مرّة أخرى، يبدو أنّ تركيا والاتّحاد الأوروبيّ متّجهان إلى اصطدامٍ مباشرٍ في علاقتهما، وهو أمرٌ يصعب جدًّا ما لم يكن من المستحيل تجنّبه.
في 20 حزيران / يونيو الجاري، اعتمدت لجنة الشؤون الخارجيّة التابعة للاتحاد الأوروبيّ نسخة منقّحة وشديدة اللهجة عن التقرير السنوي حول تركيا لعام 2016، اللأمر الذي أغضب الحكومة التركيّة. أيّدت اللجنة التقرير بشكل كبير إذ صوّت 51 عضوًا معه بينما اعترض عليه ثلاثة أعضاء فقط وامتنع 14 عضوًا عن التصويت.
وشدّدت اللجنة أنّ التعديلات الدستوريّة التي ستقرّ في تركيا والتي تعطي صلاحيّة واسعة للرئاسة لا تتماشى مع معايير كوبنهاغن (التي تستخدم لتحديد أهليّة الدول للانضمام إلى الاتحاد الأوروبيّ) ودعت الدول الأعضاء إلى تعليق محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبيّ بشكلٍ رسميّ في حال تمّ اعتماد التعديلات الدستوريّة بشكلها الحاليّ التي من المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ بعد الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة في تشرين الثاني / نوفمبر 2019.
بشكل أو بآخر، تطلب اللجنة من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أن يعلن أنّ نتائج الاستفتاء الذي أجري 16 نيسان / أبريل الماضي باطلة ولاغية. وبطبيعة الحال، هذا أمرٌ مرفوض بالنسبة إلى أردوغان. على الرغم من الجدل الواسع حول صحّة الانتخابات والانتصار بفارق ضيّق، ليس هناك أدنى احتمال أن تمتنع تركيا عن تنفيذ نتائج الاستفتاء أو إجراء تعديلات عليها.
بعد اعتماد اللجنة التقرير، قالت العضو في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الهولندي ومقررة الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي كاتي بيري أنّ "استمرار حالة الطوارئ في تركيا له آثار سلبيّة غير متناسبة مع المجتمع التركي، وأنّ الاعتقال التعسّفي لآلاف المواطنين، بمن فيهم نوّاب ورؤساء بلديات هو أمرٌ مثير للقلق بشكل كبير بالنسبة إلينا. ...ننتظر من الحكومة التركيّة أن تأخذ توصيات لجنة البندقيّة على محمل الجدّ وألّا تنسلى أنّ نصف الشعب التركي صوّت ضدّ التعديلات الدستورية في الاستفتاء".
وكان أردوغان قد رفض استنتاجات لجنة البندقيّة في آذار / مارس الماضي قائلًا أنّ اللجنة "لا تعوّل على شيء" ثمّ أضاف: "بإمكانكم أن تعدوا ما شئتم من تقارير، فنحن لا نعترف بها. ولمعلوماتكم، لن نعترف بها الآن ولا في المستقبل".
قامت صحيفة "الجمهوريّة" التركيّة بتحوير ما جاء في نصّ لجنة الشؤون الخارجيّة فنقلت أنّه "ينبغي تعليق محادثات الانضمام بأسرع وقت" بدلًا من "ينبغي تعليق محادثات الانضمام" ما دفع إلى المزيد من التصلّب في الموقف الأوروبي تجاه تركيا.
سيطرح النصّ الذي اعتمدته لجنة الشؤون الخارجيّة في 5 تموز / يوليو للنقاش في البرلمان الأوروبيّ وسيتم التصويت عليه في الجلسة العامة للبرلمان في 6 تموز / يوليو. ونظرًا للدعم الكبير الذي تحظى به لجنة الشؤون الخارجيّة حيث تتمثّل جميع الأطراف والكتل السياسيّة بشكل متناسب، من المرجّح أن يقوم الرلمان بتعليق ممحادثات الانضمام مع تركيا.
في مقابلة لها مع بي بي سي تركيا، عبّرت بيري عن موقف البرلمان الأوروبيّ وقالت أنّه على الرغم من الصياغة شديدة اللهجة للتقرير، لا يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء محادثات الانضمام على الفور. ويشير مصطلح "بأسرع وقت" إلى الإجراءات السريعة التي يتعيّن على البرلمان اتّخاذها في حال تمّ اعتماد التعديلات الدستوريّة في الانتخابات المقبلة عام 2019. لكنّها أكّدت مجدّدًا أنّه نظرًا للانتهاكات المستمرّة لحقوق الانسان وسيادة القانون في تركيا، فإنه من المستحيل النظر في عضويّة تركيا في الاتحاد الأوروبيّ. وعلى الرغم من أنّ البرلمان الأوروبيّ ليس له صلاحيّات تنفيذيّة، إلّا أنّه يعتبر "المؤسسة البوصلة" في الاتحاد الأوروبيّ ويشير قراره بشأن تركيا إلى المناخ العام الذي ينبغي على تركيا أن تتوقّعه في المستقبل القريب. ومن المؤكّد أنّ هذا القرار سيحدث ضجّة إضافيّة في الحكومة التركيّة.
كما أنّه من الممكن أنّ تسرّع رحلة أردوغان إلى ألمانيا بعد يوم واحد فقط من التصويت في البرلمان الأوروبيّ من الاصطدام المرتقب. فأردوغان سيحضر اجتماع مجموعة الـ20 في هامبورغ في أوّل زيارة له للبلاد منذ تشبيهه بعض الممارسات الحكوميّة بالنازيّة، ممّا أثار استياء الألمان بطبيعة الحال. ومن المرجّح أن يتم استقبال أردوغان وسط مظاهرات احتجاجيّة من قبل مجموعات تركيّة وكرديّة، في وقت اعلنت فيه الشرطة الألمانيّة أنّها لن تسمح تكرار ما حدث مؤخّرًا في واشنطن حيث قام حرس الرئيس التركي بمهاجمة متظاهرين سلميين أميركيي الجنسيّة. حاليًّا، إنّ مرافقي الرئيس مطلوبون من قبل الشرطة في الولايات المتّحدة. ستتوجّه الأنظار إلى أردوغان ومرافقيه بينما يزداد مستوى التوتّر بين الرئيس التركي ومضيفيه الألمان لا محالة. إلى الآن، رفضت قاعتان في دورتموند وأوبرهاوزن طلب أردوغان أن يتوجّه منها إلى الجماهير التركيّة في ألمانيا خلال رحلته.
من شأن زيارة أردوغان بالإضافة إلى موقف البرلمان الأوروبي حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أن يفاقم المناوشات الحالية بين تركيا والاتحاد. فإن وضع حقوق الإنسان المزري وانتهاكات الحريات الأساسية في تركيا يثير قلقًا متزايدًا في أوروبا.
لقد نظّم زعيم المعارضة التركية کمال قلیتش دار أوغلو "مسيرة من أجل العدالة" من أنقرة إلى اسطنبول التي إنطلقت في 15 حزيران/ يونيو الحالي.
من المتوقع أن تستغرق المسيرة التي تمتد على 480 كيلومترًا 23 يومًا وهي تهدف إلى حشد المعارضة الممتعضة من الغش المزعوم الحاصل في الاستفتاء الدستوري من بين أمورٍ أخرى.
من الممكن أن ينزل الآلاف من أعضاء المعارضة إلى الشارع في منتصف شهر تموز/ يوليو الجاري في حال سمح أردوغان للمسيرة أن تمضي قدمًا. ومن المحتمل عندئذٍ أن يرسل الرئيس قوات الأمن لمواجهة حشود المسيرة بشكلٍ سلمي.
قد ينهي المشاركون في هذه المسيرة التي قد تتحول إلى أكبر تنظيم شعبي في السياسة التركية الأخيرة، مسيرتهم تزامنًا مع الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو المقبل.
في الوقت نفسه تستعد الحكومة للتظاهرات الضخمة التي سينظمها الموالون لأردوغان لإحياء ذكرى "الشهداء" والاحتفال "بانتصار الديمقراطية"، ما يعني تعزيز قبضة أردوغان على السلطة.
لا يصعب تخيّل الاضطرابات التي قد يحدثها تلاقي هاتين المجموعتين. ولا يمكن نسيان المحاكمات العالقة حول الانقلاب الفاشل التي من شأنها أن تصبّ الزيت على النار.
فقد بدأت نتائج المحكمة الرئيسية تظهر وهي ليست لصالح أردوغان. وكان هذا الأخير يتوقع أن يخلق ضجة كبيرة لصالحه من هذه المحكمة ضد الانقلابيين ولكن بعض الشهادات جاءت ضد أقواله، ممّا أدّى إلى تأجيل المحاكمة لغاية 30 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وقد بدأت أيضً المحاكمة الأولى حول صحفيين بارزين متهمين بارتباطهم بحركة غولن التي يُزعم أنها وراء الانقلاب. وتبقى وسائل اعلام كثيرة يسيطر عليها أردوغان صامتة على الموضوع. ولكن هذه المحاكمات لم تغب عن نظر المجتمع الدولي ممّا يزيد وضع سجل تركيا حول حقوق الإنسان سوءًا.
تحتاج العلاقات الحالية بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى معجزة. فالوقت الآن مناسبًا للدعاء بأن يمرّ شهر تموز من دون أي إضطرابات من شأنها مفاقمة الوضع المتوتر القائم.