تتزايد المخاوف في إيران من مواجهة المصارف المصير نفسه كالمؤسسات المالية والائتمانية التي تبدو على شفير الهاوية. تسبّبت هذه المؤسسات التي يفتقد الكثير منها إلى تراخيص بزعزعة النظام المالي الإيراني بشكل كبير في العقد الماضي. ويواجه البنك المركزي الإيراني ضغوطات متزايدة من البرلمان كي يسوّي أوضاع هذه المؤسسات الائتمانية غير المصرفية فوراً لأنّ مودعين كثيرين باتوا يشتكون من تأخير في تسديد العديد من هذه المؤسسات المتأرجحة لمستحقاتها. وقد بات الوضع مأساوياً لدرجة أن المجلس الأعلى للأمن القومي أصبح متورّطاً، وهناك مخاوف من أن تتبعه البنوك. ولتجنب هذا السيناريو، يقترح النقاد أن يمنح البرلمان البنك المركزي الإيراني مزيدا من الاستقلالية حتى يتخذ إجراءات تأديبية أكثر صرامة بحقّ جميع المؤسسات المالية عند الضرورة.
خلال السنوات الثلاث الماضية، سعت إدارة الرئيس حسن روحاني إلى تمرير مشروع قانون في البرلمان لمنح المزيد من الاستقلالية الذاتية للبنك المركزي. ولكن، وبحسب الرئيس التنفيذي السابق لمصرف صادرات، أحمد حاتمي، خلال مقابلة مع موقع الأنباء "فرارو" في 10 حزيران/يونيو، إنّ بعض الهيئات الفاعلة التي لم يسمّها عرقلت إقرار التشريع. وحذّر حاتمي من أزمة في غضون ثلاث سنوات إن لم يفلح البنك المركزي الإيراني في إصلاح النظام المصرفي.
عانى النظام المالي الإيراني من قلة استقرار في الماضي القريب بسبب الضغوطات الخارجية وسوء الإدارة الداخلية. وقد أظهر تقرير حديث أعدّه البنك المركزي لمراجعة أداء المصارف التجارية والمصارف المتخصّصة والمصارف الحكومية والمؤسسات المالية والائتمانية صورة سلبية بشكل عام لطريقة تعامل المصارف الخاصة مع الدين. استناداً إلى التقرير، كتبت صحيفة الأعمال اليومية الرائدة "دنيا الاقتصاد" في 9 حزيران/يونيو أنّ الدين المصرفي الإجمالي الذي تدين به المصارف للبنك المركزي ازداد بنسبة 19،2% ليصل إلى 996 تريليون ريال إيراني (أي 30،5 مليار دولار) في آذار/مارس 2017، بالمقارنة مع العام السابق. وكما يفصّل الجدول أدناه، سجّلت المصارف التجارية والمتخصصة أداء أفضل بينما ازدادت ديون المصارف الخاصة والمؤسسات المالية والائتمانية بنسبة 206% خلال السنة المالية الإيرانية الأخيرة.
{image1}
المصدر: دنيا الاقتصاد
وفي الوقت نفسه، لم تستطع المصارف تحصيل الأموال المستحقة عليها من الحكومة خلال السنة التقويمية الإيرانية الأخيرة. وارتفعت ديون الحكومة والشركات التي تديرها الدولة للنظام المصرفي، باستثناء البنك المركزي الإيراني، بنسبة 33،1% في السنة الإيرانية المنتهية في 20 آذار/مارس، لتصل إلى 1،6 كوادريليون ريال إيراني (49،1 مليار دولار). كما تدين الحكومة بمبلغ 576 تريليون ريال إيراني (17،6 مليار دولار) للبنك المركزي.
ويضع الدين الحكومي الضخم ضغوطاً مفرطة على النظام المصرفي الذي عانى أيضا من أزمة السيولة. ومع ذلك، وبفضل تباطؤ الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة، ارتفعت القيمة الإجمالية للودائع في البنوك الإيرانية بنسبة 23،9٪ لتصل إلى 12،1 كوادريليون ريال إيراني (323،7 مليار دولار) في العام الذي أُجري فيه التقييم، وفقا لما ذكرته صحيفة فينانشيال تريبيون باللغة الإنجليزية في 11 تموز/يوليو. ويظهر ارتفاع الودائع أنّ الشعب الإيراني لا يزال يثق بمصارفه، على الرغم من تداعي العديد من المؤسسات المالية والائتمانية.
عادةً، تفلس المصارف عندما تعجز عن تسديد ديونها لسببين: عندما تقلّ قيمة خصومها عن أصولها، وهذه ليست الحال في إيران، أو عندما تعجز المصارف عن دفع ديونها على الرغم من تخطّي قيمة أصولها لخصومها. وستواجه إيران هذا السيناريو الأخير الذي يُعرف بنقص السيولة في حال استمرّ البنك المركزي في تأجيل تطبيق الإصلاحات وفي حال بقيت الحكومة عاجزة عن تسديد ديونها الهائلة للمصارف.
في مقابلة 10 حزيران/يونيو، قال حاتمي إنّ المصارف الإيرانية في حال سيئة ولكنّ الوضع تحت السيطرة. وأصرّ على تطبيق الإصلاحات المصرفية فوراً وإلا فسيواجه القطاع المصرفي أزمة في الدفق النقدي في السنوات المقبلة.
تحتاج المصارف الإيرانية إلى قدرة وصول إلى موارد مالية رخيصة متوفرة في المصارف المتعددة الجنسيات. ولذلك، عليها أن تمتلك ميزانيات وبيانات شفافة وذات معايير عالمية لتسهيل إجراء المقارنات في وضعها. وقد بدأت هذه العملية التي تستغرق وقتاً طويلاً ولكن قد تستلزم بضعة شهور لتصبح القاعدة المتّبعة.
وتُعتبر نسبة كفاية رأس المال في المصارف الإيرانية قضية أخرى تحتاج إلى معالجة وشيكة. وقد أمر البنك المركزي الإيراني عشرات البنوك التي تتخبّط وسط انخفاض نسبة كفاية رأس المال لديها بعدم توزيع الأرباح السنوية على المساهمين. وبدلا من ذلك، يتم حث المصارف على استخدام الربح لرفع رأس مالها حتى تتمكن من الحفاظ على نسبة كفاية رأس المال عند الحد الأدنى الذي يساوي 8٪. وسجّلت ثلاثة بنوك نسبة كفاية رأس مال أقل من 4٪ في السنة المالية الإيرانية المنتهية في 20 آذار/مارس 2016. وفي هذا السياق، أصدر البنك المركزي توجيهات تسمح فقط للبنوك التي تملك نسبة كفاية رأس مال أعلى من 8٪ بتوزيع الأرباح من السنة المالية الإيرانية السابقة على المساهمين. لم تُنشر بعد التقارير السنوية الخاصة بالسنة الإيرانية السابقة.
يعتقد معظم الخبراء المصرفيين في إيران أنّ البنك المركزي بحاجة إلى حرية واستقلالية إضافية في تنظيم السوق وتطبيق الإصلاحات المصرفية. يمكن للقضاء والبرلمان أن يلعبا دوراً بارزاً عبر مساعدة البنك في اتخاذ قرارات حساسة من دون التوقف عند الضغط الذي يمارسه السياسيون الذين قد يعارضون التغيرات في الوضع الراهن. ويتوقع الشعب الإيراني من حكومة ولاية روحاني الثانية أن تكون أكثر نشاطاً وتفاعلاً وأن تضغط بشراسة على المشرعين والمحافظين المعتدلين النافذين في مكتب المرشد الأعلى لاتباع سياسات أكثر صرامة لتنظيم أوضاع المؤسسات المالية والائتمانية المضطربة. بالتالي، على السلطات الإيرانية أن تساعد في إرجاع قدرة النظام المصرفي على الإقراض من خلال التخلّص من المصارف والمؤسسات المالية والائتمانية غير الفاعلة.
وإذا فشل روحاني في فرض إصلاحات مصرفية بارزة خلال ولايته الثانية، فقد يواجه خلفه مأزقاً يكون فيه الأوان قد فات على الإصلاح وعلى تفادي أزمة مصرفية خطيرة.