد ساهمت بشكل جزئي في تشكيل استجابة الجزائر لأزمة قطر. فمع أنّ الجزائر تبنّت رسميًا موقفًا محايدًا إزاء خلاف مجلس التّعاون الخليجي الدّبلوماسي، سارع 31 إسلاميًا من أعضاء البرلمان إلى الإعراب عن تضامنهم مع الدوحة من خلال لجنة شُكّلت حديثًا. وقد عقد السفير القطري في الجزائر، إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي، اجتماعات منتظمة مع هذه اللّجنة.
ساهم الاستثمار القطري في اقتصاد شمال إفريقيا، فضلاً عن بعض القضايا داخل منظّمة الدّول المصدّرة للبترول (أوبك)، في قرار الجزائر بالبقاء خارج اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب. ففي وقت سابق من العام الحالي، استثمرت قطر في مصنع ضخم للصلب بقيمة ملياري دولار في شرق الجزائر. وكعضوين في منظّمة أوبك، دفعت قطر والجزائر بالكارتل إلى إبرام اتّفاقيّة لخفض الإنتاج في حين اختلف كلّ من الرياض وأبوظبي مع الجزائر حول استراتيجيّة الإنتاج التي يجب أن تتبنّاها منظّمة أوبك.
نذكر أيضًا مستقبل ليبيا وخطر تسرّب النزاع إلى الجزائر كعاملين غذّيا التوتّرات بعض الشّيء بين الجزائر واللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب. في الوقت الذي دعمت فيه مصر والإمارات العربيّة المتّحدة الجيش الوطني اللّيبي التّابع للواء خليفة حفتر ومجلس النواب في طبرق، اعتبرت الجزائر أنّ تدخّل القاهرة وأبوظبي في ليبيا يقوّض أمن المغرب العربي. أيّدت الجزائر تسوية الحرب الأهليّة اللّيبيّة عبر استراتيجيّة دبلوماسيّة شاملة تقوم على التأثير المهدّئ للإسلاميّين التونسيّين. لكن من وجهة نظر مصر والإمارات العربيّة المتّحدة، إنّ "النموذج التونسي" خطر للغاية ويهدّد بالسّماح للإخوان المسلمين بفرض نفوذهم في شمال أفريقيا. على خلاف أعضاء اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب، دعمت قطر حكومة الوفاق الوطني الليبيّة المعترف بها دوليًا في طرابلس، ودعمت مقاتلي مصراتة الذين أدّوا أهمّ الأدوار على الأرض في هزيمة تنظيم الدّولة الإسلاميّة في مدينة سرت قبل عام، مع حصولهم على دعم جوّي أميركي.
طوال سبع سنوات تقريبًا، شكّل شمال أفريقيا ساحة تتنافس فيها قطر والإمارات العربيّة المتّحدة على النفوذ. أدّت المكاسب السّياسيّة التي أحرزها الإسلاميّون في مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك، وفي ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي، وفي تونس بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي، كما في المغرب، إلى إقلاق أبوظبي والعواصم الأخرى في مجلس التّعاون الخليجي - باستثناء الدوحة – في المرحلة المبكرة من الربيع العربي. لكنّ الانقلاب العسكري الناجح ضدّ محمد مرسي، الرّئيس المصري المدعوم من قطر المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، في العام 2013؛ وخسارة حركة النهضة في الانتخابات بتونس؛ واندلاع الحرب الأهليّة اللّيبيّة في منتصف العام 2014 قوّضت كلّها رؤية الدوحة المتمثّلة بتوسيع نفوذ قطر عبر مصر والمغرب العربي من خلال الإسلاميّين. ومنذ أن بدأ التيار ينقلب على الفصائل الإسلاميّة المدعومة من الدوحة، استثمرت الرياض وأبوظبي مليارات الدولارات في مصر وتعهّدت بالقيام باستثمارات في كافة أنحاء المغرب العربي، مع قيام أبوظبي والقاهرة بالتدخّل عسكريًّا في ليبيا بشكل مباشر لمؤازرة الجيش الوطني اللّيبي.
كانت الجزائر، التي نجت من انتفاضات الرّبيع العربي على عكس مصر، وليبيا وتونس، أقلّ عرضة بكثير للضّغوط التي فرضها التنافس الجيوسياسي بين الدوحة وأبوظبي على الدّول الأخرى في شمال أفريقيا. وباعتبارها أحد أبرز المنتجين والمصدّرين للغاز الطّبيعي في العالم، تمتّعت الجزائر، على غرار ليبيا في عهد القذافي، بنفوذ استراتيجي كافٍ لرسم مسارها الخاصّ المستقلّ بدون التضحية بالاستقلاليّة للحصول على مساعدة ماليّة من دول مجلس التّعاون الخليجي. ونجد أمثلة كثيرة على رفض الجزائر دعم أجندتي الرياض وأبوظبي فضلاً عن استجابة الجزائر لأزمة قطر. تُعرَف الجزائر على أنّها "الصديق العزيز" لإيران في المغرب العربي، وهي لم تعارض يومًا نظام بشار الأسد في خلال الأزمة السّوريّة. وقد رفضت دولة شمال أفريقيا تصنيف حزب الله أو حماس كتنظيمين إرهابيّين، وبقيت خارج التحالف العربي بقيادة السعوديّة في اليمن، وكذلك خارج التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب المؤلّف من 41 عضوًا.
في نهاية المطاف، من المرّجح أن تواصل الجزائر الاستثمار في المبادرات الرّامية إلى تعزيز شراكتها مع قطر، وهذا النهج هو نتيجة عدم مشاركة الجزائر تصوّر اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب للتهديد القطري المزعوم، فضلاً عن اهتمام الجزائر في تأمين المزيد من الاستثمارات من الإمارة العربيّة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الجزائر أنّ رؤية اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب لشمال أفريقيا، بخاصّة ليبيا، تضرّ بمصالحها الأمنيّة الخاصّة. يبقى أن نرى ما هو نوع النفوذ الذي تملكه اللّجنة الرباعيّة لمكافحة الإرهاب على الجزائر وما هي البطاقات التي ستحاول ربّما الدول المحاصرة لقطر استعمالها للضّغط على الجزائر كي تنأى بنفسها عن الدوحة وتقترب من مدار الرياض الجيوسياسي.
حتّى ذلك الحين، من المرجح أن تحتفظ الجزائر وقطر بوضعهما باعتبارهما دولتين عربيّتين غنيّتين بالغاز، تستخدمان ثرواتهما الطّبيعية لتأكيد استقلالهما عن السعودية والإمارات العربيّة المتّحدة ومصر. وبالنظر إلى إمكانيّة خضوع العالم العربي لعملية إعادة تنظيم كبرى في العام 2018 مع ترسّخ الخلاف بين قطر ومجلس التعاون الخليجي، قد يؤدّي نموّ العلاقات بين الدوحة والجزائر بالتالي إلى توطيد علاقات الجزائر بإيران وتركيا باعتبارهما أهمّ شريكين لقطر في الشرق الأوسط بعد مرور ستّة أشهر ونصف على الأزمة مع مجلس التّعاون الخليجي.