القاهرة- وقّعت حركتا فتح وحماس رسميّاً في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري اتّفاق مصالحة برعاية مصريّة. وتأتي هذه المصالحة بعد قطيعة دامت 10 سنوات على أثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزّة، والتي بدأت بفوز حماس في الانتخابات التشريعيّة في عام 2006 بـ76 مقعداً من أصل 132، وانتهت باقتتال مع حركة فتح في عام 2007.
أثارت المصالحة توقّعات وآراء إيجابيّة من جانب خبراء اقتصاديّين حول استفادة الاقتصاد المصريّ من هذه المصالحة التي ستعود بالخير والنفع على الشعبين الفلسطينيّ والمصريّ، حيث يعمل استقرار الأوضاع في قطاع غزّة على انتعاش اقتصادها وإعادة إعمارها، وبالطبع سيكون للشركات ورجال الإعمال المصريّين النصيب الأكبر فيها، نتيجة انخفاض التكلفة بحكم التقارب الحدوديّ. فيما قلّل آخرون من تأثير المصالحة على الجانب الاقتصاديّ، وتدفّق البضائع والأشخاص بين البلدين من خلال معبر رفح المرهون بضوابط أمنيّة في إطار حرب مصر علي الإرهاب.
عن هذا الشأن، تحدّث الخبير الاقتصاديّ في الشأن العربيّ أبو بكر الديب لـ"المونيتور"، قائلاً: "المصالحة الفلسطينيّة تعني حكومة مستقرّة تسيطر على جميع القطاعات في قطاع غزّة، ممّا يعني عمليّة إعمار واسعة يلعب فيها عنصر التكلفة دوراً محوريّاً. وبحكم ملاصقة مصر لقطاع غزّة، تكون مصر الدولة الأقلّ كلفة اقتصاديّاً في مسألة الإعمار، ويدعم ذلك النفوذ السياسيّ والأمنيّ لمصر بصفتها راعي المصالحة".
وأضاف: "التبادل التجاريّ سيشهد انتعاشاً كبيراً في الإنشاءات والمهمّات الصحّيّة للمستشفيات والأغذية، ومن المتوقّع أن يصل عائد التبادل التجاريّ وإعادة الإعمار خلال 5 سنوات إلى حوالي 10 مليارات دولار".
وأوضح أنّ حركة حماس ضاقت بها السبل بسبب الحصار الإسرائيليّ لغزّة، وعدم ترحيب الجانب المصريّ بالتعاون معها، ممّا أسفر عن عدم قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن الغزّاويّ، وهو ما سيجعل حماس لا تستجيب إلى ضغوط إيران وقطر لعدم التعاون اقتصاديًا مع مصر. تجدر الإشارة إلى أن إيران وقطر هما من أكثر الدول تمويلا ودعما لحركة حماس وعلى علاقات سياسية سيئة بمصر.
وفي اتّجاه آخر، قلّل رئيس قسم الاقتصاد والعلوم السياسيّة في جامعة القاهرة حسن نافعة من تأثّر الجانب الاقتصاديّ المصريّ من المصالحة، وقال لـ"المونيتور": "العلاقات الاقتصاديّة بين مصر وفلسطين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستقرار داخل فلسطين، أي حادث أمني بين الفلسطينيّين الإسرائيليّين قد يتطور وتتّسع كرة اللهب. المصالحة بين حماس وفتح استقرار هشّ يواجه الكثير من العقبات ويمكن الرجوع فيه إلى المربّع صفر لأتفه الأسباب ".
وأضاف: "على الرغم من أنّ إسرائيل وأميركا قد أعطتا الضوء الأخضر لإتمام المصالحة من أجل وقف هيمنة حماس على قطاع غزّة، إلّا أنّ الهدف الرئيسيّ الغير معلن لهما هو نزع سلاح حماس، ,هو ما لن تقبله حماس وقد تؤدي أي محاولة لنزع سلاحها إلي انهيار المصالحة وبالتالي القضاء على أي احتمالات للإستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي."
وأوضح أنّه من المقرّر بموجب اتفاق المصالحة أن تستلم السلطة الفلسطينيّة بقيادة فتح المقرّات الحكوميّة التي تسيطر عليها حماس في غزّة، ولكنّ حماس قد استبدلت آلاف الموظّفين بموظّفين آخرين تابعين إليها، ولن تقبل حماس في أيّ حال، طرد موظّفيها من الوزارات والهيئات الحكوميّة والأمنيّة، ممّا يجعل فتح تتولّى في الظاهر وزارات يسيطر عليها فعليّاً تابعون إلى حماس، وهو أمر قد يؤدّي إلى انهيار المصالحة وعودة الصدام مرّة أخرى.
وأشار إلى أنّ وصول التبادل التجاريّ بين مصر وفلسطين إلى 10 مليارات دولار مبالغ فيه، وأنّ وزارة الاقتصاد الفلسطينيّة وفي أقصى تصوّر لها، ترى أنّ حجم التبادل التجاريّ بين مصر وفلسطين في عام 2020 يمكن أن يصل إلى حوالى 4 مليارات دولار أميركيّ.
وقال وكيل اللجنة الاقتصاديّة في مجلس النوّاب عمرو الجوهريّ لـ"المونيتور": "المصالحة والقضاء على الانقسام بين الفصائل الفلسطينيّة يصب لصالح القضية الفلسطينية، لكنّ التحدّث عن إعادة إحياء التبادل تجاريّ حاليّاً بين مصر وفلسطين صعب للغاية في ظلّ في ظل الحذر والترقّب المصريّ الأمنيّ الشديدين في مواجهة الإرهاب، حيث أنّ دخول البضائع وخروجها وكذلك الأشخاص، عبر المعابر يتعارضان مع السيطرة الأمنيّة، خصوصاً في ظلّ عدم توافر الأجهزة الحديثة للكشف عن ممنوعات، سواء كانت أسلحة أم غيرها، داخل الحاويات التي تحمل البضائع".
وأشار إلى أنّ إسرائيل تعرقل التبادل التجاريّ المصريّ-الفلسطينيّ عن طريق فرض رسوم جمركيّة مرتفعة على الصادرات المصريّة إلى فلسطين، فعلى سبيل المثال، تتراوح نسبة الرسوم الجمركيّة على منتجات العصائر 120% وعلى الألبان بين 153 و162%، في حين يتمّ فرض رسوم جمركيّة بنسبة 12% على منتجات العصائر الواردة من الاتّحاد الأوروبّيّ، و50% على منتجات الألبان الواردة من الاتّحاد الأوروبّيّ .
قال المتحدّث باسم حركة فتح في القاهرة السفير حازم أبو شنب لـ"المونيتور" إنّ مصر وقّعت مع السلطة الفلسطينيّة اتّفاق تجارة في نيسان/أبريل 1998، ودخل حيّز التنفيذ في كانون الأوّل/ديسمبر 1999، بهدف تنمية التبادل التجاريّ بينهما، إلّا أنّ التطوّرات السياسيّة والانقسام الفلسطينيّ أدّت إلى حدوث انتكاسة في العلاقات التجاريّة بين البلدين.
وأكّد أنّ إسرائيل تحتلّ المرتبة الأولى في حجم الصادرات إلى فلسطين والتي تخطّت خلال عام 2016 ما يقارب الـ5 مليارات دولار، فيما بلغت الصادرات المصريّة ما يقارب الـ70 مليون دولار، ولكنّ مصر مؤهّلة لاحتلال مركز متقدّم في قائمة الدول المصدرّة إلى فلسطين، لأنّ الاطمئنان النفسيّ للبضائع المصريّة من قبل المستهلك الفلسطينيّ مع الجودة والسعر المنافس، سيؤثّر في شكل كبير على ترجيح كفّتها.
وأوضح أنّ اتّفاق القاهرة بين فتح وحماس يفتح المجال أمام وجود الحكومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، ممّا يمهّد لوضع الاتّفاقيّات والضوابط الأمنيّة اللازمة لسهولة دخول البضائع والأفراد بين البلدين.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يؤدي اتفاق المصالحة إلى افتتاح وتفعيل معبر رفح الحدودي مما سيٌعزز الحركة التجارية بين القاهرة وفلسطين. وسيكون لذلك أثر إيجابيّ بفتح الآفاق العربيّة والدوليّة للشعب الفلسطينيّ من خلال بوّابة مصر، بحسب أبو شنب.