أعلنت الحكومة اليمنيّة والمعترف بشرعيتها دولياً قطعها العلاقات مع قطر في 5 يونيو، نفس اليوم الذي قطعت فيه السعودية علاقتها بقط، وهذا مفهوم بحكم أنّها حكومة مقيمة في الرياض ومدعومة في شكل أساسيّ من المملكة العربيّة السعوديّة. كما رحّبت الحكومة اليمنيّة بإنهاء مشاركة قطر في التحالف، ومشاركة قطر في التحالف الذي تقوده السعودية لقتال الحوثي لم تكن سياسيّاً وعسكريّاً مهمّة أو فعّالة مثل الإمارات العربيّة المتّحدة والسعوديّة، باستثناء قوّة قطريّة صغيرة لا تتجاوز المئة جنديّ على الحدود اليمنيّة-السعوديّة.
أبرز ملامح الدعم القطريّ للحكومة الشرعيّة في اليمن هو تكفّلها بدفع رواتب موظّفي السلك الدبلوماسيّ اليمنيّ منذ عامين، إضافة إلى تغطيتها المنحازة لهذه الحكومة والتحالف في القنوات القطريّة مثل الجزيرة والعربي، وكذلك تمويل قطر لقنوات يمنيّة موالية للإخوان نسبيّاً مثل قناة يمن شباب، وكذلك قناة بلقيس المملوكة من الناشطة وعضو حزب الإصلاح الحاصلة على جائزة نوبل توكل كرمان ومقرّها تركيا. ويعد حزب الإصلاح أبرز القوى السياسية التي تعارض الحوثي والقريبة من رئيس الحكومة المقيمة بالرياض عبدربه منصور هادي. ولقد تعرض الحزب الذي يمثل حركة الإخوان المسلمين باليمن لقمع شديد من الحوثيين الذين اقتحموا منازل قياداتهم واعضاءهم واعتقلوا بعضهم، لأسباب سياسية ومذهبية، لذا فرت معظم قيادات الحزب وكوادره الرئيسين لخارج اليمن مع بداية الحرب باليمن.
حسمت الحكومة اليمنيّة أمرها سريعاً في أزمة الخليج الحاليّة، لكنّ التناقض ظهر في موقف حزب الإصلاح الإخوانيّ في اليمن الذي أصدر بياناً بذات اليوم 5 يونيو يؤيّد فيه موقف الحكومة الشرعيّة ضدّ قطر. كان ذلك على مستوى القيادة، حيث أنّ قيادات حزب الإصلاح الصفّ الأوّل تعيش في المملكة العربيّة السعوديّة مثل رئيس الحزب محمد اليدومي.
بينما تعيش بقيّة قياداته وكوادره في تركيا حيث تبثّ منها قناة بلقيس، لهذا كان هناك تباين بين موقف الحزب الرسميّ وموقف كوادره وشبابه الأكثر تحرّراً في تركيا والمتعاطف مع قطر. أصبح هذا التعاطف الإخوانيّ مع قطر امتداداً أيضاً للحملة التي تشنّها كوادر الحزب ضدّ الإمارات العربيّة المتّحدة، ودورها في اليمن، متحاشين في شكل كبير الهجوم على السعوديّة أو انتقادها.
كانت هناك علاقة تحالف طويلة بين السعوديّة والإخوان في اليمن حيث كان مؤسّس الحزب وقائده السابق المتوفّي الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أحد مرتكزات النفوذ السعوديّ لدى القبائل في شمال اليمن، وكان يتلقّى دعماً ماليّاً هائلاً، كذلك كانت السعوديّة تموّل المعاهد العلميّة، وهي مدارس دينيّة موازية للتعليم الرسميّ في اليمن، وكانت تسيطر عليها كوادر الإخوان في اليمن في شكل كبير منذ نشأتها في عام 1975 حتّى إغلاقها في عام 2001.
على الرغم من الفتور الذي شاب العلاقة بين حزب الإصلاح والسعوديّة جرّاء مشاركته في انتفاضة عام 2011 ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح ثمّ تزايد التقارب السعوديّ-الإماراتيّ، حيث تتّخذ الإمارات موقفاً راديكالّياً ضدّ الإخوان في اليمن، إلّا أنّ ذلك لم يمنع السعوديّة من استضافة قيادات حزب الإصلاح وهو الحزب اليمنيّ الوحيد الذي أعلن دعمه صراحة لعاصفة الحزم، ممّا وفّر غطاء شرعيّاً للحوثي حتّى يزيد من تنكيله لكوادر الحزب وقياديّه المعتقلين في سجونه وأبرزهم القياديّ الإصلاحيّ محمّد قحطان. كما لم تشمل قائمة الإرهاب السعوديّة-الإماراتيّة أيّ اسم إخواني يمنيّ، والاسم اليمنيّ الوحيد فيها كان القياديّ السلفيّ عبد الوهاب الحميقاني، المقيم في قطر حاليّاً.
كانت المفارقة في موقف الحوثيّين المتعاطف مع قطر، لتكون المرّة الأولى التي يلتقي فيها الحوثيّون مع كوادر حزب الإصلاح في موقف سياسيّ. فإذا كانت من المعروف طبيعة العلاقة القويّة بين قطر وجماعة الإخوان بكلّ تفرّعاتها القوميّة، لكن من غير المعروف أنّ قطر كانت على علاقة قويّة بالحوثيّين في وقت سابق سرعان ما انقطعت، حيث انحازت إلى صفّ الإخوان منذ بداية التوتّر بينهما والمواجهات المسلّحة بين الحوثيّين والسلفيّين في قرية دماج في صعدة في أواخر عام 2011.
نشطت قطر سياسيّاً ودبلوماسيّاً لوقف حروب صعدة بين الحوثيّين وقوّات الحكومة اليمنيّة، والتي بدأت في عام 2004، واستمرّت حتّى عام 2010، حيث زار وزير خارجيّة قطر حمد بن خليفة صنعاء للتوسّط لوقف إطلاق النار في شهر أيّار/مايو 2007، لحقتها وساطة قطريّة بدأت في حزيران/يونيو 2007، ونجحت في توقيع اتّفاق بين الجانبين في شباط/فبراير 2008، وكانت من ضمن بنود الوساطة إعادة إعمار مدينة صعدة التي كانت بتمويل قطريّ. ثمّ انهار الاتّفاق سريعاً في آذار/مارس 2008، لتندلع الجولة الخامسة من الحرب، وتلاها هجوم إعلاميّ قطريّ ضدّ علي عبدالله صالح، بينما اتّهم صالح القطريّين بدعم الحوثيّين.
منذ عام 2009، توتّرت العلاقات بشدّة بين قطر والرئيس صالح وانحازت تغطية قناة الجزيرة إلى كلّ من الحوثيّين المتمرّدين في الشمال والحراك الشعبيّ المطالب بالانفصال في الجنوب، كما اتّهم الرئيس صالح قطر بدعم الحوثيّين بالسلاح والأموال. وكانت ذروة الخلاف في عام 2011، عندما انحازت قطر إلى الانتفاضة الشعبيّة اليمنيّة للإطاحة بصالح الذي بدوره اعتبر ما يجري مؤامرة تدار من غرفة عمليّات في إسرائيل، وقناة الجزيرة تخدم هذه المؤامرة، لذا ليس من باب العجب أن يكون الرئيس السابق صالح محتفياً بالقرار السعوديّ-الإماراتيّ ضدّ قطر التي دعمت الإرهاب وأثارت القلاقل في المنطقة. والجدير بالذكر أن حصل تحالف بين صالح وبين الحوثيين بعد انتهاء ثورة 2011 بالمبادرة الخليجية التي وقع عليها الجميع في فبراير 2012م.
سوف ينعكس تأثير ما جرى على اليمن بحسب مساراته، وإن كانت المصالحة مستبعدة حتّى الآن، لذا سوف ينعكس الأمر على مسار المعركة اليمنيّة التي من المتوقّع أن تزداد سخونة في شكل طرديّ مع حالة التوتّر في المنطقة، خصوصاً في الخليج، وبالتالي زيادة نشاط الفاعلين في الأزمة، خصوصاً أنّ اليمن أصبحت ساحة حرب بالوكالة لضرب القوّات الإماراتيّة والسعوديّة، فمن المتوقّع جرّاء هذه الأزمة تزايد حاجة قطر إلى إيران بعد إغلاق حدودها البرّيّة. بالتالي، سوف ينعكس ذلك على سياستها الخارجيّة بحسب مدى تجافيها من الخليج وتقاربها مع إيران، وبالتالي قد تستأنف قطر علاقاتها بالحوثيّين المنقطعة منذ فترة.
هذه الأزمة تزيد التساؤلات حول مستقبل الإخوان باليمن ممثلاً بحزب الإصلاح حيث تظلّ الإشكاليّة الأكبر في كيفيّة تعامل قطر مع جماعة الإخوان في اليمن التي انقسمت إلى موقف رسميّ قياديّ في السعوديّة ضدّها، وموقف كوادريّ غير رسميّ يدعمها في وقت توجد هيمنة إخوانيّة يمنيّة على المنافذ الإعلاميّة القطريّة وتمويل قطريّ لقنوات يمنيّة إخوانيّة مؤثّرة، إضافة إلى الدعم العسكريّ التركيّ الذي تتلقّاه قطر، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الإخوان في اليمن يظلّون قوّة سياسيّة وعسكريّة مهمّة حتّى لو جمدت لفترة، فهم قوّة اكثر تشعّباً في اليمن من حيث حضورهم الجغرافيّ في كلّ مكان فيها، على عكس الحوثيّين المحصورين في أقصى شمال اليمن، وهو موقع مهمّ لكونه الجزء الملاصق للحدود السعوديّة، وجبهتها الحدوديّة كانت الأكثر استنزافاً وحرجاً للملكة أثناء الحرب وقبلها.