يتحدّث أحد قادة حماس عن "انفراجة" في الأزمة السورية
يبدو أن حماس تربط مصيرها بإيران. لقد أخذ هذا المنحى وتيرة متسارعة منذ انعقاد القمة الأميركية-السعودية في أيار/مايو الماضي، عندما لم يفرّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين حركة المقاومة الإسلامية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة وحزب الله.
وقد يدلّ هذا التبدّل على التأثير المتزايد لجناح حماس العسكري، أي كتائب عزّ الدين القسّام المتشدّدة، وعلى تداعيات الأزمة بين السعوديّة الإمارات العربيّة ومصر والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، وعلى نشوء توافق إقليمي، بما في ذلك التلاقي الفكري بين إيران وتركيا، حول التعامل مع الحرب الدائرة في سوريا.
اقترح قادة كتائب القسام، وفقاً لعدنان أبو عامر، إحداث فراغ سياسي وأمني في قطاع غزة، وذلك لإجبار إسرائيل على التعامل إماّ مع حماس أو مع عواقب الفوضى على حدودها. وقد خفّت وتيرة المفاوضات التي ترعاها الإمارات العربية بين مصر والقائد السابق في حركة فتح محمّد دحلان خلال الأسابيع الأخيرة. أما شلومي إلدار، فأشار إلى أن هذه المحادثات قد تضمّنت مناقشات حول تبادل للأسرى مع إسرائيل، والتي توقّفت بدورها على ما يبدو.
كتب إلدار، "لقد فضّلت حماس المساعدات العسكرية والاقتصادية لإعادة تسليح نفسها، وذلك على حساب سكّان غزّة الذين رأوا في تحسّن العلاقات مع مصر الطريقة الفضلى للتخفيف من الحصار بشكل كبير". "وفي حال كانت هناك فرصة لإيجاد حل إنساني في غزّة نتيجة العلاقة المتحسّنة بين حماس ومصر، فإن قرار قيادة الحركة الأخير [بتعزيز العلاقات مع إيران] قد حّدد المصير البائس أصلاً لشعب غزّة وضَمن استمرار سيطرة الجناح العسكري للحركة على القطاع".
يوضح أحمد أبو عامر أن حماس تحاول إعادة علاقاتها بالقوى الإقليمية الرئيسية جميعها، بما فيها الحكومة السوريّة. فكتب أبو عامر، "إنّ حماس خرجت من سوريا في نهاية عام 2011، من جرّاء موقفها من الأزمة السوريّة ووقوفها إلى جانب مطالب الشعب السوريّ". يُضاف إلى ذلك تضامنها مع الحكومة القطريّة التي قدّمت الدعم لحماس، وعدم رغبتها بمخاصمة السعوديّة. لقد دعمت كلّ من الرياض والدوحة الجماعات المسلّحة الساعية الى الاطاحة بالرئيس السّوري بشّار الأسد، الذي بدوره طرد قادة حماس من سوريا.
كتب أبو عامر "أنّ حماس لا تمانع في عودة علاقاتها مع النظام السوريّ، وفقاً لرئيس حركة حماس في قطاع غزّة يحيى السنوار الذي تحدّث لـ"المونيتور" خلال لقائه بعدد من الصحافيّين في غزّة في 28 آب/أغسطس الجاري. وشدّد على أنّ ’الانفراجة‘ التي تشهدها الأزمة السوريّة ستفتح آفاق ترميم العلاقة وعودتها مع النظام السوريّ... وقال السنوار،’ننتظر الوقت المناسب لإعادة تلك العلاقة حتّى لا تدخل حماس في لعبة المحاور بالمنطقة، فسياستنا هي الانفتاح على كلّ الأطراف خدمة للقضيّة الفلسطينيّة‘... كما أنّ حماس مقتنعة بأنّ من مصلحتها سيطرة سوريا على جبهة الجولان السوريّة في أيّ مواجهة عسكريّة مقبلة مع إسرائيل".
تنطوي "سياسة الانفتاح" هذه على نوع من المبالغة، نظراً لعلاقة حماس المتأزّمة بكل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. الاّ أن ما ليس مبالغ به هو أن الحسابات الإقليمية لحماس على ما يبدو تتمّ الآن بالتشاور مع إيران بشكل وثيق. وكما ذكرنا في الأسبوع الماضي، تطرح علاقة إيران بكل من تركيا وقطر وحماس الآن، وجميعها ذات أغلبيّة سنيّة، تساؤلات حول "الرواية" الطائفية المضلّلة التي يستخدمها خصوم طهران للإشارة إلى المطامع الإقليمية الإيرانية. وكما كتبنا في هذا العمود في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2012، "كشفت إيران أنها تملك الوسائل التي تمكّنها من قلب المعادلة والثأر، حتّى في المناطق حيث يزعم خصومها أنّهم يفرضون سيطرتهم ونفوذهم".
تبدّل في الموقف التركي في سوريا
يوضح سميح إيديز أنه تمّ الاعتراف بشكل واسع في الوقت الحاضر بأن دعوات أنقرة إلى "تغيير النظام" في دمشق كارثة مرتبطة بتقييم خاطئ لوزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو في آب/أغسطس 2012. وقد اعتمد العديد من "الخبراء" والمسؤولين الغربيين ذلك، معتبرين أن الرئيس السوري سيسقط في غضون "أشهر أو أسابيع"، مما يسمح "للسنّة" بتحقيق سيطرتهم في سوريا. استند داوود أوغلو [في تقييمه] إلى أسوأ غرائز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وطموحاته الوهميّة بتحقيق مكسب طائفي مفاجىء من ما سُمّي بـ "الربيع العربي". ويشير إيديز إلى التحجّج بأسباب أخلاقيّة فارغة لانفصال تركيا عن الأسد، إذ لم يكن يواجه أردوغان أي مشاكل في العلاقة "الأخويّة" مع نظيره السوري حتّى ذلك الحين. يكتب إيديز الآن أن حكومة أردوغان تنظر الى وحدات حماية الشعب الكردية على أنّها عدوّها الأكبر، وليس الأسد. وتشكل وحدات حماية الشعب الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة.
يتزامن تبدّل الموقف التركي الحاصل تجاه الأسد مع إيجاد أنقرة وطهران نفسيهما في اصطفاف متزايد في العراق وسوريا، وهو ما تابعناه عن كثب. تكمن إحدى الأسباب في معارضة للاستفتاء على الاستقلال الذي من المقرّر أن تجريه حكومة إقليم كردستان العراق في 25 أيلول\سبتمبر. كما تعارض سوريا والولايات المتحدة وروسيا كما العديد من البلدان الأخرى هذا الاستفتاء.
يقف رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني في وجه النداءات الدولية المطالبة بتأجيل الاستفتاء، على الرغم من النتائج المحتملة على دفء العلاقة السابقة بين أربيل وأنقرة. كتب محمود بوزرسلان أن الحكومة التركية قد أغلقت مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني فى أنقرة بعد الحديث عن اختطاف حزب العمال الكردستاني لعناصر من المخابرات التركيّة داخل مناطق سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو وما يزيد الأمر سوءاً.
كتب حميد رضا عزيزي أنه على الرغم من معارضة كلّ من إيران وتركيا الاستفتاء، الاّ أن التنسيق الأمني بينهما وبين العراق معقّد. إن طهران غير مستعدّة لدعم العملية العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في سنجار وجبل قنديل أو للمشاركة فيها، "وذلك لأن الحكومة العراقية قد كرّرت معارضتها لأي وجود عسكري تركي داخل الأراضي [العراقية] من جهة، ولأنّ إيران لن تعطي تركيا مجالاً أكبر للمناورة فى العراق من جهة أخرى".
وأضاف عزيزي، "أماّ السيناريو الأكثر احتمالاً فيكمن في أن يبدأ الجانبان بتحديد مناطق نفوذهما في سوريا، في حين يستمرّان بالتنسيق فيما بينهما لتحقيق أهدافهما المشتركة. وقد يتضمن ذلك ضوءًا أخضر من إيران لشنّ تركيا عملية جديدة ضدّ الجماعات الكردية في الشمال السوري، وموافقة أنقرة على تقدّم الجيش السوري والقوات المؤيدة لإيران في شرق سوريا، وعلى الأخص في دير الزور. وعندها، ستمنع العملية التركية إنشاء كيان كردي موحّد في الشمال، في حين وبسبب التطوّرات في الشرق ستنحصر قوات سوريا الديموقراطيّة بالمناطق المحيطة بالرقة، مما يحول دون امتداد مكاسبها إلى الشرق".
ويشرح عزيزي أن روسيا قد تكون من أتباع هذا المسار أكثر من كونها في موقع القيادة له، ولا مانع لديها من ذلك. فكتب أنه "صحيح أنه حتّى الآن، حاولت موسكو أن تعتمد موقفاً محايداً إلى حدّ ما من القضية الكردية في سوريا، وحتى أن يكون لها علاقة وثيقة ببعض الجماعات الكردية، إلاّ أنها ترى الآن أن من مصلحتها أيضاً، تماماً كأنقرة وطهران، الحيلولة دون تقدّم إضافيّ للأكراد في سوريا". "إنّ استحواذ قوات سوريا الديموقراطيّة، التي تحظى في الواقع بدعم الولايات المتحدة، على الرقّة قد يعزّز نفوذ واشنطن على مستقبل سوريا، وهو ما لا يصبّ فى مصلحة روسيا بأي شكل من الأشكال".
كتب عزيزي أنه قد تشكّل التطورات الناجمة عن ذلك "تهديداً مباشراً للقواعد العسكرية الروسية [في سوريا]، وعلى الأخص في حال قدّم الأكراد قاعدة عسكرية في المنطقة إلى الولايات المتحدة. قد يفسّر ذلك بشكل واضح الأسباب التي دفعت بروسيا إلى توسيع دعمها الجوي للجيش السوري ليصل إلى الأجزاء الشرقيّة لسوريا". جاء في هذا العمود في تموز\يوليو أنه "قد تتبنّى روسيا دوراً لامبالياً في الظّاهر وداعماً في الواقع يسمح للأطراف الإقليميّة بأخذ زمام المبادرة ضدّ الأكراد السّوريّين أو غيرهم. وقد ترى موسكو النّصر في ذلك".