بعد عام تقريبا من إطاحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من معقله في سرت على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ها هو التنظيم يطل من جديد على ليبيا. وفى مقطع مصور نشرته وكالة أنباء أعماق التابعة لداعش يوم 28 آب / أغسطس، ظهر مقاتلان عند حاجز تم نصبه على الطريق المؤدي إلى جنوب سرت باتجاه الجفرة. وتم إظهار المحامي ساجيار ماجري وهو يطلب المساعدة في الفيديو لبعض اللحظات. تجدر الإشارة إلى أن ماجري كان نائب رئيس اللجنة الوطنية العليا للانتخابات الليبية، وقد اختُطف في 25 أيار / مايو.
وفي 23 آب / أغسطس، زعم تنظيم الدولة الإسلامية أنه هاجم نقطة تفتيش عسكرية تديرها القوات المسلحة الليبية برئاسة الجنرال خليفة حفتر، ما أسفر عن مقتل تسعة جنود.
وبحسب شهود عيان تحدثوا إلى "المونيتور"، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة المحيطة بسرت بعد خسارتهم المدينة. وقد زار أبوباكر أغنون، صاحب محطة إذاعية في طرابلس، المنطقة في ديسمبر / كانون الأول بعد طرد داعش من سرت، وكاد يُقتل في نقطة تفتيش عشوائية نصبها داعش، لكنه نجا بعد أن فر مسرعا إلى منطقة يعرفها جيدا. ويروي أغنون: "أخبرني صديقي إن نقطة التفتيش التي كنت قادما إليها يسيطر عليها داعش، لذا كان علي أن أقود بسرعة". كما أفاد السكان المحليون إنهم شاهدوا مقاتلي داعش في المنطقة الصحراوية جنوب سرت وجنوب غربها.
في حين تم طرد تنظيم داعش من سرت العام الماضي، لا تزال المنظمة نشطة في المنطقة المحيطة بالمدينة والأحياء التي تخرج مساحات كبيرة من صحرائها عن السيطرة الحكومية. ويبدو أن هناك سعي لدى داعش والفصائل الأخرى في غرب ليبيا إلى إثارة المتاعب كلما ظهر اتفاق وشيك بين الليبيين. فإن ظهور داعش الأخير في المنطقة يبدو وكأنه تم لأغراض دعائية ولهدف وقف العملية السياسية التي تكتسب زخما جديدا وسط سلسلة تطورات إيجابية ودبلوماسية جديدة.
ففي 2 مايو / أيار، اجتمع حفتر، بدعم من برلمان ليبيا في طبرق، بفايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، في أبوظبي للمرة الأولى منذ عام 2015. وبعث الاجتماع بأمل في أن يكون كل من الجانبين في طريقه للتوصل الى تسوية سياسية في البلاد.
وفي خلال الاجتماع، اتفق شفهيا الرجلان على وقف كافة الأعمال العدائية وبناء الثقة وتسوية أي قضايا من دون اللجوء إلى العنف، وإن كانت تساورهما شكوك إزاء نوايا بعضهما البعض. لكن في 19 أيار / مايو الماضي، هاجمت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وبأمر من وزير الدفاع مهدي البرغثي قاعدة جوية عسكرية في براك الشاطئ في الصحراء، ما أسفر عن مصرع أكثر من 140 شخصا معظمهم من الجنود الموالية لحفتر. أما القوات الجوية الليبية فاختارت ألا ترد مستخدمة الهجوم لإعادة تأكيد اعتقادها بأن حكومة الوفاق الوطني لا نفوذ لها على القوات التي تدعي الولاء لها.
كان السراج غاضبا ولكن لم يتمكن من التصرف لأن نفوذه على حكومة الوفاق الوطني والقوات العاملة على أرض الواقع ليس سوى أسمي. إلا أنه أوقف برغثي عن العمل في 19 ايار / مايو ووعد بإجراء تحقيق في ما حدث. ولم ينشر أي جديد عن هذا التحقيق حتى الآن.
وجاءت آخر محاولة لمنع التوصل الى اتفاق في البلد الذي يرزح تحت عبء الحرب بعد اجتماع باريس الذي استضافه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 25 تموز / يوليو بين حفتر والسراج. وتمخض الاجتماع الذي اتسم بأعلى مستوى من الجدية بين الاثنين عما يمكن وصفه بخارطة طريق لليبيا تنص على انتخابات رئاسية وتشريعية وطنية ومصالحة وتوحيد مؤسسات الدولة.
وما كان له أهمية خاصة هو دعم بلدان الاتحاد الأوروبي الرئيسية للاتفاق الذي تم التوصل إليه، بما في ذلك إيطاليا والمملكة المتحدة.
وقد زار وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ليبيا في 25 آب / اغسطس حيث عقد اجتماعات على مدى يومين مع السراج وأصبح أول دبلوماسي رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي يزور حفتر في قاعدته المحصنة بشدة في بنغازي. كما زار جونسون مصراتة في شمال غرب ليبيا.
يبدو واضحا أن أي اتفاق بين الفصائل الليبية المتناحرة يسد جزءا من الفراغ السياسي والأمني الذي يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية وغيره من المنظمات المماثلة الاستفادة منه لإعادة تأسيس نفسها في البلاد، خاصة بعد أن فقدت هذه المنظمات بنغازي وسيطرت عليها القوات الجوية الليبية في وقت سابق من هذا العام.
في هذا الإطار، على الأمم المتحدة، بصفتها وسيطا للعملية السياسية في البلاد، أن تدرك هذه الحقيقة وتمارس ضغوطا على جميع الفصائل الليبية للمضي قدما في العملية السياسية التي يمكن أن تنقذ البلاد وتخفف عبئا لا ينفك يزداد على الشعب منذ ست سنوات.