القاهرة: أثار إعلان وزارة الداخليّة المصريّة في 22 آب/أغسطس الماضي القبض على 12 شخصاً شكّلوا شبكة للإتجار بالأعضاء البشريّة في محافظة الجيزة جنوبيّ القاهرة، صدمة في المجتمع المصريّ بشأن رواج الإتجار غير الشرعيّ في الأعضاء البشريّة بالبلاد، وتزامن ذلك مع إذاعة تحقيق استقصائي مصوّر أعده الصحافي الألماني تيلو ميشكي لصالح قناة "proSeiben" الألمانية في برنامجه "Uncovered" يوم 18 آب/أغسطس الماضي، كشف عن وجود "مافيا" لتلك التجارة في المستشفيات.
وكشف التحقيق الألمانيّ عن "وجود شبكة من الأطبّاء والسماسرة متورّطين في تلك التجارة، فضلاً عن عمليّات النصب التي تجرى على اللاّجئين الأفارقة للاستيلاء على أعضائهم واستغلال عدم وجود حماية لهم"، لكنّ وزارة الصحّة نفت في بيان رسميّ بـ20 آب/أغسطس، ما ورد في التحقيق المصوّر، واصفة إيّاه بـ"الكذب والتدليس".
وقالت وزارة الصحّة: "التحقيق الألماني تمّ تسجيله خارج مستشفيات الوزارة (الحكوميّة)، ولا يثبت أنّ هناك بيعًا وتجارة في الأعضاء البشريّة داخل المستشفيات (...)، وهدفه الإضرار بالسياحة العلاجيّة في مصر وفق خطّة ممنهجة ضدّ مصر تضرّ بالأمن القوميّ للبلاد".
ولم يكن إعلان وزارة الداخليّة عن ضبط شبكة الإتجار في الأعضاء هوّ الأوّل من نوعه، إذ سبقه بأشهر عدّة إلقاء هيئة الرقابة الإداريّة (هيئة حكوميّة لمكافحة الفساد) القبض على "أكبر شبكة دوليّة للإتجار بالأعضاء البشريّة"، ضمّت أطباء وأكاديميين وممرضات، حسبما ذكرت في بيان بـ6 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2016.
واحتلّت مصر في عام 2010 المركز الخامس عالميّاً بين الدول التي تنتشر فيها تجارة الأعضاء البشريّة بشكل غير شرعيّ، طبقاً لمنظّمة الصحّة العالميّة، وعزت ذلك إلى حاجة المئات لبيع أعضائهم، خصوصاً الكلى والكبد بسبب الفقر. وأشار تقرير أصدره تحالف مكافحة تجارة الأعضاء "كوفس" في عام 2011 إلى أنّ "سماسرة الأعضاء بمصر يستغلّون اللاّجئين الأفارقة، خصوصاً السودانيّين، للاتجار في أعضائهم، عبر استغلال 3 سبل لذلك، إمّا الإغراء بالمال أو الإقامة، وإمّا جبراً، وإمّا سرقة". واستند التقرير في ذلك إلى شهادات 57 ضحيّة باعوا أعضاءهم.
وسارعت الحكومة المصريّة منذ ضبط "الشبكة الدوليّة" في 6 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي إلى إجراء تعديلات قانونيّة لتغليظ عقوبة الإتجار في الأعضاء البشريّة واستغلال اللاّجئين والفقراء في تلك الجرائم، حتّى وافق مجلس النوّاب يوم 4 تمّوز/يوليو الماضي، على تلك التعديلات على القانون رقـم (5) لسنة 2010 بشأن تنظيم زراعة الأعضاء البشريّة.
ونصّت المادّة 17 من التعديلات الجديدة بالقانون على أن "يعاقب بالسجن المشدّد وبغرامة لا تقلّ عن خمسمائة ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، كلّ من نقل عضواً بشريّاً أو جزءاً منه بقصد الزراعة المخالفة (...). أمّا إذا ترتّب على الفعل وفاة المتبرّع، فتكون العقوبة السجن المؤبّد، وغرامة لا تقلّ عن خمسمائة ألف جنيه (28 ألف دولار أمريكي) ولا تزيد عن مليون جنيه (56 ألف دولار أمريكي)".
كما شملت التعديلات الجديدة عقوبات على الأطبّاء والمنشآت الصحيّة في حال المشاركة بتلك العمليّات المخالفة، إذ نصّت المادّة 24 على "الحرمان من مزاولة المهنة لمدّة لا تقلّ عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وغلق المنشأة الطبيّة غير المرخّص لها إجراء أيّ من العمليّات المنصوص عليها في القانون، ووقف الترخيص الصادر للمنشأة".
ورأى رئيس الإدارة المركزيّة للمؤسّسات العلاجيّة غير الحكوميّة والتراخيص بوزارة الصحّة الدكتور علي محروس في تصريحات هاتفيّة لـ"المونيتور" أنّ التعديلات الجديدة على قانون تنظيم زراعة الأعضاء وضعت عقوبات مغلّظة لردع المخالفين، فانخفضت هذه التجارة أخيراً في مصر، مع تشديد الرقابة والمرور الدوريّ على المستشفيات المرخّص لها زراعة الأعضاء للتأكّد من استيفائها الشروط الصحيّة والقانونيّة اللاّزمة.
ومن ضمن تلك الشروط المتّبعة في عمليّة زراعة الأعضاء، الحصول على موافقة إجراء عمليّة الزرع من لجنة متخصّصة في وزارة الصحّة، فحص المريض طبيّاً لضمان جهوزيّته، إجراء توافق للمتبرّع مع المريض من حيث الأنسجة البشريّة. كما لا يسمح بتبرّع المواطن المصريّ بأعضائه لأيّ أجنبيّ. وفي حال رغبة أحد الأجانب في إجراء الجراحة بمصر، فإنّ ذلك الأمر يستلزم موافقة سفارته في القاهرة على ذلك، حسب بيان وزارة الصحّة يوم 20 آب/أغسطس الماضي، في ردها على التحقيق الألماني.
وقال علي محروس: إنّ وزارة الصحّة تجبر المتبرّع على تسجيل عقد في الشهر العقاريّ المصريّ (مؤسّسة حكومية) للتأكّد من عدم وجود شبهة اتجار في الأعضاء".
وهاجم أعضاء بالبرلمان المصريّ في تصريحات لجريدة "الدستور" بـ22 آب/أغسطس الماضي، تقصير وزارة الصحّة في الرقابة على مراكز زراعة الأعضاء. وفي هذا الإطار، قال عضو مجلس النوّاب سامي المشدّ: "يجب على الأجهزة التنفيذيّة تشديد الرقابة على المراكز التي تتاجر في أعضاء المواطنين، فوزارة الصحّة ليس لديها أيّ رقابة على تلك المراكز الموجودة في الكثير من المناطق على مستوى الجمهوريّة والمخالفة للقانون".
وأوضح رئيس لجنة إعداد قانون زراعة الأعضاء البشريّة ومساعد وزير الصحّة السابق الدكتور عبد الحميد أباظة في تصريحات هاتفيّة لـ"المونيتور"، أنّ تغليظ العقوبات بالقانون لن يقضي تماماً على عصابات الإتجار في الأعضاء، ولن يحدث ذلك إلاّ بتفعيل حقيقيّ للقانون والبدء في نقل الأعضاء من المتوفّين إلى الأحياء، وهو ما أجازه القانون بعد الحصول على موافقة المراجع الدينيّة الرسميّة (الأزهر والكنيسة)، لكنّه غير مفعّل على أرض الواقع لعدم وجود اهتمام سياسي واجتماعي به، وقال: "إذا تمّ هذا الإجراء ستنتهي تشكيلات العصابات لأنّ لا سبيل للإتجار في الموتى، طالما أتيح التبرّع بأعضائهم".
وفي سياق متّصل، أصدر رئيس الوزراء المصريّ شريف إسماعيل بـ5 تمّوز/يوليو، قراراً قضى بإعادة تشكيل اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشريّة برئاسة وزير الصحّة أحمد عماد. وأكّد مصدر مطّلع في وزارة الصحّة لـ"المونيتور"، أنّ اللجنة ستعقد اجتماعها الأوّل في منتصف أيلول/سبتمبر الجاري للنظر في الطلبات المقدّمة لترخيص مراكز زراعة الأعضاء، وتفعيل التعديلات الجديدة على القانون.
هناك 3 مشاكل تقف وراء استمرار هذه التجارة المجرمة دوليّاً بحسب عبد الحميد أباظة، هي: غياب الضمير الإنسانيّ، الفقر، والبطالة، الأمر الذي يدفع ببعض المواطنين تحت ضغط العوز والحاجة إلى الوقوع فريسة تلك العصابات، كما قال.